تتفاقم التحديات الشاقة التي تواجه حرية التعبير والرأي في اليمن، جراء استمرار الصراع وانفلات السلاح وعدم استعادة الدولة. وبين فكيّ كماشة ميليشيا الحوثي والرئيس السابق، وعناصر مسلحة محسوبة على المقاومة والحكومة، إضافة إلى ميليشيا مسلحة مجهولة ومعلومة، وأخرى تابعة لتنظيم "القاعدة"، يستمر مسلسل الإنتهاكات الممنهج والمتصاعد ضد الصحافة والإعلاميين في اليمن.
ففي حين أعلنت نقابة الصحافيين اليمنيين ان "التحالف العربي"، وجماعة الحوثي، يتحملان بالمناصفة، المسؤولية عن 6 حالات قتل لصحافيين ومصورين في اليمن، خلال النصف الأول من العام الحالي، اقتحمت الميليشيا المسيطرة على العاصمة صنعاء مقر قناة "السعيدة" الفضائية، حيث أقدم العشرات من المسلحين الحوثيين، بشكل مفاجئ، على محاصرتها واقتحامها وطرد موظفيها واغلاقها، كما اختطفوا مديرها العام وبعض العاملين على حراستها أيضا.
وتعتبر "السعيدة"، أولى القنوات غير الحكومية في اليمن، وهي ﺍﻟقناة الوحيدة ﺍﻟﺘﻲ كانت ﻻ ﺗﺰﺍﻝ ﺗﻌﻤﻞ في ﺍﻟﻌﺎﺻﻤﺔ، ﺿﻤﻦ ﻗﻨﻮﺍﺕ أطراف الإنقلاب. وهي قناة خاصة، يملكها رجال أعمال، وذات إتجاه اجتماعي في الغالب، لكنها تذيع بعض النشرات الإخبارية وتقدم بعض البرامج السياسية، رغم أن غالبية برامجها ترفيهية.
أما الآن، فيمكن القول أن تصنيفها بإعتبارها ذات إتجاه محايد، لم يشفع لها. إذ كانت تستضيف جميع الأطراف في الساحة لمناقشة القضايا، بمن فيهم الحوثيون الذين كانوا أغلقوها لأشهر، العام الماضي، ثم سمحوا لها بالعمل مجدداً.
وبدت واضحة وحادة حالة الإنقسام النخبوي والشعبي تجاه قناة "السعيدة"، وما تعرضت له من انتهاكات، بين التضامن وعدم التضامن.
فقد أظهرت غالبية تعليقات الصحافيين والحقوقيين والنشطاء اليمنيين في مواقع التواصل الإجتماعي، حجم الإدانة لخطابها والتهكم من حيادها، قياساً بقلة أعلنوا تضامنهم معها، بغض النظر عن كونها لم تظهر سلوكاً تضامنياً مبدئياً مع ضحايا الانتهاكات المتعددة في اليمن جراء الانقلاب والحرب وتداعياتها.
جدير بالذكر أن قناة "السعيدة" كانت قد أصدرت بياناً في حزيران/يونيو الماضي، ذكرت فيه انها "تتابع، وبكل أسف، المهاترات الإعلامية التي تجري عبر وسائل الإعلام ومواقع وشبكات التواصل الإجتماعي المختلفة، والتي تحاول زج القناة في أتون الصراعات التي تشهدها اليمن محاولة تسيس القناة وأعمالها الدرامية".
وجاءت عملية المداهمة، بعد 48 ساعة من إصدار نقابة الصحافيين اليمنيين تقريرها الراصد لانتهاكات النصف الأول من العام الجاري، وكذلك بعد ساعات من بيان تضامني للاتحاد الدولي للصحافيين، دعا فيه المنظمات الدولية إلى التضامن مع الصحافة اليمنية، وإنهاء استهداف الحريات الإعلامية في البلاد.
والحال انها "مرحلة السيناريو الكئيب للحقوق وللحريات في اليمن"، على حدّ وصف أنتوني بلانجي، الأمين العام للاتحاد الدولي للصحافيين، الذي طالب، في بيان، جميع المنظمات الدولية المعنية بحرية الرأي برفع الصوت عالياً وبقوة، للتعبير عن تضامنهم والضغط لإنهاء الاستهداف المنظم الذي تتعرض له الصحافة ويطال الإعلام في البلاد.
وكان بلانجي يعلق على التقرير النصفي الشامل الذي اطلقته نقابة الصحافيين قبل يومين، بشأن وضع الحريات الصحافية منذ مطلع العام 2016 وحتى نهاية حزيران/يونيو الماضي، موثقة فيه كل حالات الاستهداف المنظم.
في تقريرها، رصدت النقابة 100 حالة انتهاك خلال النصف الأول من العام الجاري، طاولت صحافيين ومصورين وعشرات الصحف والمواقع الإلكترونية. ووثق التقرير النقابي خلال المدة المذكورة، 24 حالة اختطاف واحتجاز وملاحقة واخفاء، و13 حالة تهديد وتحريض، و12 حالة اعتداء، و13 حالة حجب لمواقع الكترونية محلية وخارجية، و10 حالات شروع في القتل، و6 حالات قتل، و11 حالة تعذيب، و7 حالات ايقاف مستحقات وايقاف عن العمل وفصل ومنع من الزيارة، وحالتين اثنتين لمصادرة مقتنيات صحافي وأعداد صحيفة، وحالتَي محاكمات.
لكن التقرير كشف عن تورط جماعة الحوثي وصالح في 65 حالة انتهاك بنسبة 65% من اجمالي الانتهاكات التي حددها التقرير ببيانات وجداول إحصائية دقيقة. فيما ارتكب مسلحون مجهولون، 15 حالة انتهاك بنسبة 15%، وجهات حكومية وأمنية تتبع الحكومة الشرعية ارتكبت 7 حالات بنسبة 7%، فيما تورط مسلحون ينتمون إلى جماعة السلفيين في مدينة تعز، في 6 حالات بنسبة 6%، وارتكبت قوى التحالف العربي 5 حالات بنسبة 5%، ومسلحون يتبعون الحراك الجنوبي في مدينة عدن ارتكبوا حالة واحدة بنسبة 1% وعناصر من تنظيم القاعدة في مدينة المكلا حالة واحدة بنسبة 1%.
أمام هذه الصورة المخيفة لحرية الصحافة في اليمن، عبّرت نقابة الصحافيين عن قلقها المتزايد لاستمرار الحرب الشرسة ضد حرية التعبير، كما أكدت على أن هذه الجرائم لا تسقط بالتقادم ولا بدّ أن يخضع مرتكبوها للعقاب.
ومنذ سيطرة الميليشيا على صنعاء في أيلول/سبتمبر 2014، وانتشار الحرب في بقية البلاد، تتعرض حرية الرأي والتعبير في اليمن لانتهاكات فظيعة، أدت إلى اغلاق معظم وسائل الإعلام المستقلة والحزبية والفضائيات المحلية ومكاتب القنوات الخارجية، والاستيلاء على وسائل الإعلام الرسمية وإغلاق مئات المواقع الالكترونية وتسريح مئات الصحافيين والاعلاميين وملاحقة الكثيرين وقطع مستحقاتهم واختطاف العشرات. إذ ما زال هناك 15 صحافياً في المعتقلات وفي اوضاع اعتقال سيئة (كما قتل عدد من الزملاء أيضاً). ومنذ ذلك الحين، ارتفع عدد المعتقلين إلى 17، وكل الأطراف تورطت في استهدافهم خلال الحرب القائمة.
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها