الثلاثاء 2023/08/08

آخر تحديث: 13:15 (بيروت)

وزراء سوريون يروّجون للتطبيع مع إسرائيل؟

الثلاثاء 2023/08/08
وزراء سوريون يروّجون للتطبيع مع إسرائيل؟
الوزراء دارم طباع ولبانة مشوح وبطرس حلاق
increase حجم الخط decrease
خلال سنوات الحرب في سوريا، عندما كانت البلاد تشهد معارك على الجبهات كافة، وكان النظام يعاني للحفاظ على مناطق سيطرته وشرعيته، كان الإعلام السوري يضخ طوال الوقت معلومات مضللة عن "الحياة الطبيعية" كمظهر من مظاهر "الأمان"، بما في ذلك الحياة الليلية والسهر والحفلات على الشواطئ ودعوات مغنين عرب، لبنانيين تحديداً من الصف الثاني، لتقديم حفلات فنية صاخبة. لكن الفترة الأخيرة تظهر تحولاً في خطاب شريحة محددة من داعمي النظام والمطبلين له، في مواقع التواصل، ممن يهاجمون أي فعالية تقام، كالحفلات الأخيرة في قلعة دمشق، بتهم مختلفة، من التطبيع مع إسرائيل إلى نشر الميوعة وقيم الانحلال الأخلاقي إلى التأثير في "البوصلة السياسية" للشعب السوري، وغيرها من العبارات الخشبية.

ومنذ العام 2018، باتت سوريا نقطة جذب للعديد من الفنانين اللبنانيين، وتوجه نجوم الصف الأول تباعاً لإحياء حفلات هناك، من مروان خوري إلى نوال الزغبي ونجوى كرم وراغب علامة، علماً أن البلاد لم تكن قبل الثورة والحرب أصلاً مقصداً للنجوم العرب. لأن أكبر الأسماء كانت تزور سوريا في فترات متباعدة جداً قد تصل إلى أكثر من خمس سنوات، خصوصاً أن المهرجانات القليلة في البلاد حينها لم تكن تدفع الكثير من المبالغ المالية من أجل اجتذاب الأسماء الكبيرة أو القيام بعمليات تنظيم لائقة.

وانتشرت حملة واسعة النطاق في مواقع التواصل للهجوم، ليس فقط على الفنانين المشاركين في الحفلات، كالتونسي صابر الرباعي، واللبنانية كارول سماحة وزميلها مروان خوري، وآخرين، بل أيضاً الحاضرين لتلك الحفلات بوصفهم سوريين "متصهينين" كونهم يستمتعون بوقتهم، مع التصويب على الحكومة، تحديداً وزارات الثقافة والتربية والإعلام، بالقول أنهم يعملون وفق مخطط مشبوه لنشر ثقافة "غير سورية" بعيدة من "نهج القيادة" المرسوم منذ عهد الرئيس السابق حافظ الأسد.



تقود الحملة التي مازالت مستمرة، أصوات راديكالية عاملة في الإعلام الرسمي ووزارة الإعلام، من بينهم الكاتبة ناديا خوست، ومستشار وزير الإعلام السابق مضر إبراهيم، والممثل معن عبد الحق، والإعلامية نهلة السوسو التي التقت بالسيدة الأولى أسماء الأسد مع مجموعة من الإعلاميين والممثلين، بشكل منفرد مؤخراً، من دون إيضاح أسباب تلك اللقاءات. ويطرح أولئك في منشوراتهم الكثيفة، أنفسهم، على أنهم ممثلون للشعب السوري "الحقيقي" في وجه الحكومة، لكنهم لا يتحدثون عن هموم السوريين الأكثر إلحاحاً مثل الأمن الغذائي والفقر الشديد وانهيار الخدمات، ويتجنبون طبعاً أي موضوع مرتبط بالحقوق السياسية للسوريين. بل يقولون أنهم يمثلون التيار المرتبط بالرئيس بشار الأسد ووالده حافظ، في وجه "الليبراليين" وأصحاب الميول الغربية، بالمعنى السياسي للكلمة.

يبدو ذلك شديد الغرابة. ففي بلد مثل سوريا، لا تتواجد فيه تلك النوعية من التجاذبات السياسية، كل شيء يتم بالتعيين والموافقات المسبقة. والحفلات الفنية أصلاً التي تم إجراؤها كانت برعاية شركة الاتصالات "سيرياتل" التي انتزعت أسماء الأسد مُلكيتها من رجل الأعمال رامي مخلوف، ابن خال الرئيس بشار، والمجرَّد من نفوذه المالي كصرّاف للنظام منذ العام 2020. كما الكثير من الانتقادات بدا شديد الشخصانية تجاه وزراء بعينهم، ويصدر عن أشخاص فقدوا مراكزهم المهنية أو خُفّضت رتبهم الوظيفية، كابراهيم، المقرب من وزير الإعلام السابق عماد سارة، والذي قاد حملة تخوين ضد الوزير الحالي بطرس حلاق منذ اليوم الأول لتعيينه العام 2021، قبل أن تتم إقالته من منصبه الآخر كمدير لقناة "ألإخبارية السورية" الرسمية العام 2022.

وهنا يتم الإيحاء بوجود معسكرَين متصارَعين في البلاد بشكل يماثل "التمايز الصحي" ضمن النظام الإيراني "الحليف"، حيث يتبارى المعسكران الإصلاحي والمتشدد في طهران في تقديم أفضل صورة للحفاظ على استمرارية النظام، وبث ذلك دعائياً عبر الرموز الثقافية والإعلامية المحلية. ولهذا يتم الترويج في الحملة السورية المُعادية للفنانين العرب، لفنانين محليين "وطنيين" ممن لم يغادروا سوريا ووقفوا إلى جانبها، وهم في الواقع أسماء مغمورة من ممثلين ومغنين باتوا عاطلين عن العمل مع انتهاء الدور المرسوم لهم كمروجين لدعاية "الأمن والأمان" في سنوات الحرب.

وتتمدد الحملة لخلق جو بوليسي ترهيبي لأي سوري في مناطق سيطرة النظام، حيث تُقتطع صور وفيديوهات لأفراد حضروا الحفلات الفنية الأخيرة، ليوصفوا بأنهم غير سوريين أو بأنهم سوريون ضالون عن الطريق الصحيح المتمثل في "نهج القيادة"، وبأنهم غير وطنيين ومنحلون أخلاقياً، مع التجّب: "كيف نعيش في دولة واحدة مع أمثال هؤلاء؟"، لمجرد أنهم أفراد يريدون قضاء وقت ممتع، بعيداً من الخشبية والعصبية الوطنية والشعارات البعثية.



وأولئك الأفراد هم من السوريين الأغنياء الذين يمتلكون رفاهية شراء بطاقات لحضور الحفلات الفنية، في حين يشتد الفقر وتزداد الفجوة الطبقية، حيث تقدر الأمم المتحدة أن نحو 90% من سكان البلاد يعيشون تحت خط الفقر خلال العام 2023. لكنهم يبقون سوريين، والتصويب عليهم من قبل شبيحة النظام ليس جديداً بل هو سلوك حاضر منذ عقود في البلاد حيث يشترط النظام الولاء له بنسبة 100% حتى على صعيد اللغة والمفردات والسلوك المطلوب لنيل الرضى.

لهذا السبب تم تقديم العلم السوري للمغني اللبناني جوزيف عطية، خلال حفلته قبل أيام، حيث يجب أن يبدو كل شيء "وطنياً" حتى من قبل غير السوريين. لكن الحملة ركزت على عنصر واحد فقط، هو تمثيل النظام السوري المزعوم للقضية الفلسطينية، وهو خطاب دعائي قديم يستغل القضية الفلسطينية لتحصيل الشرعية السياسية محلياً وإقليمياً، يتم بموجبه تقديم النظام كقائد للمقاومة ما يجعله هدفاً للمؤامرة الكونية التي تقودها إسرائيل والولايات المتحدة. ويتم تكثيف هذا الخطاب في وقت الأزمات، كما هو الحال اليوم مع انهيار الاقتصاد وظهور مؤشرات لاستياء شعبي واسع.

والجدل، رغم أنه منحصر بين الموالين للنظام، إلا أنه يبقى شديد الأهمية، لأن النظام السوري منذ عقود طويلة وضع القضية الفلسطينية قسراً في مقدمة القضايا التي يدعي الاهتمام بها، وامتلأت المدارس والشوارع والإعلام الرسمي وشبه الرسمي بالمحتوى الذي يعتبر القضية الفلسطينية أولوية بالنسبة للنظام. ودفع السوريون الضرائب والطوابع لأجل القضية التي يدّعي النظام مساندتها، وسمعوا مراراً عبارات من المسؤولين الرسميين بأن الجزء الأكبر من ميزانية البلاد تذهب إلى الجيش ووزارة الدفاع بسبب دعم دمشق للقضية الفلسطينية. ويشعر بعض السوريين أنهم مواطنون أقل قيمة في بلدهم، رغم أن ذلك لا علاقة له بالقضية الفلسطينية مباشرة، بقدر ما هو نتيجة للحياة في ظل نظام شمولي.

والجديد اليوم هو تصويب الاتهامات ليس فقط على الشعب السوري باعتباره يحتاج "بوصلة القيادة" من أجل التمييز بين "المؤامرة" و"المصلحة الوطنية"، بل على الحكومة ومجموعة من الوزراء. فوزير الإعلام بطرس حلاق متهم بالترويج لأشخاص مطبّعين مع إسرائيل في الشاشات الوطنية. ووزيرة الثقافة لبانة مشوح، ووزير التربية دارم طباع، متهمان بالترويج لمفاهيم "أممية" بعملهما مع منظمة الأمم المتحدة للثقافة والتربية والعلوم "يونيسكو"، في عدد من المجالات، حسب فيديوهات تمت مشاركتها خلال الأسبوع الماضي على نطاق واسع، توصف فيها الأمم المتحدة بأنها كيان "صهيوني".



وكانت حفلة صابر الرباعي تحديداً منطلقاً لكل ذلك الهجوم، بسبب صورة قديمة يبدو فيها مبتسماً العام 2016 مع ضابط إسرائيلي على الحدود الأردنية الفلسطينية، عند إحيائه حفلة في الضفة الغربية حينها. ورغم أن الرباعي تنكّر للصورة لاحقاً في وجه اتهامات التطبيع الذي تمارسه حكومات عربية أصلاً وتسعى إليه، فإنه تلقى اتهامات بالخيانة وصلت إلى حد رفع دعاوى قضائية لمطالبة الحكومة بوقف حفلته، من قبل إعلاميين في التلفزيون السوري.

ويتم استجرار أحداث قديمة، مثل استضافة التلفزيون قبل أسابيع للكاتب المصري يوسف زيدان، الذي اعتُبر "مطبّعاً"، أو دعوة وزارة الثقافة قبل سنوات للمغنية اللبنانية هبة طوجي التي وُصفَت بالمُعادية للدولة السورية، أو دعوة النجمة مايا دياب للغناء في دمشق هذا العام مع تصنيفها بالمُنحلّة أخلاقياً بسبب دعمها للحريات ومجتمع الميم. وذلك كله للقول بأن الحكومة "تنشر ثقافة التطبيع الذي حوربت سوريا من أجله" و"ترعى الفساد" الذي يواجهه الرئيس الأسد في خطاباته وتوجيهاته.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها