كشفت الزيارة التي قام بها المدير التنفيذي لدائرة النفط والغاز في شركة “جنرال الكتريك” الاميركية لورنزو سيمونيلي الى طهران ان عودة العلاقات الاميركية - الايرانية لم يعد مرتبطا بالرئيس باراك أوباما، او بادارته، او بمناصري الجمهورية الاسلامية في العاصمة الاميركية، بل ان هذه العلاقات بدأت تتحسن بعيدا عن الاضواء بشكل سريع ومضطرد، في عملية تشمل الاميركيين من الحزبين الديموقراطي والجمهوري.
والمعروف ان أوباما يعتقد ان الضمانة الافضل لتعميق صداقة بلاده مع النظام الايراني تتمثل بالاسراع في شبك مصالح البلدين التجارية، وانه كلما ازداد عدد الشركات الاميركية التي تجني ارباحا من السوق الايرانية، كلما صار اصعب على الرئيس المقبل ابطال مفاعيل الاتفاقية النووية مع ايران او مواجهة طهران في الشؤون الشرق اوسطية الاخرى.
ويمكن للشركات الكبرى مثل “جنرال الكتريك” ان تستخدم نفوذها الواسع في الكونغرس لثنيه عن فرض اي عقوبات على طهران مستقبلا، حفاظا على اي مكتسبات قد تجنيها في السوق الايرانية. اما اذا تعددت الشركات الاميركية العاملة في ايران والمستفيدة منها، يصبح من الاكثر صعوبة على الادارة المقبلة او الكونغرس مواجهة ايران، اذ ان “المصالح القومية” للولايات المتحدة تصبح تحت رحمة ابقاء العلاقة مع الايرانيين جيدة.
اما اللافت في زيارة سيمونيلي الى طهران، التي اختتمها يوم الاثنين، فيكمن في هوية رئيس شركة “جنرال الكتريك” جيفري ايميلت، وهو مليونير ينتمي للحزب الجمهوري المعارض لأوباما الديموقراطي. وكان أوباما جنّد ايميلت في العام ٢٠١١ عن طريق ضمه الى “مجلس الوظائف” الذي انشأه البيت الابيض، وهو ما يعني ان زيارة سيمونيلي الى طهران، والتي كشفت عنها صحيفة “وال ستريت جورنال” اليمينية المعارضة لتحسين العلاقات مع ايران، تمت بمعرفة احد اركان الجمهوريين والمقرّب في الوقت نفسه من الرئيس الديموقراطي أوباما.
صحيح ان سيمونيلي هو مدير دائرة “النفط والغاز”، لكن “جنرال الكتريك” تسعى الى بيع الايرانيين سلّة من الصناعات الاميركية الكهربائية والميكانيكية والتكنولوجية. وتسعى الشركة الاميركية لغزو السوق الايرانية، فتبيع الايرانيين سيارات وبرادات وغسالات وادوات منزلية، وتبيع شركات الطيران الايرانية محركات وتقنيات طيران، وتبيع المزارعين الايرانيين توربينات ومضخات مياه ومعدات زراعية، وتبيع الحكومة الايرانية معدات حديثة لاستخراج النفط، او تتولى “جنرال الكتريك” نفسها التزام انتاج النفط الايراني وتصديره باسم حكومة الجمهورية الاسلامية.
ومن يتابع الشؤون الاقتصادية الاميركية يعرف ان “جنرال الكتريك”، بقيادة ايميلت والتنسيق مع أوباما وفريقه، تمثل في ادائها الانعطافة نفسها الجيواقتصادية التي قام بها الرئيس الاميركي منذ تسلمه الحكم في العام ٢٠٠٩. فأوباما يعتقد ان سرّ التفوق الاميركي العالمي يتمثل بتخفيف اعتماد بلاده على اقتصاد الخدمات، وخصوصا المالية، والعمل على اعادة البريق للصادرات الاميركية بمساعدتها على غزو اسواق العالم ومنافسة الدول الصناعية الاخرى.
وفي سياق مشابه، يعمل ايميلت منذ تسلمه قيادة الشركة، مطلع العقد الماضي، على بيع فروع الخدمات مالية واعادتها الى الصناعة والتصدير والعمل في مجالات استخراج الطاقة.
وفيما يسعى أوباما لاقتناص الاسواق في كوبا وميانمار وايران، تسعى الصين لاعادة احياء “طريق الحرير” الاسطوري — محرك الصراعات الامبراطورية عبر التاريخ — فتتنافس الصين مع اميركا للفوز بحظوة ايران بعدما نجحت واشنطن باقامة اتفاقية سوق حرة مع كل جيران الصين الذين يعادونها.
في عهد أوباما، عادت أميركا الى مركنتيلية القرنين التاسع عشر والعشرين، وصادفها حظ موفق لناحية اكتشاف تقنيات ساعدت على اغراق السوق العالمية بالطاقة وتاليا تخفيض اسعارها، وهو ما اوقف تراجع الصناعات الاميركية وأعادها للازدهار.
اما المذابح في سوريا او العراق او ليبيا، فهذه شؤون للأمم المتحدة لتلهو بها وتناقشها وتكتب التقارير عنها، فالامبراطوريات عندما تتنافس على الاسواق، تتحول الشعوب وقود لهذا السباق.
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها