حملت الطائرات المتفجرة من دون طيار، التي انهالت على قاعدة حميميم الروسية في الداخل المحصن لمناطق الرئيس السوري بشار الأسد، رسالة واحدة الى موسكو، مفادها أن القوات الروسية أضعف مما تخال نفسها في سوريا.
وجاء الهجوم الغامض على القاعدة الروسية، بعد أقل من ست أسابيع على توقيع الرئيس الاميركي دونالد ترامب على تمويل وتدريب قوات "المعارضة السورية" بمبلغ 393 مليون دولار أميركي.
اختراق الدفاعات الروسية في حميميم لم يحمل بصمات أميركية، بل الصمت المطبق الذي رافق الهجوم كان صمتاً يشبه الإعلان، فالفصائل السورية المعارضة أو "داعش" تسابقت على مدى السنوات السبع الماضية على تبني هجمات، وحتى أحداث وانفجارات عرضية عن طريق الخطأ، لاعتقادها أن أي استعراض قوة يحسّن موقعها في نظر المانحين، ويساهم في التحاق المقاتلين بها.
الهجوم على قاعدة حميميم، والذي أشارت تقارير غير مؤكدة إلى نجاحه في تعطيل سبع مقاتلات روسية كانت جاثمة على أرض المطار العسكري في القاعدة، هو الأهم عسكرياً واستراتيجياً. ومع ذلك، لم تتبناه أي من الفصائل السورية المعارضة أو "داعش"، وهو ما يشي أن من يقف وراءه، يعمل بانضباط وتعليمات من جهة لا يناسبها أن تتحمل مسؤولية الهجوم علناً، ولكن لا يضيرها في الوقت نفسه أن يشتبه الروس في ضلوعها في الهجوم.
الروس، بدورهم، سارعوا لاتهام الأميركيين، أولاً بسبب المدى البعيد لهذه الطائرات، وثانياً بسبب تحليق طائرة تجسس أميركية في السماء السورية، أثناء الهجوم، يعتقد أنها زودت المهاجمين بإحداثيات المقاتلات الروسية، أو ساهمت في توجيه الطائرات المتفجرة.
وإن صحّت الاتهامات الروسية لأميركا بالتورط في الهجوم، وبما أن الهجوم يلي موافقة ترامب — البخيل في مصروفه عالمياً عادة — على تمويل المعارضة السورية، وبما أن الأحداث التي لا تصب في مصلحة القوى المنافسة للولايات المتحدة، من قبيل اندلاع تظاهرات شعبية مفاجئة في إيران، بدأت تحصل، لا بد من الاعتقاد أن واشنطن دونالد ترامب قررت التخلي عن حذر سلفه باراك أوباما، و"إعادة أميركا إلى عظمتها مجدداً"، حسب شعار ترامب.
وشعار ترامب هذا مأخوذ من شعار سلفه، ومثله الأعلى بين الرؤساء، الراحل رونالد ريغان، الذي كان معروفاً بموافقته على تزويد ميليشيات حول العالم بأموال ودعم لإلحاق الهزائم بخصومه، وكان في طليعتهم الاتحاد السوفياتي، الذي عانى من دعم أميركا للجهاديين الأفغان، والعقوبات الأميركية بسبب الاجتياح السوفياتي لأفغانستان. ولم تكد موسكو تخرج من المستنقع الافغاني حتى انهار الاتحاد السوفياتي والمنظومة الاشتراكية بأكملها.
ترامب يحاول تكرار كل ما قام به ريغان اعتقاداً منه أن الرئيس الراحل اكتسب سمعة اسطورية بسبب انجازاته في السياستين الاقتصادية والخارجية. لكن على عكس ريغان، الذي اطلق تسمية امبراطورية الشر على روسيا، يتمتع ترامب بعلاقة وطيدة مع موسكو، يعتقد البعض أنها علاقة دولة (روسيا) بعميلها الاستخباراتي (ترامب).
ترامب، المتعاطف مع روسيا لألف سبب وسبب، يعتقد أنه وجد ضالته في إيران، التي يسعى لإلحاق الهزيمة بها وتدوين اسمه في كتب التاريخ، مثل ريغان، وهو ما يعني أن موافقته على تمويل المعارضة السورية المسلحة هو لاعتقاده انه تمويل لهزيمة ميليشيات ايران وحليفها الأسد. لكن الموافقة على تمويل المعارضة السورية شيء، وقيام وزارة الدفاع الاميركية بتحديد الخصم من الحليف داخل سوريا شيء آخر.
والمعروف عن ترامب أنه معجب بالعسكر والجنرالات، وانه يؤيد اطلاق أيديهم في السياسة الدولية والعسكرية، ولا بد أنه أطلق أيديهم في سوريا.
الجنرالات، بدورهم، نشأوا في زمن كانت أميركا ترى فيه روسيا كتهديد وجودي، ولا شك أن نظرتهم تجاه موسكو ماتزال سلبية، وهو ما يكرره رئيس الاركان مارك مايلي دورياً، مثل في قوله في مقابلة لمجلة الجيش الاميركي، إن روسيا هي تهديد وجودي للولايات المتحدة، وإنه بالحكم على "تصرفاتها في السنوات الاخيرة، في اعادة تنظيم جيشها، وزيادة قدراتها، وتبنيها سياسية خارجية عدائية"، روسيا هي العدو الأول لأميركا.
احجية مصدر الطائرات المتفجرة على حميميم قد تبقى من دون إجابة، لكن تطورات الأحداث في واشنطن قد تشي بأن الولايات المتحدة في طريقها "لزيادة الحرارة" تحت أقدام الروس في سوريا.
اشترك معنا في نشرة المدن الدورية لتبقى على اتصال دائم بالحدث
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها