الثلاثاء 2024/10/22

آخر تحديث: 17:30 (بيروت)

شهر على الحرب: جردة في سجالات الحريات والتجاوزات

الثلاثاء 2024/10/22
شهر على الحرب: جردة في سجالات الحريات والتجاوزات
مثلّث الواقع والجمهور والدور الإعلامي، هو بمثابة مرآة تعكس الانقسامات الداخلية اللبنانية (غيتي)
increase حجم الخط decrease
في مثل هذا اليوم، توسعت الحرب بشكل دراماتيكي، وأنتجت نازحين وشهداء ومصابين ودماراً واسعاً.. فيما ثبت أن خطة الانقاذ التي أعدتها الحكومة، في شكلها الحالي، خطوة ضعيفة. 

والى جانب هذه الهجمات، كان الأداء الاعلامي واحداً من أبرز المفاصل التي أثرت في الجمهور اللبناني، ومازالت تشكل وعيه السياسي للمجريات، بل إن البعض عزا السبب الرئيس في تبدل الأحداث مباشرة، الى أداء الاعلام نفسه الذي انتقى سرديات تخدم موقفه السياسي، طرحها بشكل عرضي غير معمق، وباشر بالترويج لها.

قصف الإسعاف المدني
على إثر نشر الاعلامية مريم مجدولين لحام، تغريدة مفادها أنّ كل مسعف في "الهيئة الصحية" (التابعة لحزب الله) هو "مسعف ميداني للمقاتلين" و"ليس مدنياً محايداً"، اشتعلت مواقع التواصل الاجتماعي التي اعتبرت هذا المنشور بمثابة دعوة تحريضية لقتل المسعفين. ووقعت ضربة الباشورة التي راح ضحيتها ستة مسعفين، بعد انتشار هذا المنشور، مما جعل الجمهور يجزم بأن لغة التحريض المستخدمة هي التي أشعلت هذا الفتيل. لاحقاً تسبب هذا المنشور بموجة غضب واسعة، دفعت اللحام لإزالة المنشور والقول إنها تسرعت فيه بعدما راجعت أحكام القانون الدولي الذي يعتبر المسعفين مدنيين أياً كانت الجهة التي ينتمون إليها، وتبرأت منها عائلتها، كما صدرت مذكرة توقيف بحقها.

والمعلوم أن العدو الإسرائيلي لا ينتظر منشوراً كهذا من أجل تبرير استهدافه، فالأهداف تحتاج الى عدة وتحديد وخطة مسبقة قبل الشروع، لكن مجرد أن تأتي التغريدة من داخل السرب اللبناني، فانها تمنحه شرعية غير مشروطة وتحفزه على الاستعجال، حسبما رأى إعلاميون وأكاديميون متخصصون، إذ تعتبر إسرائيل أنّ مبرراتها "تؤكدها" البيئة اللبنانية. 

في الواقع، من واجب العامل في الشأن الاعلامي أن يكون على اطلاع بقوانين الحرب، وإلا لا يمكن تلقف تصريحه سوى على أنّه تحريض. فـ"اتفاقية جنيف"، تضمنت عدم التعرض لهيئة مدنية غير متحيزة، واذ افترضنا غير ذلك، تنصّ المادة الثالثة في اتفاقية جنيف، على أنه لا يجوز التعرض للأشخاص الذين لا يشتركون مباشرة في الأعمال العدائية. وكذلك، يؤكد القانون الدولي الانساني على واجب حماية العاملين في مهمات طبية وتوفير الحماية لهم.

العلم الإسرائيلي في مارون الراس
الأصل والغاية الأولى في الإعلام هي الحقيقة، ووسط تعدد المصادر وتكنولوجيا الاتصال، غدا دور الإعلام أبعد من نقل الخبر، وإنما التحقق منه، والبحث عن كيفية النقل، والمعاني المستقاة منه. 

هذه الثلاثية التي تجمع بين الواقع والجمهور والدور الإعلامي، تقوم على بناء الحدث ولا تقتصر على نقله. وعلى قاعدة أنه "اذا أردت أن تفهم تعقيدات الواقع المحلي فعليك التوجه الى فهم المشهد الإعلامي"، فإن المثلّث المذكور في الحالة اللبنانية هو بمثابة مرآة تعكس الانقسامات الداخلية. 

في حالة الحرب، ليست الماكينة العسكرية التي تحدد قواعد اللعبة والربح والخسارة، وإنما الاعلام الذي يقدم المعنى وفق المضمون الذي يراه مناسباً ليحدد ملامح المرحلة الحالية والمقبلة ويشحذ في الحالتين تعاطف الرأي العام. 

على سبيل المثال، منذ السابع من تشرين الاول/اكتوبر 2023 وحتى اليوم، تكررت على لسان رئيس الوزراء الإسرائيلي عبارة "لن نتوقف حتى تحقيق النصر"، وبعضّ النظر عن نتائج الحرب وتداعياتها، فإن هذه العبارة وتكرارها في الإعلام الإسرائيلي يصب في تكريس معاني القوة والتحدي. والحال، أن دور الإعلام هو نقل الصورة والخبر بهدف تغذية المجتمع بالمعلومات وتبيان الحقائق، لكن نقل الخبر بعيداً من الإحاطة بالسياق، يخدم فرضية الاسرائيلي بالنصر. 

قامت وسائل اعلام لبنانية بنشر صورة لرفع العلم الإسرائيلي فوق أحد منشآت مارون الراس، هذه القرية التي تكمن خصوصيها في مدى قربها من الأراضي المحتلة، يفصلهما مجرد شريط لا حجارة اسمنتية. سرعان ما انتشر هذا الخبر من دون الرواية المقابلة، حتى خرج مراسلون ممن يقومون بتغطية الحدث من الميدان للتأكيد بأن رفع العلم لا يعني سقوط القرية بأكملها، كما هو العرف في الفتوحات العسكرية، وإنما خطوة غير مكتملة حيث أن المجموعة التي وضعت العلم، عادت إلى الأراضي المحتلة.

ريبورتاج "القرض الحسن"
قبل يومين من إعلان المباشرة باستهداف فروع "القرض الحسن" على الأراضي اللبنانية، بثت قناة "أم تي في" تقريراً عن الجمعية مثبتاً بالمعلومات العامة لا بالبراهين (الوثائق) عن صلتها بمؤسسات إيرانية ورجال أعمال لبنانيين. وإذا افترضنا أن هدف المنشور تعريفي، فإن توقيت نشره وعنوانه اللافت "هل يبقى القرض الحسن؟" وضعه في خانات التساؤلات عن الأغراض، خصوصاً بعدما تحولت هذه الجمعية على إثر أزمة المصارف اللبنانيّة الى ملاذ آمن للعديد من اللبنانيين بصرف النظر عن دينهم. 

مجدداً، قد لا تحتاج اسرائيل الى ذريعة لتستهدف ما تشاء، لكن دور الإعلام ليس فقط في تكريس الأمن القومي، بل يندرج في حماية السلم الأهلي في سياق أقل ما يقال عنه بأنه حساس ومعقد. 

فالمسؤولية الاعلامية تقتضي مراعاة الظروف من دون أن يمس ذلك بالحرية الإعلامية، وهو عُرف مثبت في مواثيق الشرف الإعلامية المعمول به عالمياً. فالعشوائية في طرح المواضيع بعيداً من التناسب، تحمل في طياتها عقبات مجتمعية لا تخدم المصلحة الوطنية، وإنما تدفع الى مزيد من الغضب والتقسيم وتراشق التهم. 

وفي هذه الحالة، لا بد من مراجعة الخطاب الإعلامي، من دون التأييد مطلقاً لأي رقابة إعلامية تضع قيوداً على الاعلام، وانما البحث في تشكيل غرفة إعلامية مشتركة من أجل البحث عن مشتركات الرسالة، وإن كان ذلك في حد ذاته تحدياً في ظل طغيان الانتماء السياسي على الوسائل الإعلامية في لبنان. 

وهذا ليس بأمر جديد أو مستغرب، ففي عدوان تموز 2014 على غزة، توحدت الشاشات الإعلامية اللبنانية كافةً من دون استثناء، واشتركت في بث رسالة تضامنية مع فلسطين. وتعبر هذه الوقفة الى اليوم عن أنّ الاختلاف في كنه السياسيات التحريرية لا يعني غياب القواسم المشتركة.

التنوع الإعلامي
يشّكل التنوع الاعلامي غنىً ثقافياً في الساحة اللبنانية، لكن المقاربة الالغائية أيضاً تساهم في تعزيز مفهوم "نحن" و"هم"، حيث بات المشهد اللبناني بشكله الحالي، عبارة عن أقطاب ومحاور. وتتعزز حيث القطبية في ظل انتهاج الإعلام مقاربة تعمد إلى تغريب احدى المكونات الاجتماعية. 

ففي مقابلة سريعة نشرتها قناة "ام تي في" على اثر تغطية زيارة ترامب الى ولاية ميشيغان، وهي إحدى الولايات التي تضم جالية كبيرة من اللبنانيين والعرب، استهل المراسل كلمته بعبارتين: أولاً هذه المرة الأولى لك على قناة "إم تي في"، و"نحن المنصة الإعلامية الوحيدة التي تناهض حزب الله". وفي المقابلة ذاتها، أوضح ترامب بأنّ اسرائيل تحارب المشاغبين وأن الولايات المتحدة تريد السلام. 

ومع أن القناة لها الحق في تصنيف نفسها سياسياً، على غرار قنوات أخرى مثل "المنار" تقدم نفسها على أنها "قناة المقاومة"، إلا أنه يندرج ضمن حق الاختلاف في الداخل، بمعزل عن التطورات. لكن الثغرة الإعلامية في تعريف "أم تي في"، هي أنها عزلت نفسها عن هموم الشعب اللبناني، من مدنيين غير منتمين إلى "حزب الله"، وصدّرت الانقسام الى الخارج بتصنيف الموقف السياسي للقناة، ومجاراة السياسية الخارجية التي تخدم الإسرائيليين، ولو لم تقصد  ذلك، وإسرائيل بحُكم القنون اللبناني، عدو، وتصنّف المشكلة على أنها بدأت في الداخل اللبناني، من دون الإحاطة بالعوامل الخارجية التي أنتجت هذا الواقع.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها