الأربعاء 2023/12/06

آخر تحديث: 13:06 (بيروت)

ماهر الأسد يتفقد الجيش السوري: رجل بلا وجه!

الأربعاء 2023/12/06
ماهر الأسد يتفقد الجيش السوري: رجل بلا وجه!
increase حجم الخط decrease
باستثناء الرئيس السوري بشار الأسد وزوجته أسماء، اللذين يمكن التندر بأنهما يقدمان نفسيهما كمؤثرَين في مواقع التواصل عبر حسابات "رئاسة الجمهورية"، أكثر من كونهما قائدين "شرعيين" لبلاد ممزقة بفعل حرب طويلة الأمد، لا يعرف السوريون كثيراً عن رموز النظام السوري الذين تتكرر أسماؤهم في الأخبار ووسائل الإعلام ومواقع التواصل، وحتى في الجلسات الشخصية منذ عقود، لدرجة يبدو بعضهم كأشباح ورجال بلا وجوه، لا يمكن حتى الوصول إلى صور فعلية لهم إلا بصعوبة من خلال الغوص في الأرشيف.


هذا الغموض يبرز بشكل كبير في حالة ماهر الأسد، شقيق بشار الأسد وقائد "الفرقة الرابعة" في الجيش السوري، المسؤولة عن انتهاكات مروعة لحقوق الإنسان منذ العام 2011 على الأقل. فالرجل الذي يمثل أحد ركائز النظام الحاكم منذ عقود، بعيد من الإعلام، رغم حضوره المتزايد في السلطة منذ العام 2000 بعد وفاة والده حافظ الأسد، باعتباره الرجل الحازم والقاسي والعسكري، إلى جانب شقيقه الرئيس الطبيب ذي العينين الزرقاوين الذي درس في بريطانيا ويفترض أنه يمثل الحكمة والهدوء.

وتداولت صفحات موالية للنظام السوري، الأربعاء، في "فايسبوك" تحديداً، مقطع فيديو نادراً يظهر فيه ماهر الأسد، خلال "جولة ميدانية مفاجئة على عدد من القطع والتشكيلات العسكرية". وخلال الفيديو الذي لا تتجاوز مدته الدقيقة الواحدة، يظهر ماهر (56 عاماً) وهو يتجه من سيارته نحو مجموعة من الضباط، في مكان غير محدد وزمان غير محدد أيضاً، مع استبدال الصوت الحقيقي للفيديو الذي انتشر بدقة سيئة جداً، بالنشيد السوري أو بأغان "وطنية" وعسكرية أخرى.



هذا الظهور النادر يبدو للوهلة الأولى وكأنه تسريب من قبل "معجبي عائلة الأسد" عبر أحد الجنود الحاضرين في مكان التصوير، لكن غياب الصوت والمعلومات عن مكان التقاط الفيديو وزمانه يجعله أقرب للدعاية فيما تزداد وتيرة القصف الإسرائيلي على المطارات السورية بشكل جعل من التصريحات السورية الرسمية حول جيش البلاد والرد في الوقت المناسب وغيرها، نكتة حتى بين أشد الموالين للنظام. كما أن الفيديو قد يكون استعراضاً للقوة، كونه يأتي بعد أسابيع من إصدار القضاء الفرنسي مذكرة اعتقال بحقه، بتهمة التواطؤ في جرائم ضد الإنسانية والتواطؤ في جرائم حرب مع شقيقه بشار.

وفيما قال البعض أن الفيديو تمهيد لتصعيد عسكري في إدلب، لا يمكن الحكم على الغاية الدقيقة منه في الواقع لعدم وجود سياق محدد له، في مقابل الاكتفاء بنشر عبارات التمجيد لماهر الأسد، إذ ينظر إلية الموالون للنظام، كشخصية عسكرية فذة "وبطل"، علماً أن الرجل غائب عن الأضواء منذ بداية الأزمة السورية، رغم أنه يقود "الفرقة الرابعة" في الحرس الجمهوري، والتي شاركت في أعمال أدت إلى قتل آلاف المتظاهرين خارج نطاق القضاء، والاعتقال التعسفي لعشرات آلاف الأشخاص في أنحاء البلاد. وتتمركز الفرقة الرابعة في مناطق مختلفة من ريف دمشق، بدءاً من جبال المعضمية حيث الفوج 100، والفوج 153، وداريا. كما تنتشر الفرقة أيضاً في منطقة وادي بردى، وبعض مناطق الغوطة الشرقية، وطريق دمشق- بيروت، بحسب تقارير ذات صلة.

وبسبب ابتعاد ماهر الأسد عن الضوء، تنتشر الشائعات حوله بكثافة، منذ العام 2011 على الأقل. ويحيل شح المعلومات بشأنه، إلى كم من الأخبار المختلقة من جهة، والرغبة في معرفة المزيد عنه من جهة ثانية، بما في ذلك الأخبار المستمرة عن مقتله أو خلافه مع شقيقه بشار أو تحديه المفترض لأسماء الأسد التي توسع نفوذها اقتصاديا، وغيرها.



وترجع آخر صورة موثقة لماهر الأسد إلى العام 2017، عندما التقط صوراً مع الممثل مصطفى الخاني، تأكيداً لأنباء ترفيعه من رتبة عميد إلى رتبة "لواء ركن" حينها. وسبقت ذلك صورة أخرى العام 2014 برفقة المغني السوري جورج وسوف، والتي نشرها حينها الإعلامي اللبناني نيشان ديرهاروتيونيان عبر حسابه في "تويتر". أما آخر مقطع فيديو موثق ظهر فيه، فبُث في العام 2004، في ما يعتقد أنه تنفيذ الأسد والفرقة الرابعة مجزرة بحق المعتقلين في صيدنايا.

وفي تشرين الأول/أكتوبر 2022 انتشرت صور غير مؤكدة قيل أنها لماهر الأسد، ضمن مشروع تدريب لجنود النظام السوري، بحضور شخصيات إيرانية وروسية، علماً أن الرجل يعتبر مسؤولاً عن شن حملات تصفها منظمات حقوقية دولية بـ"الوحشية" منذ الأيام الأولى للثورة السورية السلمية العام 2011، إضافة إلى وحشية مماثلة بحق المعتقلين في سجون الفرقة الرابعة التي يترأسها، كما يوصف من طرف السوريين المعارضين بأنه عديم الرحمة ومتسلط.

وتكرر المواقع الموالية أن ماهر الأسد درس الهندسة الميكانيكية في جامعة دمشق، قبل أن يلتحق بالكلية الحربية، ويصبح الرجل الثاني في النظام واليد اليمنى لشقيقه بشار الأسد ومستشاراً عسكرياً له وصاحب الدور الأول في قمع الثورة السلمية في بداياتها. علماً أنه، منذ اندلاع الثورة، راج العديد من الأنباء حول مقتله أو إصابته في تفجير خلية الأزمة، الأمر الذي أدى إلى بتر ساقيه وعلاجه في روسيا، ولم يستطع أحد إثبات المعلومة الأخيرة، إلا أنها بقيت متداولة بسبب قلة ظهور ماهر وعدم وجود دليل على نفيها، حتى التقاط الصور الجديدة.

والحال أن نموذج ماهر الأسد قابل للتعميم على عشرات الأسماء الأخرى التي يسمع بها السوريون من دون إمكانية تحويلها إلى صورة في أذهانهم، تحديداً قادة المخابرات والجيش، مثل علي مملوك أو حسام لوقا، أو آصف شوكت الذي قتل العام 2012 وغيرهم، ممن يظهرون في الأخبار والتسريبات الإعلامية في صحف عربية أو في وسائل إعلام معارضة منذ 2011، مع صور أرشيفية لهم، بموازاة أخبار دائمة الحضور عن "تسريب صورة" ما هنا أو هناك لإحدى تلك الشخصيات باعتبارها "سبقاً صحافياً".

ولعب ذلك النموذج أدواراً عديدة من أجل النظام أمنياً ودعائياً، على اعتبار تلك الشخصيات الشبحية أعمدة النظام الحقيقية، ما يصعب استهدافهم من طرف عدو خارجي أو داخلي، خصوصاً أن النظام السوري امتلك على الدوام الكثير من الأعداء. وكان ذلك في الواقع مبرراً ليس فقط لوجوده بوصفه "حامياً للسوريين" بل أيضاً مبرراً للقمع والحكم العسكري وقوانين الطوارئ والبؤس الاقتصادي وغيرها من الممارسات طوال عقود.

كما أن إبعاد تلك الشخصيات عن الأضواء، جعل بالإمكان تصدير شخصيات أقل أهمية للواجهة، مثل الوزراء والموظفين الحكوميين على سبيل المثال، خصوصاً بعد وفاة حافظ الأسد، بشكل يجعل التخلص منهم ممكناً في حال وجود حاجة لذلك، كحالة احتقان شعبي على سبيل المثال تجاه قضية معينة، ما يخلق وهماً بوجود تغيير وديناميكية في السيستم السياسي، من دون إحداث تغيير حقيقي.

وفي حالة ماهر الأسد، يكاد يكون البحث عن صور شخصية أو مقاطع فيديو له، فعلاً عبثياً، باستثناء الصور الرسمية القليلة التي تنشرها الدعاية الرسمية له ولبقية أفراد العائلة، ولم يتغير فيها منذ عقود. ويماثل ذلك دعاية النظام السوري في ثمانينات وتسعينيات القرن الماضي، عندما كانت صور العائلة الحاكمة تخرج بشكل جامد من طرف الرئاسة، وتركز على شخص الرئيس السابق حافظ الأسد، غير المبتسم أبداً، وبدرجة أقل حينها، أولاده الذكور، باسل وماهر وبشار، فيما لم تكن ابنته بشرى وابنه الآخر مجد حاضرين في الصورة الإعلامية.

يختلف ذلك كلياً عن نموذج الدعاية الذي يعمل به الرئيس بشار الأسد وزوجته أسماء. فقبل العام 2011، كان الثنائي يعتمد على شركات علاقات عامة عالمية ترسم له الصورة الذهنية العامة، منها شركة "براون لويد جيمس" الأميركية، فيظهر بشار "فجأة" من دون مرافقة أمنية في دار الأوبرا أو في سوق الحميدية الشهير، وكأنه فرد عادي يمارس نشاطاً يومياً وقريباً من الناس، وليس رئيساً يحكم البلاد بقبضة حديدية. ثم باتت إطلالاته بعد الثورة، محصورة في المجال العسكري لسنوات، قبل أن يعود لإظهار جانبه المدني منذ العام 2017 مع انخفاض وتيرة المعارك، فيما كثفت أسماء الأسد حضورها الإعلامي منذ العام 2016.



والمشترك بين الأخوين الأسد أنهما لا يمتلكان حسابات شخصية في مواقع التواصل، وكذلك الحال لبقية أفراد العائلة من الجيل الأكبر سناً. وعادة ما تنشر حسابات رئاسة الجمهورية الرسمية في مواقع التواصل، صوراً للعائلة الحاكمة، لكن ذلك يقتصر إلى حد كبير على صور بشار وأسماء وأولادهما. ونُشرت في السابق صور من طفولة بشار وشبابه، أو هو على مقاعد الدراسة، وغيرها، كجزء من الدعاية الرسمية التي تصفه بأنه شخص متواضع وينتمي إلى الشعب السوري.

يختلف ذلك كله إلى حد ما، عن الصورة العامة للجيل الثالث من العائلة، أي أبناء بشار وأسماء، وأبناء شقيقة الرئيس بشرى، أو أبناء رجل الأعمال رامي مخلوف، وغيرهم ممن ينشطون في مواقع التواصل الاجتماعي، تحديداً في "أنستغرام" بحسابات يديرونها لكنها تبقى مغلقة للعامة ويتم تسريب صور منها في فترات متباعدة، تظهر حجم الترف والبذخ الذي تعيشه العائلة الحاكمة في الداخل السوري وخارجه.


increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها