الأربعاء 2024/10/09

آخر تحديث: 12:34 (بيروت)

بين خطابَي نصرالله 2006 وقاسم 2024..ماذا تغير في "الحزب"؟

الأربعاء 2024/10/09
بين خطابَي نصرالله 2006 وقاسم 2024..ماذا تغير في "الحزب"؟
نعيم قاسم في خطابه الثاني خلال الحرب الأخيرة (موقع العهد)
increase حجم الخط decrease
لم يتأخر أمين عام "حزب الله" الشهيد السيد حسن نصرالله، عن ملاقاة جماهيره في حرب تموز 2006، بعد يومين فقط من بدء المعركة. وفي 14 تموز، خاطب نصرالله جماهيره في اتصال هاتفي مباشر استمر حوالى خمس عشرة دقيقة. وفي كلمة عرفت لاحقاً بخطاب "البارجة" أو خطاب "النصر"، قدم نصرالله خطاباً حربياً يقوم على الثقة والثبات والجهوزية.
 
هذا الخطاب أسس للحظة تاريخية مهدت لمرحلة استمرت طويلاً في تأثيرها في الرأي العام الشعبي، وعرفت "بالوعد الصادق". كما تلاها العديد من العبارات التي تحولت شعارات للتداول، مثل "المفاجآت التي وعدتكم بها ستبدأ الآن"، و"أردتم حرباً مفتوحة فلتكن حرباً مفتوحة"، و"إلى حيفا وما بعد بعد حيفا"، و"كما كنت أعدكم بالنصر دائماً أعدكم بالنصر مجدداً".

لكن الحال اختلف اليوم مع اغتيال نصرالله بعد خمسة أيام من بدء الحرب بشكلها الأوسع.
وبعد مرور عشرة أيام على الاغتيال، ظهر نائب الأمين العام الشيخ نعيم قاسم، في كلمة متلفزة ومسجلة للمرة الثانية بعد ظهوره الأول بأسبوع، ليقدم خطاباً سياسياً لا عسكرياً، مما يبرهن على أن التعامل مع الحرب الحالية قد اختلف.

خطاب الصورة
في عصر الصورة، تحتاج الناس لرؤية قياداتها، لا أن لسماعهم فحسب. والواقع أن الصورة ليست مجرد دليل، وإنما هي الحدث نفسه، وتكمن أهميتها في حالة "حزب الله" في أنها تصنع الصلة المباشرة مع جمهوره أولاً، وتمثل أحد أساليب المواجهة مع الطرف المحارب ثانياً، من خلال رسائل الرد التي تقدمها، واليوم هي بمثابة تعويض عن الكلمة المنتظرة لضمان صمود البيئة المؤيدة للمقاومة التي ترزح تحت عبء النزوح والدمار واستهداف المدنيين.

لكن لا بد من التوقف عند إطار الظهور الذي تميز به حزب الله في الأعوام الماضية، حيث أنه اهتم في السابق بشكل الظهور بالتوازي مع شكل الخطاب ومحتواه، بدءاً بوضعية جلوس الأمين العام، والإضاءة، والخلفية المطبوعة بحسب المناسبة. على عكس اليوم، فإن ظهور نعيم قاسم في كلمته الثانية، وعلى الرغم من مدتها التي تعدت نصف الساعة، في اطار يمكن وصفه بالمستعجل والمؤقت والمحكوم بضرورات المعركة، يعكس إعادة ترتيب للأولويات في حزب الله نظراً للحالة الطارئة، والتي تشتمل على الانشغال بالحرب، والتركيز على ما يجري في الميدان باعتبار أن رفاهية الوقت لمخاطبة الجمهور بالشكل المعتاد ليست أمراً متاحاً الآن، الى جانب عدم تهيئة الإطار بما يتناسب مع هالة "القائد الجديد".

خطاب النصر وخطاب الصمود 
في "خطاب البارجة"، توجه نصرالله  بكلماته الى الشعب اللبناني والمقاومين والصهاينة والحكام العرب. ويمكن اختصار خطابه آنذاك بأنه دعوة الشعب اللبناني للصبر والثقة إذ اعتبر أن "الضاحية هي بيروت"، وذكر المناطق اللبنانية كافة بما فيها جبل لبنان، واستهزأ بالقيادة الإسرائيلية التي وصفها بالحمقاء وغير القادرة على تقدير الأمور، وأخيراً نبّه القادة العرب لضرورة الاحتكام الى العقلانية. لكن أبرز ما ميّز الخطاب آنذاك هو النبرة الجدية في التصعيد، وتقديم قواعد جديدة تخطت بأشواط العام 2000، والوعد الصادق بالنصر المحتوم، ولبنانية الصراع مع إسرائيل.

أمّا في خطاب الثلاثاء، الذي شكل المعنى السياسي جوهره، فتوجه الشيخ نعيم قاسم الى اللبنانيين، بمن فيهم النازحون وأهالي المناطق الذين فتحوا أبوابهم لم، مركّزاً على الالتفاف الوطني. كما توجه إلى الإسرائيليين من خلال اقتباسات عن قياداتهم معتبراً أنهم فشلوا في تحقيق أهدافهم في الحرب، الى جانب ذكره لأطراف المحور، كاليمن والعراق والجبهة الفلسطينية، وبالطبع إيران التي "تقرر كيف تدعم وأين". كما برز في خطابه الاحتكام الى الدولة اللبنانية التي تمثلت في رئيس مجلس النواب نبيه بري، من أجل دعم الحل القائم على وقف إطلاق النار ريثما تتهيأ الظروف لإيجاد الحل الدبلوماسي لاحقاً.

خطاب 2000
وبالمقارنة مع خطاب البارجة، تغيرت ظروف موضوعية. لا المعركة تشبه معركة 2006، ولا الظروف الإقليمية والدولية تتواءم مع المرحلة السابقة، ولا القدرات العسكرية للحزب تشبه ما كانت عليه. على مدى سنوات، اشتغل الإعلام المحلي والإسرائيلي والعالمي على تصوير قدرات "حزب الله" العسكرية وتطورها، لذلك لا يرى الناس في الردود ما يتناسب مع حجم تلك القدرات. يطالب الجمهور بالمزيد، إستناداً الى معرفته الإعلامية بالقدرات.

لذلك يحاول حزب الله عدم التراجع بالخطاب عما كان عليه في السابق، الى مستوى ما قبل 2006، وحتى الى ما قبل 2000، وان بدا عكس ذلك. إذ يبدو أن الخطاب عاد سياسياً الى تلك المرحلة التي كانت تشهد التفافاً حكومياً ورسمياً حول المقاومة لتحرير الأرض، وهو أمر متوقع من قاسم الذي شغل على مدى سنواته في الحزب، موقعاً سياسياً لا عسكرياً، بوصفه نائب الامين العام والمكلف بتفاصيل سياسية لا ميدانية. بذلك، تثبت نظرية أن شخصية المتحدث وموقعه، تحدد النظرة للحزب وترسم أطر الخطاب. 

بايجاز، لا نتحدث اليوم عن خطاب النصر الموعود. هو خطاب احتواء سياسي وميداني، يراعي وضعية الحزب الداخلية، والتهديدات الإقليمية والتحولات الدولية، بانتظار ما ستسفر عنه مرحلة ما بعد الحرب لإعادة ترتيب الاولويات والقدرات، وفي مقدمتها انتخاب أمين عام جديد للحزب. 
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها