الجمعة 2021/11/26

آخر تحديث: 13:40 (بيروت)

"مسيرتي": حياة جورج وسوف.. وواقع سوريا المزري

الجمعة 2021/11/26
"مسيرتي": حياة جورج وسوف.. وواقع سوريا المزري
increase حجم الخط decrease
قبل أيام، بدأت منصة "شاهد" عرض مسلسل "مسيرتي" الذي يوثق رحلة المغني جورج وسوف إلى عالم الفن والشهرة.

المسلسل ينتمي إلى نمط الديكودراما بمزجه بين السرد التوثيقي والمشاهد الدرامية التي تعيد تمثيل الواقع. وقام بإعداده وصياغة حواراته الكاتب جورج عبود، وأخرجه دافيد أوريان على امتداد ثماني حلقات، يستمر بثها حتى منتصف كانون الأول/ديسمبر المقبل، بمعدل حلقتين أسبوعياً.

ورافق الإعلان عن المسلسل ضجة كبيرة، بسبب المكانة الشعبية التي يتمتع بها وسوف وجدلية مواقفه السياسية، كما تم إطلاق الوثائقي بدعم من مستشار الديوان الملكي ورئيس هيئة الترفيه في المملكة تركي آل الشيخ، عقب إحياء جورج وسوف حفلة موسم الرياض2021، ما أثار غضب عدد كبير من السعوديين بسبب تهميش الفنانين السعوديين لصالح الفنانين العرب. وغرد رئيس لجنة الثقافة والعلوم في جمعية الإحساء، محمد البشير على سبيل المثال: "بمناسبة وثائقي جورج وسوف، نتمنى الالتفات إلى رموزنا".

أما البعض الآخر، فاعترض على استضافة وسوف في الرياض وتكريم مسيرته بمسلسل وثائقي، بسبب مواقفه السياسية الداعمه لحزب الله ونظام الأسد، ما جعله يرتقي إلى مرتبة دعم أعداء المملكة السعودية. وغرد الكاتب السعودي حاتم الرحيلي: "سعت إم بي سي إلى إظهار جورج قرداحي وتلميعه، على الرغم من ميوله الواضحة لبشار الأسد وحزب الله، وحتى قبل تصريحاته الأخيرة بيوم، وهي تدعمه. الخطأ نفسه يتكرر مع جورج وسوف وميوله، تعمل له فيلماً وثائقياً".

View this post on Instagram

A post shared by Shahid (@shahid.vod)


وفيما كانت ردود الأفعال السعودية هي الأعنف، إلا أن تغريدات المعلقين العرب لم تكن مختلفة بدورها، حيث كان الاستهجان حاضراً، قبل أن تهدأ تلك الموجة من الاستياء بعد بدء عرض المسلسل، الذي تمكن بأولى حلقاته أن يرسم صورة مخالفة للتوقعات، ليبني أجواء درامية شيقة.

والحال أن هنالك العديد من الأمور الإيجابية في المسلسل، وتحديداً الطريقة التي يقوم فيها وسوف شخصياً بسرد قصته. وكان ظهور وسوف في العمل بقرار منه بحسب التصريحات المرافقة للمسلسل، علماً أن المسودات الأولى اقترحت تقديم المسلسل على طريقة دراما السيرة الذاتية، من دون اللجوء إلى راوٍ. وهذا التغيير انعكس إيجابياً على العمل وأضفى عليه نوعاً من المصداقية، بسبب العفوية التي يتمتع بها "سلطان الطرب" واللغة البسيطة التي يسرد فيها قصته وهو يجلس خلف مكتبه البسيط من دون اصطناع أو تكلف. ويزيد من جمالية السرد أن وسوف يبدو متصالحاً مع ذاته، حيث يحكي من دون خجل عن ماضيه ولا يحاول تلميع صورته ولا يحاول أن يضع نفسه في عالم منفصل عن الواقع، ليقوم بتسمية عيوبه بكل أريحية ويصف نفسه في مرحلة المراهقة بأنه كان شاباً "زعورياً" وصاحب مشاكل، ويصور بكلماته بيئته بكل تفاصيلها.

وهكذا، يبدأ المسلسل من خلق الأجواء التي كان يعيشها وسوف عندما كان في العاشرة من عمره في قرية كفرون التابعة لمحافظة حمص. ويعكس الوثائقي الواقع المزري والفقر الذي كانت تعانيه تلك القرى في تلك الحقبة. وهنا يتعامل وسوف مع نفسه وعائلته كنموذج لأي عائلة أخرى في القرية، فهو ابن عائلة فقيرة تتكون من أم وأب وخمسة أطفال، هو البكر والصبي الوحيد فيها.

ومن خلال حديثه عن تلك المرحلة يصور وسوف القهر الذي تضيع فيه ملامح الطفولة، حيث اضطر للعمل من سن مبكرة كي يساعد في إعالة أسرته، لأن ما كان والده يجنيه من مال قليل لم يكن كافياً. ومن خلال بعض الحكايات الهامشية تظهر ملامح بؤس القرية وتخلفها، ففي مشهد الغسالة، يصور لنا المسلسل الصدمة الحضارية التي حدثت في القرية عندما قام جورج وسوف بشراء غسالة بعدما تقاضى أجراً عن أولى حفلاته. حينها لم يكن الناس في كفرون يعرفون ما هي الغسالة بعد، بل كانت النساء تقوم بهذا العمل الشاق ويغسلن الثياب يدوياً لساعات طويلة.

إلى ذلك، تبيّن الحلقات الأولى من المسلسل أن عمالة الأطفال كانت أمراً طبيعياً ومقبولاً اجتماعياً، لكن الأغرب من ذلك أن بعض المشاهد تصور انتهاكات أشد بحق الأطفال، تصل إلى حد دعارة الأطفال. يتجلى ذلك في استغلال وسوف للعمل في النوادي الليلية والكابريهات، بالإضافة لدخوله كزبون إلى كابريه رفقة أصحابه الذين لا يتجاوزون الرابعة عشرة من عمرهم، حيث يتمكنون من خلال دفع بعض الأموال الإضافية، من شرب الكحول وإقامة علاقات جنسية مع فتيات الليل، بالإضافة إلى المشاهد التي تصور تصرفات غريبة في وضح النهار، كقيادة الأطفال الصغار للسيارات والتدخين في وسط الشارع.

لا يمكن التنبؤ بالمسار الذي سيسلكه المسلسل في المراحل المقبلة، لكن الأمر الأكيد أن المسلسل نجح في توثيق حقبة تاريخية في سوريا في إحدى القرى المهمشة التي لم تهتم الدراما السورية يوماً بتصويرها، وبيَّن بوضوح شكل الحياة الحقيقي الذي لا تنقله الدراما المسيسة أصلاً في سوريا. وعلى الرغم من تركيز المسلسل بشكل أساسي على عدم رعاية الأطفال الموهوبين وعدم تقديم يد العون لهم حتى بعد أن يتم إستغلالهم مادياً، كما حدث مع وسوف، حين سُجلت أغانيه من دون علمه وبيعت من دون أن يحصل على نسبة من الربح، إلا أن المسلسل يصل إلى ما هو أبعد من ذلك، لأن واقع الفن البائس لا يعكس سوى الوجه الحقيقي للحياة في سوريا آنذاك.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها