ملكة جمال لبنان سابقاً والممثلة الدرامية راهناً نادين نجيم أعلنت، وبكامل قواها العقلية، في حوار تلفزيوني أجرته مؤخراً أنها لا تمانع أن يقيم ابنها علاقات جنسية مع فتيات، لأنه "رجّال" ولا يعيبه شيء، معتبرة أن ذلك يساهم في تكوين شخصيته ونضوجه، حتى لو كان الأمر مجرد "تسلاية"!
كلام نجيم الذي ينضح ذكورية وخنوعاً للسلطة الأبوية، ليس الأسوأ منه سوى أنه يصدر عن امرأة يفترض بها أنها فنانة مشهورة وملهِمة وربما قدوة لشابات يرين فيها مثالاً يحتذى. فيما الأكثر سوءاً يأتي من خلال رفضها، وبشكل قاطع، أن تفعل ابنتها ما تقبله لابنها، مبررة ذلك بقولها "لأنها بنت" وما يستتبعه من مصطلحات استقتها نجيم من معجم العيب والشرف والحرام..
مشاهدة
هذا "الهذيان" أحالتني الى تربيتي في منزلنا الريفي المتواضع الذي احتضن ثلاثة أطفال غيري، بينهم شقيقي - الصبي الوحيد.
والدتي جنوبية ووالدي من البقاع، أي أن الاثنين من بيئة محافظة أو تقليدية إنّ صح القول. لكن والدتي لم تنتهج في تربيتها مبدأ التفريق بين "الصبي والبنت"، خصوصاً في تصنيفها الممنوع والمسموح. أما بالنسبة لوالدي، ففرحة عمره تمثلت في أربعة قناديل أنارت البيت كما يحب أن يقول وليس "صبي وثلاث بنات".
أمي كانت أول من أخبرته عن صبي أحببته في المدرسة خلال المرحلة الابتدائية. وهي علمتني كل ما أعرفه عن الحياة. كانت أول من أدخلني عالم الأزياء والاناقة، وأول من ساعدني على اختيار العطور والماكياج المناسبين. وأول من علمني الموسيقى والرقص، وأول من حكى لي أجمل قصص الحب، لتبقى قصتها مع أبي الأحلى بالنسبة إلي من بين كل ما روت.
أمي علمتني أن أعبّر عن نفسي كما أريد، وأن أرفض ما لا أريد حتى لو كان صادراً منها. الدرس الأول كان ألا أسمح لأحد أن يستغلني والعكس، وأن أكون نفسي، بلا قيد أو شرط، سوى احترام الآخر.
أمي علمتني أن الفارق الوحيد بين البشر هو العقل، وكانت تردد عليّ دائماً "الفقير فقير العقل، والبشع بشع العقل"، وأنتِ يا نادين كنتِ جميلة.. إلى أن تكلمتِ.
أمي لم تكن تسمح لأخي بما مُنع علينا نحن "البنات"، وهي لم تقل له يوماً "غو فور إت" لأنه "رجل" فيما تمنعنا عن الأمر عينه لأننا "طبعاً أكيد بنات"، كما تفضلّتِ بالقول يا نادين.
المنظومة الأخلاقية يا عزيزتي لا تعتمد في بنائها على نوع الجنس، والسلطة كذلك، فكيف قررت أنت أن تقيدي ابنتك بهذه السلاسل وأن تطلقي العنان لابنك للبطش ببنات الآخرين– وبها - فقط بسبب اختلاف بيولوجي بينهما؟
تدور داخل رأسي أسئلة كثيرة ومرعبة منذ أن شاهدت مقطع الفيديو الذي تضمن حوارك التلفزيوني. فهل ستكبر ابنتك لتنصاع لأوامر شقيقها الصغير "لأنه رجّال"؟ وعندما يثخن صوته هل سيكون أول من يصرخ في وجهها؟ هل ستهددين ابنتك بالقول: "بتشوفي لخيّك"؟
أمي كانت ترشدني إلى الصح وتطلعني على الخطأ وتداعياته، لتعود وتقول لي "اختاري". هل ستمنحين ابنتك "هيفن (الجنة)" الخيار لتقرر؟ أم ستتركينها لجحيم العقلية الذكورية التي تصنعينها بيدك؟
منذ أن شاهدت الفيديو وأنا أبحث لك عن مبررات، ربما ليس من أجلك بل إنكاراً مني لواقع أن نساء كثيرات هنّ عدوات أنفسهن، لكني صراحة لم أفلح. افترضت أن ما قلته "مسايرة"، أو أن لسانك سبقك وكانت سقطة أو هفوة، لكنك عدت وأتحفتني بردك على من انتقدك واصفة إياهم بـ"أعداء الأخلاق وفاسدي عقل" لأنهم يرفضون تربية ابنتك على المبادئ!
الجميلة تكلمت وقالت إن الذين انتقدوا تفرقتها بين الصبي والبنت في التربية جعلوها تخاف أكثر على ابنتها من أمثالهم. لكنها في الحقيقة جعلتنا نحن نخاف على أنفسنا من "رِجال" ربّتهن أمهات مثلها.
حسناً، سأخبرك يا نادين عن أبي، الرجل الأول في حياتي. هو لم يميّز بيني وبين أخي سوى في أمر واحد: أحقية جلوس أخي في المقعد الأمامي للسيارة نظراً لطول ساقيه. وأذكر أني أرغمته في طفولتي على أخذي في رحلة صيد، رغم معارضته الشديدة فقط لأنني قلت له "ليه أنا لأ وهوي ايه؟".
أبي كان أول من أشعل لي سيجارة، وأول من "غازلني" وأبدى إعجابه بثيابي ورائحة عطري. وحين يرنّ هاتفي المحمول، فهو ينسحب من الغرفة من تلقاء نفسه، وحين أخبره إنني خارجة من المنزل، لا يقابلني سوى بوصية أن "انتبه على حالي"، بلا أسئلة. وكانت أجمل نصيحة سمعتها منه يوماً، موجهة لأخي الذي قال له "لا ترضى على بنات الآخرين ما لا ترضاه لابنتي".
المساواة التي أرعبتكِ فكرتها يا نادين، ورفضتِها، ليست بعبعاً. ومن البديهي أنها لا تساويك بالرجل بيولوجياً، بل تساويك في الحقوق والواجبات، في المحاسبة والعقاب.
المساواة حق وليست عرضاً ترفضينه لأنك تريدين أن تبقي "مَرا وغنوجة". كما أنها لا تنقص من أنوثتك في شيء، لكنها بالتأكيد تريح نساء كثيرات متن بحسرتهن أو رحن ضحية عدمها أو هن اليوم يعانين عذاباً مراّ لغيابها من حياتهن. نساء كثيرات يا نادين يُعنّفن لأن الزوج أو الأب أو الأخ "رجّال" كما تحبين. ونساء كثيرات يبكين يومياً، ويناضلن يومياً، لرؤية ابنائهن الذين انتزعهن "الرجّال" ذاته من حضانتهن المستحقة، ولا يملكن حق إعطاء الجنسية لأولادهن لأنهن لسن "رجال"... والكثير الكثير من هذه الأمثلة.
هذه نتيجة "المبادئ" التي نعترض عليها، أضيفي إليها ما تفرزه من إسقاطات وتعميمات ذكورية أخرى ليس أقلها ما يمسّك أنتِ بشكل مباشر مثل "الفتاة التي تشارك في مسابقات ملكات الجمال سيئة الأخلاق، أو الممثلة تقدم تنازلات".. فقط لأنها بنت. بينما لا تصح هذه التوصيفات على الرجل لأنه "لا يعيبه شيء".
خوفك على ابنتك يا نادين أكبر مقدسات الأمومة ولا يحق لأحد انتزاعه منك. لكنك، لو راجعتِ نفسك، لوجدتِ أن من تخافين على ابنتك منهم هم "رجال" تربوا على "المبادئ" عينها التي ترضينها لابنك، بل وتشجعينه عليها.
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها