السبت 2024/09/07

آخر تحديث: 16:20 (بيروت)

غزة تدخل عامها الدراسي الثاني... بلا مدارس

السبت 2024/09/07
غزة تدخل عامها الدراسي الثاني... بلا مدارس
أطفال يبيعون الأنقاض لمساعدة علائلاتهم.. بدلاً من الذهاب للمدرسة (Getty)
increase حجم الخط decrease
كان من المفترض أن يعود أطفال عائلة قديح إلى المدرسة هذا الأسبوع، لكنهم تعثروا وهم يحملون أكواماً من الأنقاض التي جمعوها من مبنى مدمر لبيعها كي تُستخدم في بناء قبور في المقبرة التي أصبحت الآن منزلهم في جنوب غزة.

وبعدما حمل، وإخوته الثلاثة، أصغرهم يبلغ من العمر 4 سنوات، حمولة من قطع الخرسانة، قال عز الدين قديح (14 عاماً): "أي شخص في سننا في بلدان أخرى يدرس ويتعلم. نحن لا نفعل ذلك. نحن نعمل في شيء يتجاوز قدراتنا. نحن مجبرون على ذلك من أجل الحصول على لقمة العيش"، حسبما نقلت وكالة "أسوشييتد برس".

ومع دخول غزة عامها الدراسي الثاني بلا مدارس، فإن معظم أطفالها محاصر في مساعدة أسرهم في النضال اليومي من أجل البقاء وسط الحرب الإسرائيلية المدمرة. وكان الأطفال يمشون حفاة على الطرق الترابية لحمل المياه في أوعية بلاستيكية من نقاط التوزيع إلى أسرهم التي تعيش في مدن الخيام التي تعج بالفلسطينيين الذين طردوا من منازلهم. وانتظر آخرون في مطابخ الجمعيات الخيرية حاملين حاويات لإحضار الطعام.

وقال عاملون في المجال الإنساني أن الحرمان المطول من التعليم يهدد بإلحاق أضرار طويلة الأمد بأطفال غزة. وأوضحت المتحدثة الإقليمية باسم منظمة الأمم المتحدة للطفولة "يونيسيف" تيس إنغرام، أن الأطفال الأصغر سناً يعانون في نموهم المعرفي والاجتماعي والعاطفي، والأطفال الأكبر سناً معرضون لخطر أكبر من جرهم إلى العمل أو الزواج المبكر.

وأضافت إنغرام: "كلما طالت فترة بقاء الطفل خارج المدرسة، كلما زاد خطر تركها بشكل دائم وعدم العودة إليها"، علماً أن 625 ألف طفل في سن الدراسة في غزة حرموا بالفعل من عام دراسي كامل تقريباً. وأغلقت المدارس بعدما شنت إسرائيل هجومها على المنطقة رداً على هجوم حركة "حماس" في 7 تشرين الأول/أكتوبر على جنوب إسرائيل.

ومع تعثر المفاوضات لوقف القتال في الحرب بين إسرائيل و"حماس"، لا يعرف متى يمكنهم العودة إلى الفصول الدراسية، علماً أن أكثر من 90% من مباني المدارس في غزة التي تديرها وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"، تضرر بسبب القصف الإسرائيلي، بحسب "منظمة التعليم العالمية"، وهي مجموعة من منظمات الإغاثة تقودها "يونيسيف".

ودُمّر نحو 85% من تلك المباني إلى حد يجعلها بحاجة إلى إعادة بناء شاملة، ما يعني أن الأمر قد يستغرق سنوات قبل أن تصبح صالحة للاستخدام مرة أخرى. كما دمر القصف جامعات غزة. وتزعم إسرائيل أن مسلحي "حماس" يعملون انطلاقاً من المدارس.

وطرد نحو 1.9 مليون شخص من سكان غزة البالغ عددهم 2.3 مليون نسمة من منازلهم، ليحتشدوا في الخيام المترامية الأطراف التي تفتقر إلى أنظمة المياه أو الصرف الصحي، أو في مدارس الأمم المتحدة والحكومة التي تعمل الآن كملاجئ. ولم يعد أمام الأطفال خيار سوى مساعدة الأسر.

وقال مؤمن قديح أن أطفاله كانوا يستمتعون بالمدرسة قبل الحرب، موضحاً: "كانوا طلاباً متميزين. لقد ربيناهم جيداً". والآن يعيش هو وأبناؤه الأربعة وابنته في خيمة في مقبرة في خان يونس بعدما اضطروا إلى الفرار من منزلهم في الأحياء الشرقية من المدينة. وقال أن الأطفال يخافون النوم بجوار قبور الموتى، لكن ليس لديهم بديل.

والتدفق المستمر للضحايا من الغارات الجوية والقصف على المقبرة والإمدادات الوفيرة من المباني المدمرة هي مصدر دخل ضئيل بالنسبة لهم. فكل يوم في الساعة 7 صباحاً، يبدأ قديح وأطفاله في البحث وسط الأنقاض. في يوم عمل مؤخراً، تعثر الأطفال الصغار على كومة الحطام بما وجدوه. كان ابن قديح البالغ من العمر 4 سنوات يوازن قطعة من الخرسانة تحت ذراعه، وشعره الأشقر المجعد مغطى بالغبار. خارج خيمتهم، كانوا يجلسون على الأرض ويسحقون الخرسانة حتى تتحول إلى مسحوق.

وفي يوم جيد، بعد ساعات من العمل، يكسبون حوالي 15 شيكل (4 دولارات) من بيع المسحوق لاستخدامه في بناء قبور جديدة. وقال قديح، الذي أصيب في حرب إسرائيل العام 2014 مع "حماس"، أنه لا يستطيع القيام بالعمل الشاق بمفرده. وأضاف: "أبكي عليهم عندما أراهم بأيد ممزقة. في الليل، لا يستطيع الأطفال المنهكون النوم بسبب آلامهم وأوجاعهم. إنهم يرقدون على فراشهم مثل الموتى".

وعملت جماعات الإغاثة على إنشاء بدائل تعليمية، رغم أن النتائج كانت محدودة حيث تكافح مع تدفق الاحتياجات الأخرى. وقالت إنغرام أن "يونيسف" ووكالات الإغاثة الأخرى تدير 175 مركزاً تعليمياً مؤقتاً، تم إنشاء معظمها منذ أواخر آيار/مايو، خدمت حوالي 30 ألف طالب، مع حوالي 1200 مدرس متطوع.

وأكملت أنغرام: "إنهم يقدمون دروساً في القراءة والكتابة والحساب بالإضافة إلى أنشطة الصحة النفسية والتنمية العاطفية"، مضيفة أنهم "يكافحون للحصول على الإمدادات مثل الأقلام والورق والكتب لأنها لا تعتبر أولويات منقذة للحياة حيث تكافح مجموعات الإغاثة لإيصال ما يكفي من الغذاء والدواء إلى غزة".

وفي آب/أغسطس الماضي، بدأت "أونروا" برنامج "العودة إلى التعلم" في 45 من مدارسها التي تحولت إلى ملاجئ توفر للأطفال أنشطة مثل الألعاب والدراما والفنون والموسيقى والرياضة. والهدف هو "منحهم بعض الراحة، وفرصة للتواصل مع أصدقائهم وأن يكونوا مجرد أطفال"، حسبما أفادت المتحدثة باسم الوكالة جولييت توما.

ولطالما كان التعليم من الأولويات القصوى لدى الفلسطينيين منذ أمد بعيد. فقبل الحرب، كان معدل الإلمام بالقراءة والكتابة في غزة مرتفعاً، وبلغ ـ نحو 98%. وعندما زارت غزة آخر مرة في نيسان/أبريل، قالت إنغرام إن الأطفال كثيراً ما أخبروها بأنهم يفتقدون المدرسة وأصدقائهم ومعلميهم. وبينما كان يصف مدى رغبته في العودة إلى الفصل، توقف أحد الأولاد فجأة في حالة من الذعر وسألها: "أستطيع العودة، أليس كذلك؟". وتابعت: "كان هذا مفجعاً بالنسبة لي".

وأخبرها الآباء أنهم رأوا التغيرات النفسية في أطفالهم في غياب الاستقرار اليومي الذي توفره المدرسة ومع الصدمات المتراكمة الناجمة عن النزوح والقصف والوفيات أو الإصابات في الأسرة. وأصبح بعضهم متجهماً ومنسحباً، وأصبح آخرون مضطربين أو محبطين.

ودمرت الحملة الإسرائيلية التي استمرت 11 شهراً مساحات شاسعة من غزة وخلفت أزمة إنسانية، مع انتشار سوء التغذية والأمراض على نطاق واسع. وبحسب مسؤولي الصحة في غزة، قتل أكثر من 40 ألف فلسطيني. والأطفال من بين الأكثر تضرراً. وأوضحت إنغرام أن ما يقرب من 1.1 مليون طفل في غزة من المعتقد أنهم بحاجة إلى مساعدة نفسية واجتماعية. وتقول إسرائيل أن حملتها تهدف إلى القضاء على "حماس" لضمان عدم تمكنها من تكرار هجوم 7 تشرين الأول/أكتوبر، الذي قتل فيه المسلحون نحو 1200 شخص في جنوب إسرائيل واختطفوا 250 آخرين.

إلى ذلك، تسبب الصراع في تأخير تعليم الأطفال الفلسطينيين في الضفة الغربية، حيث كثفت إسرائيل القيود على الحركة ونفذت غارات مكثفة. وقالت إنغرام: "في أي يوم منذ تشرين الأول/أكتوبر، تم إغلاق ما بين 8% و20% من المدارس في الضفة الغربية"، مضيفة أنه عندما تكون المدارس مفتوحة، ينخفض الحضور بسبب صعوبات الحركة أو لأن الأطفال خائفون.

ويقول الآباء في غزة أنهم يكافحون لمنح أطفالهم حتى التعليم غير الرسمي في ظل الفوضى المحيطة بهم. ففي مدرسة في دير البلح بوسط المدينة، كانت الفصول الدراسية مكتظة بالعائلات، حيث كانت ملابسهم المغسولة معلقة فوق السلالم بالخارج. وكانت الخيام المتهالكة المصنوعة من ملاءات الأسرة والأقمشة المشمعة المدعومة بالعصي ممتدة عبر الفناء.

وقالت أم أحمد أبو عوجا، محاطة بتسعة من أحفادها الصغار: "لقد ضاع مستقبل الأطفال. ما درسوه العام الماضي أصبح منسياً تماماً. وإذا عادوا إلى المدرسة، فعليهم أن يبدأوا من البداية".

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها