الثلاثاء 2024/09/03

آخر تحديث: 12:59 (بيروت)

"محترف عمشيت للمسرح" إعداد الممثل – الإنسان

الثلاثاء 2024/09/03
increase حجم الخط decrease
لم يبتعد المسرحي ايلي لحود عن جدّه أديب، صاحب كتاب "لبنان على المسرح" الذي طبعه العام 1919 في نيويورك، وظل أميناً على رسالة المسرح التي آمن بها الجد في كتاباته ومخطوطاته، وهو من أوائل من نقلوا المسرح من مركزيته في بيروت إلى بلدته عمشيت، بعدما حوّل قاعات مدرسته الداخلية التي كانت تستقبل طلاب بلاد جبيل ومرتفعاتها النائية، إلى خشبة عرض، وقدّم أعمالاً كلاسيكية على أسطح بيوت عمشيت. وكانت فرقته تقوم بجولات شملت منطقة عمشيت وجبيل والبترون وكسروان الفتوح، بعدما أسس فرقته من طلاب وخريجي مدرسته الوطنية، ومن الأهل، والأقارب والأصدقاء، وأبناء البلدة والجوار.

حين عاد المسرحي ايلي لحود إلى لبنان بعد دراساته المسرحية العليا في باريس العام 1982، ظل أميناً على فكرة المسرح اللبناني ولا مركزيته، وشرع في تأسيس محترف مسرحي يُحتفل بتجربته الأربعينية عبر كتاب صدر حديثاً بعنوان "محترف عمشيت للمسرح – المسار والمنهج"، تأليف جورج مطر، ويضم ثلاثة مباحث وخاتمة، تتمحور حول ظروف تأسيس المحترف وفلسفته والطرق والتقنيات التي اتبعها في إعداد الممثل، بدءاًً من المتخيّل والتعبير عنه في الصوت والجسد والأداء الحركي.

دليل تدريبي
لا يقتصر كتاب "محترف عمشيت للمسرح – المسار والمنهج" على ظروف تأسيس المحترف، بل يتعدى التدوين التأريخي ليصل إلى دراسة ميدانية استمرت أشهر عديدة في حضور ومشاهدات التدريبات الأسبوعية للمحترف وتدوين التمارين. وقد خصص الكتاب مبحثاً خاصاً على شكل دليل يتوجه الى الممثل وآلية العمل معه وتنمية أدواته الجسدية والصوتية انطلاقاً من اليوغا والتمارين الكلاسيكية الهادفة إلى تليين الجسد والتحكم فيه. كما يتضمن الكتاب، التمارين التمثيلية التي يُقارب بها الممثل النص وتحليله ورسم الشخصيات وتقمصها، لا سيما الألعاب التمثيلية الفطرية التي يتبعها المسرحي لحود ليقارب من خلالها الشخصيات وطرق أداء الممثل، بحيث يتجاوز عقبة النص والتنفيذ الآلي، إلى المحاكاة الصافية الخالية من الشوائب. هكذا، يمسك ايلي لحود تمارينه بعصب الممارسة الأساسية الخاصة بالتمثيل، بدءاً بإعداد الممثل ما قبل التعبيري، وصولاًً إلى أداء المحاكاة، فيحرص على الحدّ من ابتعاد الممثل أو ضياعه في ممارسات ثانوية كالتكرار الآلي، ليركز على الأهداف المباشرة للممارسة الدرامية. 

الممثل وفضاؤه
يتبع محترف عمشيت، وعبر تراكماته التدريبية منذ أكثر من أربعين عاماً، منهجاً نظرياً وعملياً، يعمل على الممثل وأدواته، كما يعمل على آلية المحاكاة وتطورها عند الممثل وبحثه الدائم في تغييراته الدالة والمحركة له. وهذا ما يظهر، بحسب الباحث جورج مطر، من خلال سلوك الممثلين المنضوين في دفعات المحترف المتعاقبة. ينطوي هذا السلوك على ثقافة وفهم الممثل لفكرة التجسيد التي تختلف عن آلية العيش اليومية الاعتيادية، وبالتالي النفعية، فيتجاوزها في المسرح وفضائه، ويحررها من الجسد اليومي وسلوكه ليصل بها الى الصفاء والصدق المتحرر من مبدأ الاصطناع والكذب عبر تكرار الفعل اليومي والإيماءات والأقوال. وبالتالي، ارتقاء فعل المحاكاة، بحسب لحود، لجعله في صلب الوعي والاقتراب من الصورة المتخيّلة. 

في أحد التمارين المذكورة في الكتاب، يخاطب لحود الممثلين، في محاولة لتقريبهم من ماهية عمله، قائلاً: "أنتم حبة قمح في كيس للقمح، هذه الحبّة عليها أن تنمو وتكبر لتصبح شجرة". وبعد أداء التمرين والملاحظات التي يتوجه بها الى كل ممثلة وممثل، يطالبهم بالالتحام أكثر فأكثر بالمتخيل.

"محترف عمشيت للمسرح"، كتاب بحثي وتدوين تأريخي عن تجربة مسرحية مناطقية ممتدة منذ عقود، يمتزج فيها الأكاديمي بالجمالي وإعداد الممثل–الإنسان الذي عمل ويعمل عليه المسرحي ايلي لحود، وهو الممثل–الإنسان المنحاز إلى العِلم واحترام الاختلاف والتحرّر من الذات النفعية التي قتلت الفن في المسرح، بحسب المؤلف، وهجّرت عشاق الفرجة.   
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها