وصفت أدريان ريتش هذا الكتاب بأنه أكثر الأعمال الشعرية انتقاماً وروحية في الشعر الأميركي. حوّل لويل المادة الخام للحياة إلى قصائد، التقاطه للتفاصيل اليومية، الرسائل، المكالمات الهاتفية والأحلام، والوجبات والمشاكل الصحية. موضوعها العام طلاقه من هاردويك في أميركا وزواجه مرة أخرى من بلاكوود في إنكلترا. كان قادراً على فحص المرارة وكمية الأذى التي أعقبت ما حدث:
"في منامي سافرنا إلى فولكستون مع الأطفال.
فقط الآباء والأمهات يمكنهم الذهاب إلى الشاطىء.
نتوقف قليلاً، ثم نعاكسهم كي يمشوا لوحدهم.
حينما جلسوا على أكتافنا
غطسنا إلى الركب،
في ما بعد لم نشعر بثقل ولم نترك آثار أقدام.
تركناهم وراءنا صغاراً جداً،
الترانزيستورات الخاصة بهم، زعانف وذيول حورية البحر،
فحم أطفالنا البعيدين في السماء"
ينتقل إلى إنكلترا لتلقيه زمالة إقامة قصيرة في كلية سولز في أكسفورد. ومن ثم سينتبه المرء سريعاً لنبرة القلق لدى هاردويك وتصاعد الخوف من أن شيئاً ليس على ما يرام. هذا الشك سيكون له ما يبرره بالنظر إلى نوبة لويل التي تأتي مرة واحدة كل سنة: اضطراب وهوس اكتئابي أفسد حياته، والذي يتزامن عادة مع علاقة رومانسية جديدة. كان حدسها راسخاً، ففي حفلة أقامها أصدقاؤه في لندن التقى بكارولين بلاكوود، لينتقل للعيش معها في نفس الليلة.
تجيب على رسائله وتقنعه مراراً أن يدفع الضرائب المترتبة عليه ، ثم تجد صعوبة بالغة في إدانته، تنتقده في رسالة واحدة فقط لتعتذر له فيما بعد عن مزاجها السيئ: "لن تتحرر أبداً من الشيء المروع الذي قتلته في داخلك، ومن نكرانك للجميل وقلة الوفاء والمحبة. ولا يمكن لأي طفل تلده أن يكون أكثر روعة من الطفل الذي تركته.
سيتوقف عن الرد على رسائلها، بينما تحاول هي جاهدة إعادة زوجها إلى رشده: "أنت كاتب أميركي عظيم، ولست كاتباً إنكليزياً... أنت خسارة لثقافتنا، روحكَ أميركية".
تكافح هي طوال هذه الأعوام للحفاظ على كرامتها مع العناية بابنتها هارييت في نيويورك. تظهر كأم متعاطفة وذات كفاءة عالية. تنظم جدول مدرسة ابنتها ومخيمها الصيفي، وتكتب لمجلة نيويورك ريفيو أوف بوكس، وتدفع الفواتير. اتسعت القطيعة إلى حالة من الهجر الثقافي، أعربت عن أسفها من أن زوجها العبقري المدلل يرعاه المحافظون الصغار السخيفون، وكل نداءاتها الوطنية له فشلت في ثنيه عن عزمه البقاء.
جروح وأخطاء وحب مفقود، عواصف حياته الشخصية مع عصابية واضحة. عدد كبير من القصائد مشتق من رسائل إليزابيت له، تركها بشكل صارخ. لحظات من الجمال، لكن منظورها الذكوري يبدو قديماً.
تقبض عليك الأجزاء الأضعف في كتابته، مع حقيقة أنه تزوج من ثلاث نساء هنّ من أكثر الكاتبات موهبة في القرن العشرين (إليزابيت هاردويك، كارولين بلاكوود، وجان ستافورد) . "أن يتزوج رجل من ثلاث نساء لامعات لا يمكن أن يكون بهذا السوء"، يعلق أحد النقاد.
مهّد لويل لشعر السيرة الذاتية بصراحة في الستينيات والسبعينيات، قصائد منقوشة بإحكام ورمزية عالية مشبعة بعظمة واعية لذاتها. (أثناء هوسه كان يتخيل أنه دانتي). التوترات التي فرضها الإكتئاب الجنوني على زواجه، وشعوره بالخزي في أكثر اعترافاته عرياً. الوضوح العاطفي والمعاناة. صرّح مرة: "أكتب أفضل قصائدي حينما أكون مهووساً"، وأيضاً: "الموت ليس حدثاً في الحياة التي لم يتم عيشها".
ستوجه إليزابيت بيشوب، وكانت صديقة مقربة له، اللوم له لأنه أخذ فقرات من رسائل هاردويك زوجته السابقة دون إذنها، ليرد عليها فيما بعد معلقاً: "لم أستطع تحمل انتظار كتابي مختبئاً بداخلي مثل طفل ميت".
علامات اقتباساته ستمنح القصائد قوتها الوثائقية، وهو يعود مراراً وتكراراً إلى هذه السيناريوهات: صورة ذاتية لشخص يخشى أن يكون قاتلاً. خوفه من إجرامه هو حقيقة مركزية، لذلك استخدم حياته الخاصة كبوصلة أو درع لكسب الوقت ومقايضة المغفرة.
صدم الكتاب الوسط الأدبي حينذاك، وجعلته يواجه حلفاء قدامى له مثل بيشوب وأدريان ريتش وماري مكارثي.
الآن وبعد أكثر من خمسين عاماً سيبدو "الدولفين" بعيداً: أبطال الكتاب ماتوا، وكل تلك الكسور والأخطاء تشي بحب ودراما تكسر الحدود الفاصلة بين الفن والحياة التي لا تزال بدون حلّ.
من الحماقة أن ترى حياتك بين دفتي كتاب، لأنها ببساطة لا تريد أن تؤكد لنا أي جزء فينا هو الأساسي. حرّر نفسه من تجريداته المبكرة، ومن تصنيفات الروح الفردية التي بدت ذات يوم طبيعية جداً.
أصبح الإعتراف هو المصطلح القياسي للشعراء الأميركيين، مع طفرة المذكرات في التسعينيات، سقط النثر أيضاً تحت تأثيره: حيث أصبحت الطفولة التعيسة والجنون والإدمان من العناصر الأساسية في قائمة الكتب الأكثر مبيعاً.
وكلما كان الموضوع أكثر عنفاً، كان أكثر ملاءمة لإيقاعاته مثل الهيستيريا البيوريتانية، المذابح الهندية، الإنتحار، الحروب من القرن السابع عشر إلى القرن العشرين. ولا شيء يمكن أن يكون أكثر دهاء من الطريقة التي يحوّل بها لويل الألم في حياته إلى عزاء للشعر العظيم. وما اكتشفه في منتصف الخمسينيات من القرن الماضي كان على كل شعراء جيله مثل جون بيريمان، إليزابيت بيشوب، ثيودور روثكي، مواجهته في النهاية: قيود الحداثة الشعرية. عاشوا وهم يبجلون إليوت وباوند وستيفنز ومور.
من هنا يعدّ روبرت لويل من أكثر الشعراء الأميركيين جرأة، لأنه تحدى عقيدة الحداثة المتمثلة في "اللاشخصي" مغامراً في مداهمة سيرته الذاتية، ومن ثم سيبتكر مادة خاصة هي مصطلح "الشعر الطائفي" الذي صاغه فيما بعد الناقد إم إل روزنتال. وما يجعل هذا الشعر مقلقاً، ميله إلى الإعتراف ليس فقط بعاره الشخصي، ولكن طريقته في إيذاء الآخرين.
سنة 1977 يعود إلى نيويورك بعد انفصاله عن بلاكوود. ثم في طريقه من المطار إلى شقة إليزابيت هاردويك أصيب بنوبة قلبية، لتأخذه نفس سيارة الأجرة لمشفى قريب، حيث أعلنت وفاته بعد ساعات قليلة.
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها