الحديث هنا عن مشاركة شعبان، في مؤتمر حول "داعش والقاعدة"، يعقد مساء الخميس، في النادي العريق بالعاصمة الأميركية واشنطن، بدعوة من منظمة "غافتا" غير الرسمية، والتي يختصر اسمها عبارة "الاتحاد العالمي لوقف داعش القاعدة". وتتخطى الدعوة بذلك كافة القيود والعقوبات الدولية على رموز النظام في سوريا منذ 2011، كاختراق آخر يسجله النظام على المستوى الإعلامي تجاه جمهور عالمي.
وإن كانت مشاركة شعبان في المؤتمر لن تتخطى إطلالة عبر تطبيق "سكايب" فقط، نظراً للعقوبات الدولية بحقها، إلا أنها تحمل رمزيات متعددة، تبدأ بانتهاك رمزية المكان المدافع عن "الحرية"، ولا تنتهي بنوعية المؤتمر المخصص للإرهاب التفكيري، وبالتالي تقديم إشارات عن نوايا أميركية للتساهل في موضوع محاكمة وملاحقة رموز النظام على ما ارتكبوه من جرائم حرب في الفترة المقبلة، في حال تعلق الموضوع بـ"مكافحة الإرهاب".
هذه المشاركة لا تعني بالطبع أن العقوبات على شعبان أو رموز أخرى في نظام الأسد، قد أزيلت، حسبما أكد متحدث باسم الحكومة الأميركية لصحف عربية في بيان مقتضب، وهي النقطة التي استفزت كثيراً من الناشطين عبر وسائل التواصل الاجتماعي منذ الإعلان عن المؤتمر قبل أيام.
وأصدر النادي
بياناً مخجلاً حول المؤتمر موقعاً باسم رئيسه الحالي تومي بار، قال فيه إن النادي كان دائماً مكاناً تحصل فيه الأخبار لأكثر من قرن، ويجتمع فيه الإعلاميون من كل الاتجاهات "لأننا نؤمن بحرية التعبير والتبادل الحر للأفكار"، واصفاً شعبان وبشار الأسد بالشخصيتين "المثيرتين للجدل"، في معرض "تفهمه" لـ"الاستهجان العام"، وكأنه يتحدث عن مشاهير عالم الترفيه الجدليين "ليدي غاغا" و"تشارلي شين"، وليس عن رمزين من رموز نظام أسفرت حربه على شعبه عن مقتل أكثر من 200 ألف شخص.
لا يمكن بأي حال من الأحوال "تفهم" القتل والجرائم ضد الإنسانية التي يرتبكها نظام الأسد بحق المدنيين في البلاد، على أنه مجرد "وجهة نظر"، وكأن الجدل بين شعبان وزملائها في أروقة النظام يدور حول اختيار لون فستان لسهرة المساء، أو نوعية البسكويت المقدم مع الشاي للضيوف، وليس اختيار مكان البرميل المتفجر التالي، ومع التسليم بأن الحوار مع النظام ضروري في مرحلة ما، إلا أنه يجب أن يكون مشروطاً ببوادر حسن نية مثل إيقاف العمليات العسكرية والقصف العشوائي وإطلاق سراح المعتقلين وغيرها.
اللافت أن النادي الذي تأسس العام 1908، يعتبر رمزاً للتعبير الحر وحرية الصحافة والإعلام، وهي أكثر المبادئ التي يعاديها نظام البعث – الأسد منذ عقود، كأي نظام فاشي، علماً أن هذا العداء تفاقم منذ بداية الثورة السورية، ليتراجع ترتيب سوريا إلى المراكز الأخيرة في التصنيفات الدولية المعنية بحرية التعبير، وتصدرها لائحة البلاد الأكثر خطورة على الصحافيين حسب منظمة "مراسلون بلا حدود"، في وقت تشير فيه تقارير "الشبكة السورية لحقوق الإنسان" الى أن نظام الأسد مسؤول عن مقتل 481 إعلامي واعتقال 876 آخرين، منذ 2011.
النادي الذي يعرّف عن نفسه بأنه جهة مدافعة عن حرية التعبير في مختلف دول العالم، يصدر تقارير حقوقية يرصد فيها أبرز الانتهاكات لحرية الصحافة في دول مثل مصر والعراق والسعودية وباكستان وماليزيا وتركيا وغيرها، لكنه ينتهج سياسة التجاهل التام تجاه الانتهاكات المماثلة في سوريا. فلم يصدر سوى ثلاثة تقارير فقط عن البلاد منذ 2011،
الأول يتحدث عن اختفاء الصحافي الأميركي جايمس فولي، و
الثاني عن مقتل صحافي أميركي ومصور فرنسي، و
الثالث عن مقتل أحد مصوري قناة "الجزيرة الإخبارية" في البلاد!.
إنه يوم حزين بالنسبة للديموقراطية، فتشدق شعبان بالحرية من قلب العالم الغربي، يجعل العار كلمة مناسبة لوصف المشهد الغريب. وكما يبدو للأسف بات مسموحاً لقتلة الصحافيين اعتلاء منبر عالمي يدافع عن حرية الصحافة منذ عقود، ليقدموا "وجهة نظرهم" في "الوصول إلى عالم أفضل"!
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها