كما كان متوقعاً، لم تمر ساعات قليلة على إعلان الرئيس المصري عبد الفتاح السياسي، طرح بلاده مقترحاً لوقف إطلاق النار في غزة، حتى أعلنت وسائل إعلام إسرائيلية رفض رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، والوزيرين إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش، للمقترح، بحجة معارضتهم أي هدنة مؤقتة تستبق إطلاق سراح المحتجزين الإسرائيليين، وأن المفاوضات يجب أن تستمر تحت النار.
جاء رفض هذا الثلاثي خلال جلسة للمجلس الوزاري الإسرائيلي المصغر، لنقاش المقترح المصري الجديد، والذي يقضي بعقد صفقة صغيرة أولاً، عبر هدنة مدة يومين، يتخللهما إطلاق سراح 4 محتجزين إسرائيليين من غزة، مقابل عدد من الأسرى الفلسطينيين، ثم تتبع ذلك مفاوضات لعشرة أيام لتحويل الهدنة المؤقتة إلى طويلة.
دوافع المقترح المصري
وقال مصدر سياسي مصري لـ"المدن"، إن الدافع من المقترح، هو أن تكون الهدنة المؤقتة بمثابة "بروفة" ممهدة للصفقة الكبيرة، وذلك في ظل صعوبة عقد الصفقة بشكلها الشامل في هذه المرحلة، خصوصاً قبل الانتخابات الأميركية، وأيضاً باعتبار أنه مجرد البدء، ولو بخطوات صغيرة لتحريك المفاوضات، يُعدّ "خطوة مهمة" لبلورة مناخ يكبح جماح تدحرج المنطقة إلى تصعيد شامل، ويُعطي فرصة لـ"تبريد الرؤوس الحامية"، تحت عنوان "وجود مفاوضات أفضل من عدمها".
وجاء إعلان الرئيس المصري مقترح بلاده بشأن وقف إطلاق النار في غزة، انطلاقاً من صفقة صغيرة لتبادل الأسرى، بالتزامن مع جولة للمفاوضات في العاصمة القطرية الدوحة، بعد جمود لفترة طويلة، وذلك بحضور رئيس الوزراء القطري الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، ومدير وكالة المخابرات الأميركية المركزية وليام بيرنز، ورئيس الموساد الإسرائيلي ديفيد برنياع، دون مشاركة رئيس الشاباك وممثل الجيش.
وبحسب مصادر سياسية، فإن مباحثات الدوحة تمحورت حول سبل إقناع إسرائيل وحركة حماس، بعقد هدنة لمدة تقل عن شهر، يتخللها صفقة صغيرة لتبادل الأسرى، قبل الانطلاق إلى مفاوضات أشمل.
تحدٍ لوجستي وأمني
من جانبه، قال مصدر من حماس لـ"المدن"، إن الحركة يمكنها التعاطي مع هدن مؤقتة، لكن دون دفع ثمن؛ لأن إطلاق سراح "الأسرى الإسرائيليين مستحيل"، من دون انسحاب الجيش الإسرائيلي من القطاع، وإعادة تموضع "نوعي" لقواته.
وشدد المصدر الحمساوي على مسألة لوجستية وتقنية وأمنية، لموضوع إصرار حماس على اشتراط انسحاب قوات الاحتلال بشكل جدي من عمق القطاع، قبل تنفيذ أي صفقة، وذلك لأن خريطة انتشار جيش الاحتلال في القطاع، شمالاً ووسطاً وجنوباً، يقيّد قدرة المقاومة على التحرك بشأن الأسرى، ونقلهم من مكان إلى آخر، وصولاً إلى تسليمهم للصليب الأحمر الدولي، بموجب أي صفقة سواء كانت على مراحل أو دفعة واحدة.
وتخشى حماس من أن عملية نقل الأسرى في ظل الخريطة الحالية لانتشار القوات الإسرائيلية في القطاع، سيتيح لتل أبيب كشف أماكن وجود بعض الأسرى وآليات نقلهم، وهو ما سيدفع الاحتلال إلى استغلال ذلك استخباراتياً، لتنفيذ محاولات لـ"تحرير" محتجزين إسرائيليين من دون أي صفقة، وبالتالي فقدان ورقة الضغط المتبقية لدى الحركة.
يُضاف إلى ذلك، إشكالية أخرى تتمثل في أن الحرب الإسرائيلية المستمرة على القطاع منذ أكثر من سنة، قد أدت إلى انقطاع الاتصال مع عدد من أفراد القسام الذين تولوا مسؤولية حراسة محتجزين في مناطق متعددة بالقطاع، وهو أمر يستدعي وقتاً وترتيبات مركّبة ومعقدة.
بهذا المعنى، أكد المصدر الحمساوي لـ"المدن"، أنه لا تغيير على موقف حماس بشأن إمكانية تطبيق الصفقة، إما على مراحل أو رزمة واحدة، ولكن بما يضمن شروط الحركة المتمثلة بانسحاب قوات الاحتلال من القطاع، ووقف إطلاق النار، وتبادل الأسرى، وإعادة إعمار القطاع.
"واشنطن تريد حراكاً.. لا حلاً"!
مع ذلك، استبعدت مصادر سياسية نجاح الجهود الحالية لدفع الصفقة قدماً، لأنها مرهونة بالانتخابات الأميركية المقررة في 5 تشرين الثاني/نوفمبر، ونتائجها، معتبرة أن نتنياهو يبتز الإدارة الأميركية الحالية ويهمه الآن فرض وقائع جديدة قبيل الانتخابات.
ويرى الباحث بالشؤون السياسية الأميركية محمد القاسم أن الولايات المتحدة "غير جدية" بإبرام صفقة في هذه المرحلة، وأن ما يهمها في الجهود الحالية، ليست نتيجتها، وإنما أن تكون هناك حركة دبلوماسية تحت عنوان وقف الحرب، من أجل توظيف ذلك لصالح المرشحة الديمقراطية للرئاسة كاملا هاريس، على أمل استمالة أي صوت انتخابي إضافي، في ظل المنافسة المحتدمة مع منافسها الجمهوري دونالد ترامب.
واعتبر القاسم في حديث لـ"المدن"، أن مصير الحرب على غزة ولبنان، مؤجلة إلى ما بعد الانتخابات الأميركية، التي يفصلنا عنها أيام قليلة، بينما تبدو فرص نجاح وقفها قبل ذلك "غير واقعية"، سواء بعقد صفقات صغيرة أو كبيرة، على حد تعبيره.
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها