مع توسع العدوان الإسرائيلي على لبنان يوماً بعد آخر، كثّف الإعلام العبري من وتيرة استضافة عسكريين سابقين من "جيش لحد"، وأيضاً أبنائهم باعتبارهم جيلاً جديداً للبنانيين فارين إلى إسرائيل منذ تحرير جنوب لبنان في العام 2000، في سياق محاولة إحيائهم وتعويمهم كـ"فكرة" و"اتجاه لبناني"، ولو بطريقة ووظيفة جديدتين.
والحال أن استضافتهم في محطات التلفزة والإذاعة العبرية، لتحليل المشهد العسكري والسياسي والجغرافي والطائفي اللبناني، جاء بعد إهمالهم على مدى 24 سنة، إثر انتهاء دور "جيش لبنان الجنوبي" المعروف باسم "جيش لحد" في أعقاب الانسحاب الإسرائيلي من جنوب لبنان، حيث درجت العادة على سماع صوتهم في المناسبات خلال سنوات ما قبل 7 أكتوبر 2023، سواء لقراءة عابرة لتطور ميداني أو سياسي لبناني محدد، أو استعراض مشاكلهم ومطالبهم الاجتماعية والاقتصادية في إسرائيل، مروراً بتسليط تقارير عبرية الضوء على أزمة هوية يعيشها اللبنانيون الفارون وأبناؤهم في الدولة العبرية.
مدير مكتب قائد لحد
وكان أحدث من تكلم للإعلام العبري، وتحديداً عبر أثير الإذاعة العبرية الرسمية "مكان" صباح الثلاثاء، هو المدير السابق لمكتب أنطوان لحد- قائد "جيش لبنان الجنوبي"، كلود إبراهيم، لتحليل سياق العملية البرية التي بدأها الجيش الإسرائيلي في مناطق لبنانية قال إنها "محاذية للحدود".
واعتبر كلود إبراهيم أن معنى "عملية برية محدودة" مفتوح، ويحدده الميدان، قائلاً: "الحكي للميدان.. لا أحد يعلم مداها"، مستذكراً الاجتياح البري العام 1982، والذي كان مخططاً له في البداية لأن يكون لمسافة محدودة، لكن الجيش الإسرائيلي واصل تقدمه نحو بيروت.
وحرّض كلود إبراهيم الذي يقيم في مدينة نهاريا في الأراضي المحتلة، على أن يتقدم الجيش الإسرائيلي ويكمل المهمة حتى "يرفع حزب الله العلم الأبيض؛ بوصفها فرصة لن تتكرر مرة أخرى"، وفق تعبيره.
حدود العملية العسكرية
وادعى أن إسرائيل تقدم بعمليتها العسكرية "فرصة على طبق من ذهب للدولة اللبنانية والجيش اللبناني لفرض الهيبة والسيطرة على كامل الأراضي اللبنانية بعدما سيطر حزب الله على كل مفاصل الدولة في السنوات العشر الأخيرة"، على حد قوله.
وبشأن المقصود بانسحاب مقاتلي حزب الله إلى ما وراء الليطاني، اعتبر كلود إبراهيم أن السؤال هو "أي نقطة وراء الليطاني؟.. قلعة شقيف البعيدة بضعة كيلومترات عن الحدود؟ أم نقطة أبعد تصل إلى 20 كيلومتراً؟".
وكانت صحيفة "معاريف" قد أجرت أيضاً مقابلة مع كلود إبراهيم قبل أشهر قليلة؛ حيث تحدث عن مزاج الشارع اللبناني بخصوص خوض حزب الله حرباً مع إسرائيل، وقلقه من توسعها.
وإبراهيم، واحد من بين ضباط آخرين في قوات لحد السابقين، حاورهم الإعلام العبري بعد اندلاع المواجهة على جبهة لبنان في 8 تشرين الأول/أكتوبر 2023، وكلهم كانوا يطرحون أنفسهم دائماً بأنهم على دراية تفصيلية بالحياة اليومية اللبنانية، رغم هروبهم منه، مدعين أنهم على "تواصل دائم" مع لبنانيين داخل بلد الأرز، وأنهم يخبرونهم بـ"امتعاضهم من سطوة حزب الله، وخشيتهم من الحرب".
مع العلم، أنه في مقابل المتحمسين للتصريح عبر الإعلام العبري، هناك كثير من ضباط وجنود "لحد" الهاربين إلى إسرائيل، يفضلون الابتعاد عن الاعلام، ومراقبة تطورات المشهد اللبناني بصمت.
محاولات لخلق توازنات لبنانية
ودأب التلفزيون العبري "مكان"على استضافة ابنة قائد سابق في "جيش لبنان الجنوبي"، هي مريم يونس، بوصفها شابة من الجيل الجديد لجيش لبنان الجنوبي، لدرجة خروجها على شاشته أكثر من مرة في غضون أسبوع.
وقد تحدثت يونس خلال حوارها أخيراً، عن تأثير اغتيال أمين عام حزب الله حسن نصر الله على الشيعة والطوائف الأخرى في لبنان، وهي نقطة تعكس إمعان إسرائيل الرسمية ومعها إعلامها في إثارة تقسيمات طائفية ومناطقية في لبنان، وكأنه هدف غير معلن للعملية العسكرية على لبنان.. إذ يسعى الاحتلال إلى تحقيق توازنات مناطقية وطائفية، في المدى المتوسط والبعيد، من شأنها أن تؤدي إلى محاصرة تأثير حزب الله سياسياً وعسكرياً في الدولة اللبنانية، بحسب ما يدور في عقلية الدوائر السياسية والأمنية في تل أبيب.
معارضو "حزب الله" في الإعلام الإسرائيلي
إضافة إلى ما سبق، ثمة دافع آخر من وراء تعويم الإعلام العبري لجنرالات لحد، واستضافة أبنائهم، إلى جانب لبنانيين يعيشون في أميركا ودول أوروبية، بوصفهم "معارضين لحزب الله.. ومطالبين بالسلام مع إسرائيل". وهنا محاولة تل أبيب لرسم صورة مزورة، لـ"شرعنة" عدوانها على لبنان، عبر الإيهام بأن عمليتها العسكرية "مصلحة لبنانية أيضاً.. وليست فقط إسرائيلية"!
وقد أدى هذا الغرض الدعائي، مدير التحالف الأميركي الشرق أوسطي، اللبناني توم حرب، ليقول لإسرائيل عبر الإذاعة الإسرائيلية الرسمية: "شكراً على اغتيال أمين عام حزب الله حسن نصر الله، هناك ارتياح كبير داخل لبنان والشرق الأوسط". وزعم حرب أن "الأمن اللبناني من أمن إسرائيل والمنطقة"، في سبيل دعمه للعدوان على لبنان، ومواصلته، قائلاً "إننا لا نريد ميليشيات داخل دولة".
ضرب السلم الأهلي
وبالطبع، لا يُمكن إغماض العين عن خطورة هذه التصريحات الصادرة عن لبنانيين على محطات التلفزة العبرية، ولو أنهم يمثلون فئة بعيدة من البلاد، باعتبار أن بث مواقفهم يهدف إلى دق إسفين طائفي في لبنان، ويهدد السلم الأهلي اللبناني في هذه المرحلة الخطيرة، عبر دفع اللبنانيين إلى الاقتتال على أساس طائفي ومناطقي وسياسي.
هي اللعبة الدعائية نفسها التي يؤديها الإعلام العبري باستضافته أيضاً سوريين يصفهم بـ"معارضين"، عبروا عن "فرحتهم" لاغتيال قادة حزب الله، وفي مقدمهم نصر الله؛ والهدف هو تغذية الضغينة والكراهية بين اللبنانيين والسوريين، خصوصاً أولئك الذين اضطروا للخروج من بلدهم باتجاه لبنان.
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها