نشأ في ظروف من الفقر المدقع، توفي ثمانية من أخوته وأخواته بسبب سوء التغذية والإهمال. وفي النهاية هرب من المنزل ووجد نفسه وحيداً في المدينة وبالكاد يملك أي مال. في "الخبز الحافي" سيصف جوعه المستمر والتهديد المتكرر من قبل لصوص آخرين أو من قبل الشرطة الإسبانية.
ذات يوم، وكان في العشرين من عمره يشرب مع أصدقائه في بيت دعارة، اقتحمت الشرطة المكان وأخذتهم جميعاً إلى السجن. خلال صباح بارد سيلقي أحد أصدقائه في ساحة السجن بضعة شطور من قصيدة الشاعر التونسي
أبو القاسم الشابي الشهيرة:" إذا الشعب يوماً أراد الحياة ...". تأثر شكري بالقصيدة لدرجة أنه قرر الذهاب إلى المدرسة الابتدائية وهو في هذه السن لتعلم القراءة والكتابة، وكان ذلك العام 1955، وكان الشعب المغربي يناضل من أجل الاستقلال، حينها ترك حياته الغجرية وتوقف عن بيع السجائر المهربة والصحف. عشر سنوات كانت كافية لجعله كاتباً.
يوضح
بول بولز، الذي انتقل إلى طنجة بشكل دائم العام 1947، وتبعته زوجته جين في السنة اللاحقة، أنه ترجم الرواية هذه باستخدام طريقة مختلفة عن ترجماته الأخرى. لأن هذا الكتاب، بحسبه، مكتوب باللغة العربية الفصحى، وهي لغة لا يعرفها، فكان على محمد شكري أن يقرأها ويترجمها فورياً وشفهياً إلى اللغة الإسبانية، مع استخدام بعض الكلمات الفرنسية لتحديد ظلال المعنى، ورغم قسوتها فإنها تتسم بالوضوح والقوة والصدق الوحشي. سيرة ذاتية جماعية للفقراء في شمال المغرب، تصف ذلك القدر الهائل من عدم المساواة في مدينة استضافت جنوداً وسياحاً إسبان وأوروبيين. أبطاله بشر هامشيون، يكافحون يومياً لمجرد البقاء على قيد الحياة.
نُشرت "الخبز الحافي" للمرة الأولى العام 1973 باللغة الإنكليزية عن بيتر أوين – لندن، تبعتها الترجمة الفرنسية التي أنجزها
الطاهر بن جلون العام 1980 لتصدر الرواية عن دار ماسبيرو، ومن ثم إلى أكثر من ثلاثين لغة أخرى. ارتبك شكري أمام هذه المفارقة وتوقف عن الكتابة عشرين عاماً.
أعجبت قصته الأولى "العنف على الشاطىء" صاحب دار الآداب
سهيل إدريس، فنشرها العام 1966 في مجلته الشهيرة، معلناً كاتباً استثنائياً متمرداً وغاضباً. ومن ثم ستصدر مجموعته "مجنون الورد" عن الدار ذاتها العام 1979.
عاد إلى الكتابة بداية التسعينيات، فكتب عن تجربته في مشفى الأمراض العقلية، ونهاية الحياة الليلية القديمة في طنجة. مجموعته "وجوه" وهي الجزء الثالث لسيرته الذاتية، نُشرت العام 2000 عن شركة سيلكي إخوان، وصف فيها طقوس المتعة بين الهبيين في السوق المحلية. كما كتب عن
جان جينيه و
تينيسي وليامز و
بول بولز وعلاقتهم المركبة بالمدينة.
دخل مع جينيه في محادثات طويلة حول القرآن والإنجيل ورواية ستندال "الأحمر والأسود" على أكواب الشاي بالنعناع في "مقهى المنارة"، وسيسأله شكري إذا ما قرأ شيئاً لأي كاتب عربي؟ فيجيبه: كاتب واحد هو (كاتب ياسين).
بعد مرور عام التقيا مرة ثانية، وتحدثا مطولاً عن "الطاعون" والاختلافات الأسلوبية بين
ألبير كامو و
جان بول سارتر. وذهب
ويليام بوروز أول مرة إلى المغرب العام 1954، وأقام في فندق مونيريا مقابل 15 دولاراً في الشهر حتى العام 1959، وكتب رواية "الغداء العاري" أثناء إقامته هناك. تبعه جاك كيرواك وآلن غينسبورغ في ما بعد. بعد مغادرة "جيل البيت" إلى باريس العام 1959، ترجم بول بولز لعدد من الكتاب المغاربة منهم
العربي العياشي،
محمد المرابط ، و
أحمد اليعقوبي، وغيرهم.
عاش شكري في الشقة نفسها أكثر من ثلاثين عاماً في مبنى تولستوي، وكان يتنقل بين حانة روكسي ونيكريسكو، إلدورادو، ومن ثم الرينتز، ويقضي ليلته حتى الساعة الحادية عشرة ليلاً ثم يعود إلى عزلته. لا عائلة ولا أطفال، وكل ما كان يتمناه ،على حد تعبيره، هو"أن يموت فجأة ذات يوم بكأس فودكا، بطريقة تليق بكاتب من نسله".
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها