- رفع السريّة المصرفيّة تجاه السلطات الضريبيّة، بهدف تمكينها من تتبّع عمليّات التهرّب الضريبي.
- إعطاء القضاء صلاحيّة رفع السريّة المصرفيّة بشكل مباشر، من دون ربط هذه الصلاحيّة بهيئة التحقيق الخاصّة كما هو الحال الآن. مع الإشارة إلى أنّ هذا التعديل يفتح المجال أمام مكافحة الجرائم الماليّة، بالاستناد إلى داتا حركة الحسابات المصرفيّة، بدل إجبار القضاء على تكوين ما يكفي من أدلّة في المرحلة الأولى من التحقيقات، لإقناع هيئة التحقيق الخاصّة بوجود أسباب موجبة لرفع السريّة المصرفيّة.
- رفع السريّة المصرفيّة تجاه لجنة الرقابة على المصارف والمؤسسة الوطنيّة لضمان الودائع، بالإضافة إلى دوائر مصرف لبنان بشكل عام، وهو ما يسمح بتعقّب المخالفات المصرفيّة والعمليّات المشبوهة التي تجري بين المصارف وزبائنها.
- السماح بإلقاء الحجز على الحسابات المصرفيّة بقرار من هيئة التحقيق الخاصّة، أو بقرار من السلطة القضائيّة، وهو ما ينهي ظاهرة تحصين الودائع المصرفيّة من أي حجز يمكن يطالها من قبل الدائنين.
- منع الحسابات المرقمة أو الخزائن الحديديّة المرقمة، والتي يتم تسجيلها بإسم أرقام معيّنة لإخفاء مالكيها الفعليين.
وعلى هذا الأساس، قامت الحكومة بالعمل على مسودّة مرسوم مشروع قانون يتضمّن جميع هذه التعديلات على بنود قانون سريّة المصارف، حسب شروط صندوق النقد، ثم قامت بإحالتها إلى المجلس النيابي قبل الانتخابات النيابيّة. أمّا جلسة لجنة المال والموازنة يوم أمس الخميس، فمثّلت الجلسة الأولى التي تم تخصيصها للبحث في مسودّة مشروع القانون المطروحة، والتي يُفترض أن تستكمل العمل عليها اللجنة الفرعيّة التي تم تشكيلها لهذه الغاية.
ثغرات مسودّة مشروع القانون
رغم امتثال الحكومة لجميع متطلّبات صندوق النقد عند العمل على مسودّة مشروع القانون، امتلأت مسودّة مشروع القانون بالثغرات التي لم يتم الإلتفات لها. إذ كان من المفترض تضمين مشروع القانون تعديلات إضافيّة على قوانين أخرى، غير قانون سريّة المصارف، لوضع الآليّات الكفيلة بالحصول على داتا المصارف بالطريقة المثلى. ومن تعديلات القوانين التي أشارت إليها مجموعة "كلنا إرادة"، والتي يجب إضافتها على مشروع القانون لتمكينه من أداء المهمّة المطلوبة منه بعد إقراره:
- تعديل قانون ضريبة الدخل، التي تمنع المصارف حاليًّا من إعطاء أي معلومات للمراقبين الضريبيين.
- تعديل قانون الأسواق الماليّة، الذي يفرض على كل شخص ينتمي إلى هيئة الأسواق الماليّة أن يكتم المعلومات والوقائع المصرفيّة التي يطلع عليها بحكم مهنته. مع الإشارة إلى أنّ تعديلات قانون السريّة المصرفيّة يُفترض أن تسمح للهيئات الرسميّة بتبادل المعلومات المصرفيّة في إطار عملها الرقابي.
- تعديل قانون الإجراءات الضريبيّة، بما يعطي مجلس الوزراء صلاحيّة تحديد معايير وآلية الوصول إلى المعلومات المصرفيّة، لتقليص هامش الاستنسابيّة والعشوائيّة في التعامل مع هذه المعلومات.
- تحديد الجهات القضائيّة المخوّلة بالولوج إلى المعلومات المصرفيّة أو طلبها من المصارف، وتحديد الآليّة التي تسمح بذلك.
- تشديد العقوبات على مخالفة أحكام مشروع القانون الجديد، والتي تقتصر في الوقت الراهن على قيمة تتراوح بين 50 و150 مليون ليرة. مع الإشارة إلى أنّ هذه العقوبة تُعد حاليًّا غير رادعة بالنظر إلى حجم وخطورة القضايا التي تستفيد حاليًّا من السريّة المصرفيّة.
وهكذا، من المفترض أن تنظر اللجنة الفرعيّة في كل هذه الثغرات والشوائب، على أن تعيد القانون مع التعديلات التي تقترحها إلى لجنة المال والموازنة لإقرار المسودّة، قبل إحالتها للتصويت في اللجان المشتركة ومن ثم الهيئة العامّة.
مخاوف من العراقيل والألغام
من الناحية العمليّة، يُفترض أن يُنهي مشروع القانون هذا مبدأ السريّة المصرفيّة، الذي يمثّل أحد أركان النظام المالي والمثبّت بموجب قانون سريّة المصارف منذ العام 1953. وفي حين سمح هذا القانون باستقطاب الرساميل الأجنبيّة في الماضي، بعدما جعل من النظام المصرفي جنّة مصرفيّة للمقيمين في الخارج، لم يعد هذا القانون يؤدّي هذه الغاية منذ سنوات عديدة، بعدما فرضت المعاهدات الدوليّة تسليم معلومات الحسابات المصرفيّة الموجودة في لبنان إلى السلطات الضريبيّة الأجنبيّة. وبذلك، لم تعد السريّة المصرفيّة تخدم إلا عمليّات التهرّب من الضرائب داخل لبنان، وعرقلة التحقيقات القضائيّة كما حصل في ملف حاكم مصرف لبنان، بالإضافة إلى حماية المصارف التي تتواطأ مع زبائنها لتمرير مخالفات محميّة بقواعد السريّة المصرفيّة.
وهكذا، من السهل فهم أهميّة التعديلات المطروحة اليوم للخروج من حقبة السريّة المصرفيّة المشددة، كخطوة إصلاحيّة بالغة الأهميّة. لكن في الوقت نفسه، لا يمكن تجاهل المخاوف التي يبديها كثيرون من إمكانيّة عرقلة مشروع القانون، أو تضمينه تعديلات مفخخة تفرغه من محتواه، أو حتّى تضمينه بنوداً تربطه بمراسيم تطبيقيّة قد لا تبصر النور يومًا. فالمتضررون من هذه التعديلات كُثر، من مرتكبي الجرائم الماليّة إلى كبار المتموّلين المتهرّبين من الضرائب، وصولًا إلى المصارف المتورّطة في مخالفات محميّة بالسريّة المصرفيّة. بمعنى آخر، يمثّل المتضررون من مشروع القانون أخطر شريحة من الفئات التي تملك نفوذاً وازناً داخل النظام السياسي، وهو ما يفتح الباب أمام دس الألغام على مسار إقرار مشروع القانون، كما جرى بالنسبة إلى الغالبيّة الساحقة من القانون الإصلاحيّة التي تم طرحها في المجلس النيابي سابقًا.
في المقابل، من المعلوم أن إسقاط هذه التعديلات خلال المرحلة المقبلة، أو عرقلتها، أو حتّى تفخيخها ببنود تفرغها من جوهرها، سيكون كفيلًا بالإطاحة بالتفاهم على مستوى الموظفين المعقود مع صندوق النقد، والذي تمثّل هذه التعديلات أبرز بنوده. وفي الوقت نفسه، من المعلوم أن أي عمليّة لإعادة هيكلة للقطاع المصرفي ستكون متعذّرة، ما لم تُرفع السريّة المصرفيّة أمام الجهات الرقابيّة في مصرف لبنان، لكون عمليّة تدقيق شرائح الودائع والحسابات تمثّل نقطة البداية في عمليّة إعادة الهيكلة. بمعنى آخر، رفع السريّة المصرفيّة لم يعد ضرورة كخطوة إصلاحيّة فقط، بل بات أحد شروط الانطلاق في مسار التصحيح المالي.
اشترك معنا في نشرة المدن الدورية لتبقى على اتصال دائم بالحدث
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها