الأسلوب السابق يتم تدريسه في كلية الإعلام بجامعة دمشق ضمن عدة مقررات جامعية، ويتم التركيز عليه، ويعطي لمحة عن طبيعة ودور الإعلام في سوريا الأسد، بوصفه أداة رسمية لتوجيه "الرأي العام"، بشكل يعاكس طبيعة الإعلام في المجتمعات الديموقراطية والدول التي تهتم بحرية التعبير.
ولأن ذلك يشكل معطى عاماً إلى حد ما، بسبب تراكم الخبرة بين السوريين والإعلام الرسمي خلال عقود، لم يكن من العبث بالتالي أن تكون عبارة "اختفت أزمة البنزين خلف صدر حبيبة ساسوكي" رائجة، حتى في وسائل إعلام حليفة للنظام، ومن بينها وكالة "سبوتنيك" الروسية مثلاً، التي صدّرت تلك العبارة في عنوان خبرها عن الموضوع.
واللافت هنا، هو رد الفعل العنيف من طرف عاملين في منظومة الإعلام الرسمي، والذين باتوا شديدي الحساسية للانتقادات التي توجه لهم. فبات بعضهم يتصيّد الآراء النقدية الموجهة للإعلام الرسمي من أجل "تفنيدها" والسخرية منها وتخوين أصحابها، حتى لو كانوا من المعسكر السياسي نفسه، أي موالين للنظام في مواقع التواصل أو وسائل إعلام حليفة، وتصل تلك الاتهامات أحياناً إلى العمالة لإسرائيل، لمجرد انتقاد "الإعلام الوطني".
يبرز هنا مثلاً مدير قسم الإعلام الإلكتروني في قناة "الإخبارية السورية" الرسمية، مضر ابراهيم، الذي يتصدى لهذا الدور. ففي أزمة "ساسوكي" مثلاً، لم يهاجم ابراهيم المنتقدين، بل هاجم أصل فكرة الانتقاد الإعلامي، وسمّى بالتحديد صحيفة "الأخبار" اللبنانية الحليفة للنظام، لاختراعها نمط مهاجمة "الإعلام الوطني" قبل سنوات، بحسب تعبيره، وأن الصحيفة تعتبر منبراً للدفاع عن عملاء وخونة تحت مسمى "حرية التعبير"، علماً أنها لم تكن قد نشرت بعد خبرها المقتضب عن "ساسوكي". فيما رد عليه عاملون آخرون في الإعلام الرسمي بتسمية جريدة "السفير" (اللبنانية أيضاً) قبل إغلاقها، بوصفها أصلاً لذلك "النمط الصحافي المعيب".
وفيما يمكن النظر إلى المسألة على أنها امتداد لما يعتبره البعض صراعاً روسياً–إيرانياً في سوريا، بسبب تاريخ طويل من الاتهامات العلنية المتبادلة بين إعلاميين لبنانيين مقربين من إيران من جهة، وإبراهيم بالتحديد من جهة ثانية بوصفه محسوباً على الروس، إلا أن المسألة تظهر نمطاً عاماً لدى العاملين في الإعلام الرسمي، إذ يرفضون أي انتقاد ويصورون أنفسهم كضحايا لمُغرضين وإعلاميين مأجورين، لأسباب سياسية أو لأسباب شخصية، لأن الإعلام الوطني الشريف يذكّر الإعلاميين الخارجيين "برخص الثمن الذي قبلوه أولاً لبيع شرفهم المهني"، بحسب وصف إبراهيم.
والحال أن هذه اللهجة كررها أشخاص آخرون في أزمات الإعلام الرسمي السابقة، مثل الانتقادات التي طاولت مراسلة "الإخبارية" سلمى عودة التي "فندت أزمة البنزين" بلقاء مع أحد المواطنين تحت سيارة، أو معاقبة "الإخبارية" نفسها للمراسل صفوان علي، بعد تغطيته غير الأخلاقية لحادثة مقتل 7 أطفال من عائلة واحدة في حريق في العاصمة دمشق قبل أشهر.
يرجع ذلك إلى أن العاملين في الإعلام الرسمي يعتقدون أنهم يقومون بعملهم على أكمل وجه، ما يؤهلهم لنيل الاحترام. وذلك صحيح تقنياً، فهم يمارسون الدور الدعائي المطلوب منهم وفق معنى ومحددات الإعلام في دولة شمولية وسلطوية مثل سوريا الأسد.
لكن ذلك الدور لا يلقى الصدى المطلوب لدى الموالين أنفسهم، إذ تحمل مواقع التواصل الاجتماعي سخرية واحتقاراً واسعاً لذلك الإعلام الخشبي، وهو ما يخلق على الأغلب، ذلك الموقف الدفاعي المتشنج، والرافض لأي انتقاد، حتى من "الأصدقاء والحلفاء".
هذا الفارق بين ماهية الإعلام الرسمي الحالية، وما يجب أن يكون عليه في الظروف المثالية، هو ما يحدد الجدل ككل. فالعاملون في الإعلام الرسمي يرون أنهم "الناقل للخطاب الوطني والسياسي السوري بكل فخر"، وبالتالي فإن أي انتقاد لهم هو جزء من الحرب على "الدولة السورية"، ويرددون شعارات الثورة السورية الأولى: "كاذب كاذب كاذب، الإعلام السوري كاذب"، كدليل على أنهم ضحية، وذلك مجدداً لاعتقادهم بأنهم يقومون بدورهم على أكمل وجه.
رغم ذلك، فإن القصة ليست مجرد "قلوب مليانة" وحقد شخصي على الإعلام الرسمي، بل هي خلاف أعمق حول طبيعة الدولة السورية المرجوة، والتي يكون فيها الإعلام الرسمي ناطقاً باسم كل السوريين وليس باسم السلطة فقط. وحينها يمكن أن يقدم ذلك الإعلام اعتذارات عن لقطات أهم من لقطة طبيعية في سلسلة كارتونية، مثل مشاهد إزالة جثث سوريين بالجرافات والتي سبق للتلفزيون السوري أن بثها متفاخراً، أو اللقاءات الشنيعة لمراسليه بين سوريين يحتضرون في الشوارع، أو المشاركة في بث الاعترافات القسرية لسوريين آخرين تم اعتقالهم، وغيرها من الانتهاكات الكثيرة لحقوق الإنسان.
اشترك معنا في نشرة المدن الدورية لتبقى على اتصال دائم بالحدث
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها