على الرغم من بعض الكبوات بين الحين والآخر، تحقق ايران انتصارات متتالية في منطقة الشرق الاوسط، وهي ان استمرت على هذا المنوال، يصبح اخضاعها مساحات عربية واسعة، وعرب كثيرين، امرا متوقعا.
فلنأخذ العراق مثالا. كانت ايران تخشى أميركا واحتلالها، فراحت تنظم عمليات عسكرية أدت الى مقتل ربع الجنود الاميركيين الاربعة الاف الذين ماتوا في العراق. بعد انسحاب أميركا، خاضت طهران معارك شرسة ضد رئيس حكومة العراق السابق نوري المالكي، فراح الأخير يبالغ في تطرفه للابقاء على الدعم الشيعي له. وتجلى تطرف المالكي باستهداف السنة المنخرطين في العملية السياسية، حتى اخرجهم، ودفع سنة آخرين الى الاختيار بين الفناء وتنظيم “الدولة الاسلامية” (داعش).
ثم وافقت اميركا على استبدال حليفها المالكي بخلفه الضعيف حيدر العبادي كثمن انخراط ايران في الحرب على داعش، فراح سليماني يقود خطوط الجبهة في الفلوجة والرمادي بغطاء جوي اميركي، واقترب العراق من التحول الى دولة تابعة لايران بالكامل، الى درجة ان ايران اثارت العراقيين ضد الوجود التركي في بعشيقة الحدودية، على الرغم من انه وجود متفق عليه مع حكومة اقليم كردستان وسببه انهيار سيادة بغداد على حدودها الشمالية.
في لبنان، كانت ايران تكافح ضد غالبية شعبية نيابية سياسية مدعومة بتأييد دولي دبلوماسي واسع فرض اقامة محكمة دولية لمحاسبة قتلة رئيس الحكومة السابق رفيق الحريري. واتهمت المحكمة خمسة من “حزب الله” بالجريمة، وبدا ان ايران تتقهقر في لبنان بعدما انهار حليفها الرئيس السوري بشار الأسد وسحب قواته.
لكن “حزب الله” نجح في تقويض المحكمة، وتحولت التسوية السياسية اللبنانية من واحدة مبنية على تحييد سلاح الحزب، حسب القرارات الدولية، الى تسوية مبنية على انتخاب حليف “حزب الله” ميشال عون رئيسا للجمهورية.
في سوريا، كانت مفاوضات التسوية السياسية تجري والمعارضة المسلحة على مشارف القصر الرئاسي. اليوم صار اقصى طموح معارضي الأسد وايران من السوريين التوصل الى هدنة في حلب تسمح للمدنيين المنكوبين بالتقاط انفاسهم بين المجزرة والاخرى، فيما الرئيس السوري بشار الأسد يفتح ابوابه لبعض المسؤولين والاعلاميين الغربيين استعدادا لخروج مؤتمل من عزلته الدولية.
ومثل في العراق ولبنان وسوريا، توسعت ايران في اليمن، وانتقل حلفاؤها من ممسكين بشمال البلاد الى حاكمين في صنعاء.
ارفقت ايران نجاحاتها العسكرية على الاراضي العراقية واللبنانية والسورية واليمنية باداء قوي قلّ مثيله في اروقة الديبلوماسية العالمية. العرب يمولون التحالف الدولي ضد داعش، ويشاركون في الطلعات الجوية، ويخوضون معارك اعلامية ضد التنظيم، والغرب يتهم العرب بداعش ويرى ان الحل يقضي بان تمسك ايران بالملف الأمني في منطقة الشرق الاوسط برمتها. ويتمسك بعض الغرب بايران حتى لو قام حلفاؤها بقصف سفن حربية اميركية امام الشواطئ اليمنية.
ليست نجاحات ايران صدفة ولا هي تآمر عالمي على العرب. الايرانيون، على فسادهم وانقساماتهم، اثبتوا مهارة أكبر من العرب في رسم استراتيجيات طويلة الأمد لخلق وتدريب وتمويل ودعم حلفاء في عموم المنطقة. “حزب الله” اللبناني، مثلا، ليس وليد الساعة، بل هو ثمرة اكثر من ربع قرن من الاستثمار الايراني المالي والديبلوماسي والسياسي المتواصل. ولو قارنا هذا الحزب بلاعبين لبنانيين آخرين يستمدون دعمهم، او كانوا، من قوى اقليمية او عالمية، لوجدنا ان خصوم “حزب الله” ينفقون نصف وقتهم في اقناع داعميهم بضرورة استمرار الدعم، ونصفه الآخر في التآمر على بعضهم البعض.
وكما في لبنان، كذلك في اليمن وفي العراق وسوريا. تخلق ايران مجموعات، تمولها على فترات طويلة، تدربها، تعمل على بناء صورة لها، تخلق لها تنظيمات عسكرية ومدنية واجتماعية واعلامية.
وكما على الارض، كذلك في اروقة القرار العالمي: لايران هدف، ولديها خطة، ومعظم العاملين لديها مخلصين لها، وهي مخلصة لهم. اما خصومها، فلا هدف ولا خطة ولا اخلاص، بل بطاقات طيران درجة اولى، وفنادق فاخرة، وكلام فارغ.
ايران تفوز. من يوقفها؟ أميركا لا تتحرك الا ان تعرضت مصالحها، بما فيها اسرائيل، للخطر، وايران عرفت كيف تحافظ على أمن اسرائيل، ومتى تهزه، وكيف. اما ضحايا ايران، فما زال معظمهم يصرخون “مؤامرة” وهم ينفخون دخان سجائرهم.
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها