الثلاثاء 2024/09/10

آخر تحديث: 12:55 (بيروت)

مصريون مُحبَطون من حاضرهم ينشرون خرافات عن الحضارة الفرعونية!

الثلاثاء 2024/09/10
مصريون مُحبَطون من حاضرهم ينشرون خرافات عن الحضارة الفرعونية!
increase حجم الخط decrease
من تمثال فرعوني تحدى قصف الحلفاء في الحرب العالمية الثانية، إلى استخدام الكهرباء وأشعة ليزر، وصولاً إلى غزو كوكب المريخ قبل آلاف السنين، تحصد منشورات محملة بمبالغات وأخبار خيالية عن الحضارة المصرية القديمة وأمجادها، عشرات آلاف المشاركات في مواقع التواصل الاجتماعي في مصر، في ظاهرة يصفها علماء اجتماع بأنها "آلية دفاعية" لمجتمعات تبالغ في تمجيد الماضي تعويضاً عن تراجع مكانتها في الحاضر.

وعلى مدى السنوات الماضية، ظهرت في مواقع التواصل الاجتماعي منشورات كثيرة غير صحيحة عن الحضارة المصرية القديمة، أصدرت خدمة تقصي صحة الأخبار في وكالة "فرانس برس" تقارير فندت كثيراً منها، على غرار منشورات تزعم أن أحجار الهرم الأكبر صنعت يدوياً، أو أن مصر القديمة عرفت المصابيح الكهربائية منذ القدم، أو، أغربها على الإطلاق، وصول المصريين القدماء إلى كوكب المريخ قبل آلاف السنوات.

وقال أستاذ علم الاجتماع السياسي المصري سعيد صادق: "حين تفقد الدول مكانتها الإقليمية أو الدولية، تبالغ شعوبها في الحديث عن الماضي. إنها آلية دفاعية تعوض عن السؤال: أين نحن الآن"؟

وتعيش مصر، التي يناهز عدد سكانها 106 ملايين نسمة، يقبع ثلثهم تحت خط الفقر، أزمة اقتصادية من بين الأسوأ في تاريخها، بعدما سجل معدل التضخم مستوى قياسياً مدفوعاً بتراجع قيمة العملة المحلية ونقص العملة الأجنبية في بلد يستورد معظم حاجاته الغذائية. ويضاف إلى ذلك تراجع دور مصر الإقليمي في العقود الماضية، خصوصاً بعد العام 2011 وتوالي الاضطرابات السياسية والأزمات الاقتصادية.

وشهدت الحضارة المصرية القديمة تطوراً علمياً كبيراً مازالت آثار البناء والتخطيط العمراني، إضافة إلى النقوش شاهدة عليه إلى اليوم، لكن مروجي الأخبار المضللة لا يكتفون بعرض هذه الحقائق، بل ينشرون أخباراً غير حقيقية عن التاريخ القديم.

وعلق صادق: "رغم أن الحضارة المصرية كانت حضارة مميزة بالفعل، إلا أن من يروجون لهذه المبالغات يبحثون عن مكانة لهم تحت الشمس، وسلاحهم المبالغة في الحديث عن الماضي".

وخلال السنوات الماضية، ظهر منشور في مواقع التواصل ادعى أصحابه أن تمثالاً للملك المصري أمنحتب الثاني، كان الناجي الوحيد من بين كل مقتنيات ومعروضات متحف برلين بعد قصف الحلفاء له إبان الحرب العالمية الثانية. ونسبت المنشورات لضابط أميركي في قوات الحلفاء قوله: "من صنع هذا التمثال ليسوا بشراً عاديين"، لكن هذه القصة ليست سوى من خيال مروجيها، حسبما أكدت مديرة متحف برلين أوليفيا زرون.

وقالت زرون: "هذا التمثال لم يكن الناجي الوحيد. نجت يومذاك من قصف الحلفاء قطع أثرية مصرية وقطع أثرية غير مصرية، والقطع التي تضررت كانت من بينها قطع مصرية وأخرى غير مصرية. القطع ذات الحجم الكبير نجت كلها تقريباً".

ومن المنشورات التي تنسب إنجازات علمية وهمية للمصريين القدماء ادعاء وجود نقش أثري لمصباح كهربائي صممه المصريون القدماء واستخدموه قبل توماس إديسون بآلاف السنين. لكن ما يظهر في النقش حقيقة ليس مصباحاً كهربائياً بل نقش رمزي يجسد نظرية خلق الكون في المعتقدات المصرية القديمة، بحسب خبراء آثار وتاريخ.

إلى ذلك، ظهرت منشورات تدعي أن المصريين القدماء استخدموا أشعة ليزر أو تقنيات متطورة للحفر على الغرانيت، لكن هذا الادعاء ليس سوى "خرافة"، بحسب علماء الآثار والتاريخ.

وانتشر على نطاق واسع أيضاً تقرير مصور باللغة العربية يتحدث عن وصول الفراعنة إلى المريخ، يستند الى أقوال "خبراء". لكن هؤلاء "الخبراء" ليسوا سوى هواة معروفين بأفكارهم الغريبة. أما الخبير الحقيقي الوحيد الذي ورد اسمه في التقرير، عالم الآثار المصري زاهي حواس، فنفى لاحقاً صحة ما نسب إليه من معلومات "خرافية".

ورأى حواس أن الهدف الأساسي لمروجي هذه الأخبار "تحقيق نسب مشاهدة عالية" حتى إن كان ذلك "على حساب العلم والحقيقة". وتحصد تلك الأخبار عشرات آلاف المشاركات ومئات آلاف التعليقات، خصوصاً في مصر. وقال المؤرخ المصري عاصم الدسوقي: "حين يصدق الناس المنشورات المليئة بالمبالغات والأكاذيب عن تاريخ بلادهم، فهذا يعبر عن أزمة هوية حقيقية".

ومن المزاعم الخرافية المتداولة أيضاً منذ سنوات، منشورات تدعي أن المرأة في مصر القديمة كانت هي المسؤولة عن توزيع الميراث، وهو ما ينفيه الخبراء، أو أن أقدم قبر في التاريخ هو قبر أوزيريس. لكن أوزيريس ليست سوى شخصية أسطورية غير موجودة تاريخياً.

وقال أستاذ التاريخ المعاصر والحديث في جامعة "عين شمس" عاصم الدسوقي: "نحن لا نعرف من المصدر الأساسي لنشر هذه القصص المختلقة عن الحضارة المصرية في مواقع التواصل، لكن ما يساعد في نشرها هو غياب العلم وانتشار الجهل".

وأكمل  صادق: "هذه طبيعة إنسانية، وتحدث في كل المجتمعات التي كانت لها حضارة أو مكانة دولية ثم بات حاضرها أسوأ، وهذه الآلية الدفاعية تجعل هؤلاء الأشخاص يشعرون بالتوازن"، مضيفاً: "حين يكون إحساس الشخص الداخلي أن حاضره بات أسوأ، يصبح غير سعيد، ويصبح ترويج الخرافات والبحث في الماضي والمبالغة فيه، وسيلة للشعور بأنه أفضل من الناحية النفسية".

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها