يبدو الأمر، للوهلة الأولى، وكأنّه انتقامٌ من الجديّة والوجوم، وتهكم بالغ الذكاء من الموت ومن "التاريخ" وأحداثه الكبرى. ويبدو، من زاويّة أخرى، محاولة لتلطيف ملامح سوريا والسوريين اليوم، الملامح التي تجمع إلى التشنّج، الكثير من القلق والتوتر والخوف طبعاً؛ أصلُ كلّ ما سبق. هذا، على الأقل، ما يقوله محمد باشا (اسم مستعار)، أحد صاحبي مشروع "عدسة شاب تافه": "الفكرة كانت مجرد سخريّة، ومحاولة رسم ابتسامة بعد كل هذا الأسى، كي نُخرج من دواخلنا كل هذا الذي نحياه".
بدأ الشابان بالتقاط صور في شوارع دمشق. وقاما، اعتباراً من أوائل شهر أيلول 2012، بنشرها عبر صفحة على موقع التواصل الاجتماعي "فايسبوك" (بلغ عدد معجبي الصفحة أكثر من 36 ألفاً). تمنح الصور المتلقيَ دهشة لا تنقصها البهجة. لا يقتصر مصدر تلك الدهشة على "غرابة" عناصر الصورة، وإنمّا على التسميّة التي يطلقها صاحب الصورة عليها، التي تعكس، بدورها، ذكاءً في ربط عنصر الصورة "التافه" بأحداث وأمور "عميقة" و"كبرى" تجري على الأرض.
تنشر الصقحة، في اليوم التالي لانشقاق جهاد مقدسي، الناطق باسم وزارة الخارجيّة السوريّة، صورة لقطعة بسكوت مقضومة أو "مكسورة" من أحد أطرافها، ويحدد مكان التقاط الصورة "باب سريجة ـ دمشق"، ويُقرأ بجانبها عبارة: "بسكويتة مكسورة... بعد انشقاق المقدسي". صورة أخرى، التقطت من جبل قاسيون، يبدو في مركزها رأس نرجيلة "محروق"، وفي الخلفيّة... دمشق.
يقول محمد: "أطلقنا على المشروع اسم "عدسة شاب تافه" لأنّه ثمّة أشياء تافهة فعلاً ولكنها واقعيّة. بمعنى آخر، هي أشياء من حياتنا اليوميّة ولكن يمكن أن تحمل معانيَ كثيرةً". ويضيف: "أهم شيء في عملنا هو التركيز على العناصر التافهة. ولكن ثمة أكثر من معنى تحمله تلك العناصر، نتركه للمتلقي كي يلتقطه، وأحياناً نقوم بتوضيحه". وحول صعوبات العمل يقول محمد: "الوضع العام يؤثر في عملنا على نحو كبير، خصوصاً أن التصوير في شوارع دمشق بات أمراً صعباً نتيجة لانتشار حواجز الجيش والأمن، هذا عدا عن انقطاع الكهرباء والاتصالات".
بدأ المشروع دمشقييين فقط، ليعمل معهما، فيما بعد، خمسة عشر مراسلاً من كافة المحافظات السوريّة، يزوّدانهما بالصور "التافهة". من اللاذقيّة تنشر الصفحة صورة لـ "عرباية" يبدو أنّها تحوي نفايات، وفي الخلفيّة ثمّة طابور طويل ومزدحم من الأشخاص الذين ينتظرون شيئاً ما.
ومن حلب، تأتي صورة لـ "النمر الوردي" بعنين حزينتين هذه المرّة ويبدو في خلفيّة الصورة منزل مدمّر وعليه آثار حريق.
يتجاور في صور "عدسة شاب تافه" معنيان أو صورتان للحياة، إذ تجمع الصورة الواحدة تلك العناصر غير المرئيّة، الهامشيّة التي لا تشدّ الانتباه ولا يمكن لأحد أن يتخيّل أو حتى أن يفكر بإمكانيّة تأثيرها في مجرى الأحداث، مع العناصر الرئيسية، النافرة، والمحورية التي تدور حولها الحياة، أو التي تحدّد فعاليّة الكائن فيها. هذا التجاور يمنح الصورة الملتقطة قدرة كبيرة على مطابقة الواقع لجهة إضفاء المزيد من الضوء على الهامشي والنافل، الذي قد يكون له، في لحظات كثيرة، تأثير حاسم وغير متوقع.
ثمّة، عبر
"عدسة شاب تافه"، محاولة "عميقة" لتقديم صورة كاملة عن حياة مفعمة بالجديّة والألم... والتفاهة طبعاً!