تكفّلت قوة حفظ السلام الدولية العاملة في جنوب لبنان (اليونيفيل) بإيضاح ملابسات كثيرة متصلة باتهامات لها بالتقصير والتواطؤ في اداخال شحنة الامونيوم الى مرفأ بيروت في العام 2013، فيما لم تتحرك القوى العسكرية والأجهزة القضائية لنفي الاتهامات الموجهة اليها ضمن وثائقي قناة "الميادين" الذي حمل عنوان "رواية الحقيقة"، وبرّأ الوزراء والمسؤولين الإداريين من تهمة التسبب بالانفجار، وركّز الاتهامات على القوى العسكرية والأجهزة القضائية.
والوثائقي الذي عرضته القناة مؤخراً، أدى الى اشتباك مع "اليونيفيل" التي أصدرت بياناً مكرراً للمرة الثانية خلال ثلاثة أشهر. لا يختلف مضمون البيان عن سابقه لجهة ولايتها، ودورها بحسب القرار 1701. أكد الناطق باسمها، اندريا تننتي، اليوم في بيان، انه بناءً على طلب الحكومة، "يتمثل دور قوة اليونيفيل البحرية في مناداة السفن التي تقترب من لبنان وإحالة أي سفن مشبوهة إلى السلطات اللبنانية، وهي الجهة المسؤولة عن تفتيش هذه السفن بشكل مستقل". وجدد تأكيده انه "لا تستطيع اليونيفيل الصعود على متن أي سفينة وإجراء تفتيش مادي لها في المياه الإقليمية اللبنانية ما لم تطلب السلطات اللبنانية ذلك على وجه التحديد".
الاتهامات الموجهة الى "اليونيفيل" في الوثائقي، وعلى ألسنة الضيوف الذين عقبوا على المادة البصرية والبحثية الواردة في التقرير، هي واحدة من ثلاثة اتهامات طاولت "ضباطاً في الجيش" وقضاة تمت تسميتهم بالاسم، إضافة الى بعثة السلام الدولية. وردّت "اليونيفيل" على الاتهامات، فيما لم يصدر أي بيان عن الجيش اللبناني ولا عن الجسم القضائي.
ورسالة الوثائقي، باتت أكثر وضوحاً. ثمة تبرئة للوزراء والإداريين. ورد في التقرير أن مدير عام الجمارك، شفيق مرعي، راسل الجيش اللبناني حول النيترات، وتم ابلاغه بأن الجيش لا يحتاج الى هذه المادة. هنا، جرت تبرئة مرعي، الموقوف لدى القضاء اللبناني، من المسؤولية، وتُضاف ذلك الى المسؤولية الادارية التي تحدث عنها الوزراء المشتبه فيهم، وأنها لا تتخطى الجانب الإداري. وفي الوثائقي، تمت إدانة القاضي جاد المعلوف الذي اتّهم بالسماح بإنزال النيترات، بعد مراجعة الجمارك له. واتّهم بالمسؤولية عن افراغ النيترات وإبقائها في مكانها، كما اتهمت القاضية كريستين عيد، من هيئة القضايا، بالسماح للحمولة بالبقاء فيها، فضلاً عن القول ان رئيس الحكومة السابق حسان دياب، كان عازماً على الذهاب الى المرفأ قبل أن يثنيه رئيس مجلس الدفاع الأعلى عن زيارته التفقدية.
من هذا المضمون، يتضح اننا أمام روايتين اعلاميتين، يغذيهما الصراع في وسائل الإعلام المقسومة بين التأييد لمهمة القاضي طارق البيطار، والمناهضة لها. في هذا الوثائقي، جرى خلط للأوراق. اقتيد التحقيق من موقعه الحالي الى موقع آخر، متصل بالـ"يونيفيل" والقضاء والجيش اللبناني. وهي بذلك، رجع صدى للكباش السياسي القائم بين مؤيدي البيطار ومعارضي البقاء في مهمته.
لكن ما لم يقله التقرير، ويمكن استنتاجه بسهولة، أن شحنة الأمونيوم جرت قرصنتها من قبل السلطة اللبنانية، والاستيلاء عليها، عملاً بمنطق القراصنة. فقد تكرر القول أن الشحنة تبين أن لها صاحب. وأن صاحبها سأل عنها مراراً ويريد استعادتها، ما ينفي أن جهات حزبية أو متشددة في سوريا ولبنان، استوردتها لصالحها. هذا الاستنتاج هو بيت القصيد.
السلطة، إذن، كانت، في شحنة الأمونيوم، سارقة! سيطرت على باخرة من المواد المتفجرة، وجرى استخدامها وتهريب كميات منها (تقرير الأجهزة الدولية يقول ان الكمية المنفجرة أقل بكثير من الكمية المضبوطة)، سواء في الداخل اللبناني لأغراض زراعية، أو خارج لبنان (سوريا) لأغراض متصلة بعمليات عسكرية.
هذا الكشف واحد من محاسن الاشتباك السياسي. الصراع بين الأطراف، كشف واقعاً لا ينكره أحد حول تقاسم المغانم بين أركان السلطة اللبنانية، وربما تكون الأجهزة التابعة للدولة، الإدارية والأمنية والقضائية، عاملة في خدمة تلك الطبقة السياسية، ولا تردّ لها المطالب، وترفض الآن أن تكون "كبش محرقة". وحدها "اليونيفيل" أبعدت شبهة التورط بتوضيح مهامها. أما الأجهزة، فهي مثل "بالع الموس".. فيما الخسارة وقعت على عائلات الضحايا والمتضررين من انفجار المرفأ حصراً، في نظام لبناني متشابك بين المصالح والحمايات وبيادق شطرنج تُطاح عند الحاجة.
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها