الخميس 2020/12/17

آخر تحديث: 13:47 (بيروت)

لماذا تهدر بريطانيا وقتها بالتآمر علينا؟

الخميس 2020/12/17
لماذا  تهدر بريطانيا وقتها بالتآمر علينا؟
increase حجم الخط decrease
يطل علينا، بين حين وآخر، صحافي، زعيم سياسي أو شخص يدعي أنه تابع لأحد أجهزة المخابرات، أو مجرد شباب يتحلقون حول نارجيلة في أحد المقاهي، يتحفوننا بنظرية جديدة عن المؤامرة، كل شيء يحدث بالنسبة لهؤلاء هو نتيجة خطة جهنمية، رسمتها عقول شيطانية للنيل منا وإخضاعنا.


من الحرب في سوريا والمؤامرة الكونية عليها، إلى ظهور تنظيم "داعش" وثورات الربيع العربي، كلها مؤامرات حاكها الغرب ويحيكها ضدنا، نحن الأقوياء جداً، الذين لا نقهر، حتى الصعود إلى القمر بات مؤامرة.


يعيش أصحاب المؤامرات ويتغذون عليها، تصبح أسلوب حياة يرفع عنهم مسؤولية أفعالهم، كل فشل بالنسبة إليهم سببه مؤامرة. الفقر، وفساد الحكام، والبؤس الذين يعيشونه. المؤامرة شماعة يعلقون عليها هزائمهم، وعبرها يقود الحكام شعوبهم ويستعبدونهم ويسرقونهم. ثورة تشرين في لبنان والعراق مؤامرة أميركية، كان المؤمنون بها يبحثون بين مأكولات المتظاهرين عن جملة بالانكليزية، شعار للماكدونالدز أو أي شخص أشقر الشعر ليثبتوا نظريتهم.


والأمر ليس مقتصراً على عامة الشعب، بل تعداه إلى الحكام وقادة الشعوب، الذين تحدثوا بسذاجة تامة عن مشاريع مؤامراتية تقود الشباب نحو خراب الأمة. فقد سبق لأمين عام حزب الله، حسن نصر الله، مع بداية ثورة 17 تشرين أن تساءل من أين يأتي المتظاهرون بالصوتيات والسندويشات التي توزع عليهم.

وبعدما تفشى فيروس كورونا في إيران، عرضت الولايات المتحدة إرسال أطباء لمساعدة الشعب الإيراني في مكافحة الفيروس. وبغض النظر عن الأسباب الحقيقية للعرض الأميركي، والذي يمكن ان يوضع تحت خانة رفع العتب لا أكثر، إلا أن المرشد الأعلى الجمهورية الإسلامية، علي خامنئي، رفض العرض، معتبراً أن الفيروس صنعته الولايات المتحدة خصيصاً ليستهدف جينات الإيرانيين، وما إرسال الأطباء إلا لتلمس مدى فاعلية اختراعها.


يظن المؤمنون بنظريات المؤامرة بأنهم محور الكون. وأنهم يشكلون خطراً حقيقياً على باقي الشعوب وما وجود المؤامرات إلا لاتقاء شرهم، لكن ما هي الأسباب الحقيقية للمؤامرة؟ لماذا تهدر دولة مثل بريطانيا، مثلاً، وقتها ومواردها وطاقاتها، للتآمر على دولة مثل لبنان أو سوريا؟ حتى الثروات والخيرات، يمكنها "مصادرتها"، إن أرادت، بلا عناء، في دول استهلاكية ما عادت تنتج شيئاً، بل تصفق لزعماء يسرقون أموالها ويرسلون أبناءها إلى الموت تحت شعر محاربة المؤامرة.

في الحديث عن مؤامرة بريطانية، والترويج له باعتبارها "تدعم الثوار" كعمل استخباراتي، على غرار دعمها "البروباغندا المعارِضة السورية"، ملف آخر يتعدى استهداف بريطانيا كدور.. هو استهداف للثورة اللبنانية وتصويرها على أنها مؤامرة كونية. تتفق الأحزاب على ذلك، ووسائل إعلام ناطقة باسمها. هي عملية شيطنة كاملة لثورة أرادت تصحيح الخلل في حياة اللبنانيين وتصويب فشلهم.

لكن الأدهى من كل ذلك السؤال الطبيعي: لو كان الغرب أداة تحفيز للثورة وداعماً لها بالمال والتنظيم، فهل تفشل؟ هل ستصل الى مرحلة أن يعاير أحمد الحريري إحدى المعترضات على وجوده في مكان عام، بأن الثوار أكثر من مئة مجموعة غير منظمة؟

هل كان في الإمكان أن يبقى الثوار على شرذمتهم، لو وضعت بريطانيا أو أميركا يدها في يد الثورة؟ علماً أن الجهات نفسها ترى أن أميركا نجحت في الثورة البرتقالية، ونسبياً في ثورة 14 آذار في لبنان!

المؤامرة حديث مستمر. اتهام في معرض وصف الفشل. وما أكثر الاتهامات، وما أقل الوقائع.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها