أحرقت أربع جرائد محسوبة على المعارضة السورية في حلب، على ضوء تضامنها مع المجلة الفرنسية "شارلي إيبدو" نتيجة الإعتداء الذي تعرّضت له قبل أسبوعين. ولم يتوقف الأمر عند ذلك بل مُنع تداولها في الأحياء الخاضعة لسيطرة فصائل المعارضة.
وفي حين أنّ أيّاً من فصائل المعارضة لم يعلن رسمياً مسؤوليته عن الحادثة أو موقفه منها، إنتشر، عبر صفحة "حلب اليوم" في "فايسبوك"، تسجيل مصور، أظهر كومة من صحف عدة، أبرزها جريدة "سوريتنا" التي طغى السواد على غلافها، وتوسطته بالخط العريض عبارة "Je suis Charlie" (أنا شارلي). وأثناء قيام شخصين ملثمين بحرقها، يقول المصور معلقاً: "قامت شبعة المعلومات بالتعاون مع حركة أحرار الشام بمصادرة الأعداد الموزعة من الجرائد: سوريتنا - عنب بلدي - صدى الشام – تمدن، وذلك بسبب تأييدها للمجلة الفرنسية التي أساءت للنبي". ويتابع المعلق قائلاً: "تعتبر هذه الجرائد محظورة.. يمنع تداولها أو توزيعها تحت طائلة المساءلة".
لم تتبنَّ حركة "أحرار الشام"، وهي إحدى تشكيلات "الجبهة الإسلامية" السورية المعارضة، القرار، عبر منابرها الرسمية.. كما أنها لم تنفِ مسؤوليتها عنه أيضاً، في حين تبقى "شعبة المعلومات" اللغز المحيّر للنشطاء الحلبيين: من يقف وراءها؟ ولمن تتبع؟
وقد سُمع هذا الاسم، للمرة الأولى، في 15 كانون الثاني/يناير عندما أعلنت "شعبة المعلومات" مسؤوليتها عن اعتقال الطبيب سالم أبو النصر، الذيّ ظلّ مختطفاً لأسابيع.. وها هو الاسم يتكرر ثانية، من دون أن يعرف أحد لمن تتبع هذه "الشعبة"، أو لصالح من تعمل.
غير أنّ المؤكد حالياً هو أنّ الجرائد السابقة الذكر، محظورة الآن في حلب.. وقد جمعت أعدادها التي وزعت سابقاً، من المدارس والمؤسسات، وأحرقت.
جريدة "عنب بلدي"، إحدى الجرائد "الثورية"، والتي شملها قرار الحظر، نشرت في عددها الـ151 في الصفحة السابعة، مقال رأي في الزاوية المخصصة لأحد كتّاب الجريدة، وحمل المقال عنوان "أنا شارلي.."، حيث شبّه الكاتب ما حدث للجريدة الفرنسية بـ"مذابح البيضا وداريا"، متسائلاً عن الفرق بين الأبرياء الذين ذبحوا بسبب مطالبتهم بالحرية في سوريا، وبين الأبرياء الذين دفعوا حياتهم ثمناً لممارستهم حريتهم في التعبير.
ويقول جواد شربجي، رئيس تحرير "عنب بلدي"، لـ"المدن": "ما نُشر في جريدتنا هو مقال رأي، في الزاوية الثابتة لأحد كتّابنا، وما جاء في المادة هو رأي يمثل كاتبه.. وأنا شخصياً لا أتوافق معه على الدوام". وأضاف: "من دون شك، إنّ من أحرق جريدة عنب بلدي ليس لديه اطلاع على تاريخها ومسيرتها الصحافية، والأكيد أنه لم يتصفحها أو يفتحها حتى، لدرجة أنّ الاتهام كان لأربع صحف بالإساءة للرسول دفعة واحدة، علماً أن واحدة منها فقط قد وضعت "ملصقاً تضامنياً" مع شارلي". وقال إن موقف الصحيفة من مجلة "شارلي إيبدو"، "سجّلناه في بيان الشبكة السورية للإعلام المطبوع، ونشرناه في العدد الـ152".
وكانت "عنب بلدي" أعلنت إنها لا تؤيد "شارلي"، كما أنها تدين الاعتداء عليها بتلك الطريقة، إذ جاء في البيان: "إن ما تقوم به الصحيفة هو مساس فاضح بمقدسات الغير وقيمهم الدينية والاجتماعية، ونلتزم كصحف مطبوعة بدورنا الإعلامي في مواجهة هذه الأفعال (..) إلا أننا نرفض أيضاً الرد على تلك الإساءات بأي أسلوب عنيف، وندعو إلى الالتزام بأخلاق الدين الإسلامي ونبي الرحمة".
موقف مماثل اتخذته جريدة "سوريتنا"، فنشرت توضيحاً في عددها الجديد، جاء فيه: "لم تنشر سوريتنا أي صور مسيئة للنبي الكريم محمد (عليه الصلاة والسلام) في العدد الذي تم حرقه، لم ولن نتعاطف مع الصحيفة الفرنسية الساخرة حين تقف من الأديان هذا الموقف، ولن نذهب معها في حرية التعبير إلى حد التطرف فيه والذي يولد تطرفاً مضاداً، لكن تعاطفنا هو فقط ضد عنف يسيء لنا بدلاً من أن يحمينا"، متسائلة: "لماذا نجد أنفسنا مضطرين لشرح هذا من جديد؟".
وعلى الرغم من ذلك، فإنّ تلك التوضيحات في الموقف أو التغيّر فيه، لم تشفع للجرائد.. فلا يزال الحظر مستمراً عليها، وربما لم تصل الأعداد اللاحقة لقضية "شارلي" إلى "شعبة المعلومات" حتى، بسبب الحظر.
في هذا السياق يقول شربجي من "عنب بلدي": "ما يهمنا في هذه المرحلة هو أمن وسلامة مراسلينا وموزعينا، لذلك فإن العدد الجديد لم يوزع في حلب". وأضاف: "تواصلنا مع جهات عدة في المناطق المحررة ولم نستطع بعد تحديد الجهة المسؤولة عن هذه البلبلة المفتعلة بقصد أو من دون قصد".
ويبدو أنّ الحظر تعدى حرق الجرائد ومنع تداولها، إلى ملاحقة كوادرها، فقد أقدمت مجموعة مسلحة على اختطاف الناشط جمعة الموسى، أو كما يعرف بـ "الإعلامي المرح"، أحد موزعي جريدة "سوريتنا" في مدينة حلب. بقي "المرح" معتقلاً لنحو ثلاثة أيام، ثم أفرج عنه، من دون أن ينشر على صفحته أيّ توضيحات.
ويختم شربجي بالقول: "الأهم سلامة الكادر.. عندما يزول الخطر، سنستمر في الطباعة والتوزيع".
اشترك معنا في نشرة المدن الدورية لتبقى على اتصال دائم بالحدث
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها