وأبدى ياخور انزعاجه من "التكاثر المبالغ فيه" بين اللاجئين السوريين، في لبنان تحديداً لأنهم يعيشون على المساعدات الدولية ويشكلون عبئاً على لبنان، لكنه في الوقت نفسه رفض عودة اللاجئين والمهجرين إلى سوريا إلا "بشروط محددة" كي لا ينتقلوا إلى وضع أصعب يكونون فيه سبباً لأزمة جديدة في بلدهم الذي لا يملك الموارد، وبالكاد يحصل الموجودون فيه على الطعام، حسب تعبيره، علماً أن هذا النوع من التحليلات ينزع عن اللجوء سببه الأساسي وهو العنف والخوف من السلطة الحاكمة في سوريا، حتى عن التعاطف مع اللاجئين كأفراد.
وهذا المنطق بالتحديد هو ما يتبعه النظام السوري منذ سنوات في موضوع اللاجئين وتسييسه في ملف إعادة الإعمار تحديداً، حيث يطرح اللاجئون كخطر وجودي يهدد المنطقة ما لم يعودوا، قسراً أو طوعاً، بشرط التوصل إلى "تسوية سياسية" مع النظام، بمعنى المصالحة معه والانفتاح عليه، وعدم التساؤل عن مصير الأفراد العائدين الذين يلقون في المعتقلات أو تتم تصفيتهم وتعذيبهم وتعريضهم للخدمة العسكرية الإلزامية، بحسب منظمتَي "أمنستي" و"هيومن رايتس ووتش".
وياخور الذي يرفض الإجابة عن أسئلة حول زملائه لأنه لا يملك إحصائيات عن حب الناس وكراهيتهم لهم مثلاً، لا يمانع بتقديم إحصائيات خاصة به عند الحديث في السياسة، كالقول أن كل سوري في مخيمات اللاجئين بلبنان ينجب 16 طفلاً، من دون إثبات لذلك الرقم المبالغ فيه، خصوصاً أن الكثير من العائلات السورية تربي أطفالاً بهذا العدد لأن أهلهم قتلوا مثلاً على يد الجيش السوري وحلفائه بعد الثورة في البلاد، وليس من الغريب رؤية شخص يربي أولاده وأولاد أخوته مثلاً ضمن تلك المخيمات.
على أن ذلك الخطاب العنصري والمهين للإنسانية، ليس حكراً على ياخور، بل
كان حاضراً في الإعلام السوري الرسمي نفسه بدليل جريدة "تشرين" التي طالبت العام 2020 السوريين في الداخل، لا اللاجئين، بالتوقف عن الإنجاب كشرط لتوفير الخدمات المعدومة، بجوار
"مانفيستو" شرح فيه إعلاميون موالون للنظام حينها أن طبيعة الأعداء الذين تواجههم "الدولة السورية" من المتربصين بها خارجياً والمتآمرين عليها من "الإرهابيين"، تغيرت إلى نوع جديد يمثل فيه المواطن السوري العدو الأكبر بوصفه طابوراً خامساً.
واللغة نفسها
حضرت في خطاب حلفاء النظام الروسي، الإيرانيين والروس على حد سواء، منذ العام 2016، مثل مراسل قناة "روسيا اليوم" سرجون هداية، الذي دعا إلى تحديد النسل في سوريا "لأن المشكلة السورية تتلخص في ارتفاع عدد السكان ولا بأس بتقليلهم". كما لا يمكن نسيان دعوة قناة "المنار" التابعة لـ"حزب الله" اللبناني، السوريين في لبنان لاستخدام الواقي الذكري وتوزيع حبوب منع الحمل على النساء، لتقليل عدد اللاجئين السوريين في لبنان.
هذا المنطق العنصري لا يبرر فقط التصرفات العنيفة ضد السوريين، لاجئين أم مقيمين في الداخل، من قبل الأطراف المختلفة التي تشمل النظام السوري والميليشيات الحليفة له وحتى العنف الآتي من أفراد عاديين ضدهم، بل يعمم مقولة أن مشكلة سوريا هي في السوريين أنفسهم بوصفهم جماعة بشرية غير متحضرة تحتاج إلى "القيادة الحكيمة" من أجل توجيهها إلى الطريق المستقيم. وهذه الشيطنة لا تتعلق فقط بالسوريين الحاليين بل تمتد إلى أطفالهم عبر الحمض النووي حكماً، ما يستدعي بقاء الأسدية كنظام يحمي العالم ككل من ذلك "الخطر الوجودي"!
والمشكلة هنا أن الأمر لا يتعلق بالحديث عن حملات توعية بخصوص الإنجاب مثلاً بقدر ما يمثل خطاباً فوقياً وغير أخلاقي بحق السوريين، لا يتناسى فقط أن الإنجاب وعدد الأطفال حقوق طبيعية لأي إنسان، ومن غير المعقول أو المنطقي إطلاق دعوات لحرمان الناس من أبسط حقوقهم في الحياة بهذه الأساليب غير الأخلاقية لمجرد أنهم يعيشون ظرفاً مروعاً مثل اللجوء، بل تحويل ذلك إلى مؤامرة عبر القول أن هناك جهات خارجية تشجع على ذلك الظرف واستدامته.
ولا مفاجأة في أن يصدر هذا الكلام عن شخص مثل ياخور، الذي لا ينكر ارتباطه بالسلطة، بل يعترف في اللقاء بعلاقته الخاصة مع ماهر الأسد، شقيق الرئيس بشار الأسد، الذي يقول المعارضون للنظام السوري أنه أعطى الضوء الأخضر لتصوير سلسلة "بقعة ضوء" الشهيرة التي أشرف عليها ياخور والممثل أيمن رضا مطلع الألفية، بحسب شهادة للممثل السوري فارس الحلو في أيار/مايو الماضي، وهو ما أكده ياخور مجدداً كاشفاً أن أبرز الإنتاجات الدرامية في البلاد كانت تتم باقتراحات من السلطة نفسها وبتوجيهات منها، ذاكراً انتاجات شركة "سوريا الدولية للإنتاج" مثل "الزير سالم" و"ملوك الطوائف".
وحديث ياخور عن عدم قدرة السلطة على صناعة النجوم وتصديرهم ليس دقيقاً بالطبع، خصوصاً في سوريا الأسد، حيث فرّغ النظام منذ العام 1970 عند وصول الرئيس حافظ الأسد للسلطة بانقلاب عسكري، البلاد، من الكتّاب والمثقفين والناقدين بوضعهم في المعتقلات سيئة السمعة وتوجيه تهم الخيانة لهم، على سبيل المثال. وضمن مناخ الخوف هذا لا يمكن أن ينشأ فن مستقل وحر بل فن موجه يكون فيه الأفراد الفاعلون، من ممثلين ومغنين ورسامين ونحاتين وغيرهم، مجرد أدوات يتم السماح لهم بالعمل مقابل تقديم الفن الأجوف الذي يكرر خطاب السلطة ويدور في فلكها.
وياخور الذي لمح إلى تلك العلاقات، تحدث عن أن حب الناس لا يمكن تصنيعه، وذلك صحيح، لكن تقديم أنصاف الموهوبين وتصديرهم عبر الشاشات كنجوم كان نمطاً سائداً في البلاد لأكثر من 50 عاماً. أما أصحاب المواهب اللامعة فعلاً، فكانوا من المهمشين أو من الأشد ولاء للسلطة التي تسخى في تقديم الفرص لهم والسماح لهم بقول ما لا يستطيع أقرانهم العاديون قوله. ويمكن سرد عشرات الأمثلة في هذا الصدد من دريد لحام إلى ياخور نفسه مروراً بأيمن زيدان وياسر العظمة وآخرين. وياخور شخصياً متهم منذ سنوات بالتعامل مع الأجهزة الأمنية لتقديم أعماله الناقدة الساعية فقط إلى امتصاص غضب الشارع في لحظة معينة وإعطاء انطباع زائف بوجود حريات وهامش للنقد في البلاد.
يصور ياخور (53 عاماً) ما يقدمه من خطاب كراهية على أنه "وجهة نظر" مثل كراهية المثليين ومعنى الرجولة والوسامة التي لا ترتبط بالشكل بالنسبة للرجل الذي يأخذ قيمته من أمور أخرى، بعكس نظرته الدونية للمرأة التي تختصرها بإن كانت جميلة أم قبيحة فقط. والأسوأ هو المذيعة ناديا الزعبي التي لا تقل سوءاً في ترداد أفكار ياخور والموافقة عليها بالقول مثلاً أنها توافق على وجود حملات ممنهجة لنشر المثلية الجنسية في المجتمع وأن ذلك عكس الطبيعية الدينية والمجتمعية للعالم العربي.
هذا النوع من المقابلات لا يقدم نوعية محترمة من الحوار الإعلامي، لأن الحوار نفسه يخلو من أي شد وجذب وليس أكثر من ثرثرة مستهلكة، فالإعلاميون في هذه البرامج الفنية لا يتحدون إجابات الضيوف، وهي أسئلة متفق عليها مسبقاً عادة، ولا
يتحول أولئك الإعلاميون إلى محققين وجلادين إلا عند استضافة نجمات من الممثلات والمغنيات من أجل اتهامهن بالفسق ونشر الفجور والإغراء لمجرد الرقص على الشاشة او ارتداء ملابس قصيرة، وهو ما كان حاضراً بشدة في مطلع الألفية عبر البرامج الحوارية اللبنانية في فترة كان فيها البوب العربي يزدهر، لتتحول تلك الطريقة المبتذلة في الحوار التي عممها محاورون مثل طوني خليفة ونيشان، وما زالت حاضرة حتى اليوم.
وبالعكس تغيب الحوارات الأكثر جدية والتي تحاول تفكيك الإجابات المعلبة والجامدة التي يقدمها المشاهير العرب، ولعل واحداً من أبرز البرامج في هذا الصدد كان برنامج "قريب جداً" للشاعر والإعلامي اللبناني جوزيف عيساوي الذي عرضته قناة "الحرة" لسنوات قبل توقفه، وتركه فراغاً لعدم وجود بديل له، باستثناء المحاولات التي تقدمها قنوات حلف الممانعة، التي تستضيف الممثلين والمشاهير وتحاورهم بأسلوب "ثقافي راقٍ" لتقديم نظريات المؤامرة الرسمية نفسها، كبرامج الإعلامية اللبنانية رابعة الزيات وزوجها زاهي وهبي، على سبيل المثال.
وياخور الذي لا يتوقف عن تقديس السلطة الحاكمة في سوريا وكل ما قامت به من انتهاكات لحقوق الإنسان، بما في ذلك القتل والتعذيب، لا يوفر أحداً من خطابه السام، طالما أن الفئات التي يهاجمها، من المثليين إلى اللاجئين، تشكل حجر الأساس في خطاب السلطة نفسها. فالنظام السوري بات يتحدث عن "الليبرالية الحديثة" أي الحقوق الفردية وحقوق الإنسان، كمشروع غربي ضد "الخصوصيات الثقافية" ويقدم نفسه حامياً للقيم والتقاليد و"الدين الصحيح"، كما هو الحال في خطابات الرئيس بشار الأسد ومنشورات الموالين له في مواقع التواصل. كما أن النظام يهاجم اللاجئين في الداخل والخارج بوصفهم أدوات تتلاعب بها الدول الغربية من أجل تنفيذ مؤامرة أوسع ضمن "الحرب الكونية" يمكن من خلالهم فرض الضغط على دمشق والدول المحيطة بها.
وبكل وقاحة يقول ياخور أنه لا يمتلك حرية التعبير وأنه يمارس رقابة على نفسه من أجل عدم التعليق على القضايا المختلفة، لكن الممثل يعزو تلك الرقابة إلى خوفه من الجمهور، بوصفه جاهلاً ربما، بدلاً من السلطة. واللافت هنا أنه
لا ينشر مثلاً في "يوتيوب" إلا عند اشتداد الأزمات الاقتصادية في الداخل السوري وارتفاع مستوى الشكوى بين السوريين من انعدام الخدمات، من أجل القول أن سوريا بخير وأن الاقتصاد يتعافى وأن الانهيار الحاصل في البلاد وهمي.
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها