الأحد 2024/08/25

آخر تحديث: 10:22 (بيروت)

"ساليغيا" في استوديو لبن: أحلام تسقط ولا تصل

الأحد 2024/08/25
"ساليغيا" في استوديو لبن: أحلام تسقط ولا تصل
"ساليغيا" أو الخطايا السبع المميتة الممتدّة في قصة حبّ عاصفة
increase حجم الخط decrease
يعد موضوع الخطايا السبع المميتة موضوعاً تکرّر ذكره عبر التاريخ الديني ليحذر الإنسان وينذر بسوء عاقبة المنغمس في الخطايا. وفي ظل تأثر الدراما في العصور الوسطى وبداية عصر النهضة بالمضامين الدينية، طُرحت فکرة الخطايا درامياً بتوجيه ديني مباشر، وبحلول العصر الحديث والمعاصر تناقلت الفکرة ذاتها ولکن في إسقاط واضح على ما قامت به الحضارة من تشويه للفطرة الإنسانية.
 
هي قائمة الخطايا السبع التي لا تغتفر، وقد ذكرت في جميع الأعراف والأديان. شكلت هذه الخطايا رافداً للأعمال المسرحية، وارتبطت بأعمال الكتّاب والأدباء والمفكرين والشعراء والفنانين. ذكرها دانتي في "الكوميديا الإلهية"، كما ذُكرت في "الدكتور فاوست" الذي باع روحه للشيطان بحسب احداث المسرحية. 
يتناول حمزة عبد الساتر في عمله الإخراجي الأول، "SALIGIA” (أو الاختصار المستوحى من الحروف الأولى في اللاتينية) الخطايا السبع ليرسم سبع لوحات مشهدية بطلاها "رهف" (فرح ورداني) و"ورد" (حسن عقول)، ثنائي داخل منزل يواجهان التهميش وكسر الأحلام الذي يصطدمان به في الخارج. هي ممثلة لبنانية خريجة من قسم المسرح، أجبرت على أن تصبح معلمة في مدرسة، وبقي حلمها معلقاً. هو كاتب سوري منطوٍ على نفسه في محاولة منه حماية الذات وحماية العلاقة بين الثنائي أمام توحش الخارج. "دايما بكل شي بعملو ما بيوصل لنهايته" تقول الممثلة جملتها، التي تختصر كل العرض وأحداثه. الحبّ والأحلام والشغف تصل الى منتصف الطريق وتصاب بالكسر والانقطاع. سبع مشهديات لسبع خطايا هي: "الرغبة" و"الشراهة" و"الجشع" و"الكسل" و"الغضب" و"الحسد"، و"الغرور". سبع خطايا هي ما تبقى للشخصيتين أن تقع بها علّها تنجح في اجتياز توحش الحياة. 
ماذا يعني ان تكوني ممثلة موهوبة ومشغوفة في تخصصها، وهي عاجزة عن تحقيق الأحلام. تفتش في يومياتها عن نجاح أو كلمة تنطلق من طالبة في مدرستها، حتى تجد لحياتها معنى، قبل أن تتروّض بالنظام المدرسي والنزق الذي تحاصرها به مديرة المدرسة. في محاولة منها لتذكرها بنفسها، يطلب منها أن تعيد مشهديات سبق أن لعبتها في كلية الفنون، تقف على مكعب في الغرفة وتتذكّر حضورها على الخشبة. "نحنا ممثل حتى ننشاف" تقول "رهف" قبل أن تنهي دورها وتعود إلى الواقع المأزوم. 

خطايا الداخل والخارج
سبعة مشاهد بين الداخل والخارج، في الداخل حبّ وقلق وصراخ ورقص وضحك. في الخارج الاغتراب والمظاهر الكاذبة والخادعة، يفصل بين الداخل والخارج حركة ضوء وظلام، أو أغنية تحاول أن تكمل المعنى الناقص أو المفقود التي تبحث عنه الشخصيتان. بين الخطايا السبع تمرّ أغنيات مثل "بلا ولا شي" لزياد الرحباني أو "لا تندهي ما في حدا" و "يا قلب آخرتا معك" للرحابنة وفيروز. مشهديات عنوانها العجز والخيبة والهزيمة الدائمة واختلال التوازن. في المشاهد المتصاعدة في توترها بين الثنائي يمرّ مشهد القتل كنتيجة حتمية لإيقاف الظلم البشري، تدخل "رهف" بيدين ملطختين بالدماء وسط صراخ هستيري وإعلان صارخ في الوقوع في الخطايا كنتيجة حتمية لإنهاء الصراع غير العادل. في مشهد "الشراهة" وهو أحد أعلى المشاهد الدرامية والجمالية في العرض، يفرم "ورد" البقدونس ويظهر كل عنفه المكتوم في العرض، بينما تجلس "رهف" في أسفل المائدة فتلتهم ما يسقط منها بنهم وجوع عتيق. كان مشهد الذروة للممثل (حسن عقول) المتمكن من أدواته وانفعاله طوال العرض، وكان المشهد كما المشاهد الستة الأخرى للممثلة (فرح ورداني) التي أظهرتْ حضوراً آسراً وعصباً أمسك بجمهور العرض، وكشف عن طاقة جسدية وتعبيرية لممثلة لديها الكثير لتقوله درامياً على الخشبة.  

"ساليغيا" أو الخطايا السبع المميتة الممتدّة في قصة حبّ عاصفة بين مدينتين (بيروت ودمشق) هما بدورهما عاشتا ماضياً وأنواراً ونجاحات، شأنهما شأن قصة الحبّ التي تنتهي برقصة حياة واهمة تؤديها "رهف" على صوت "ورد" من خارج الحدود. رقصة حياة واهمة وقصة حب متأرجحة بين الواقع والخيال.
(*) بطاقة عرض "ساليغيا": فكرة وإخراج حمزة عبد الساتر، تمثيل: فرح ورداني- حسن عقول، مساعدة مخرج: فاطمة بزي، فنان بصري: جلال الدين جبري، تصميم إضاءة: أحمد الحافظ، مصممة الرقص: مرح المنعم، مشغل الإضاءة: أحمد المصري، استشارة موسيقية: سليمان مامو.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها