الإثنين 2024/08/05

آخر تحديث: 11:58 (بيروت)

خطاب الجماهير... حوار مع غوستاف لوبون

الإثنين 2024/08/05
خطاب الجماهير... حوار مع غوستاف لوبون
الجانب العاطفي، يُبنى عليه الكثير من الأيديولوجيات العقائديّة (الصمّاء)
increase حجم الخط decrease
في حديثٍ خلف الكواليس (وَتوَتَة)، بادَرَ صديقي الشرّير إلى مصارحة الطبيب والمؤرّخ (الشهير بتأسيسه عِلم نَفس الجماهير) غوستاف لوبون، فأعلن له بأن الخطاب الأخير ليس خطابًا تأبينيًّا للإفصاح عن خصائل حميدة لقائدٍ تميّز بانجازته في مواجهة عدّوٍ مجرم. ولم يُفاجأ لوبون في بقيّة الحديث الموجّه إليه من صديقي الشرّير: استفاد الخَطِيب من كلّ ما أَوردتَ في كتابك "سيكولوجيّة الجاهير". فالزيّ المرتبط بمقامٍ ديني، هو كفيلٌ في بادئ الأمر، أن يسحر الجماهير!

لكن يا صديقي، هذا أمرٌ طبيعي، فالقادة بشكلٍ عام، يعتمدون على سذاجة الجماهير، يتابع لوبون: فما بالك، لو كانت هناك نقاط أخرى مشتركة تُضعِف مهارة الإصغاء للخطاب، وتسعى للشعور بالقوّة مع الجماعة. نعم، فاهتمامي بعِلم النفس، ومهارتي في التحليل، جعلاني أضع حجرَ أساس لفرع علم نفس الجماهير، فدراساتي ركّزت على هذا الجانب.

أودّ أن أُخبِرك أنّ فكرة الشعور بالقوّة مع الجماعة التي ذكرتها في كتابك، قد تتضاعف وتتزايد مع مساندة عقائديّة تعتمد على معتقد ديني، وهذا المعتقد يُقدّس الموت، مع العلم أنه، بالنسبة إلى جمهور الخطاب، وفي عصر التكنولوجيا والتطوّر، ليست المنصّة والميكروفون ما يعطي الخطيب سحراً يجذب الجماهير، بل "الشاشة العملاقة"، وهي ذات تأثير أكبر في الجماهير. فهي تعطي الخطيب "وَهرة" وسحراً، يعتمدان -استعاضةً عن الحضور والمنصّة- على شاشة عملاقة، وهي تؤكّد غموض مكان تواجده. في الحديث مع غوستاف لوبون، لستُ معنيًّا بتحليل الخطاب وما يعني ربطًا بالحرب القائمة مع العدوّ الصهيوني، فلا عاقل يتقبّل إجرام ولا-إنسانيّة الصهاينة في ارتكاب مجازرهم. والجزء الأهمّ من نظريّة "سيكولوجيّة الجماهير"، يكمن في وعي الجماهير، فمن يصنع القائد غير "وعي" الجماهير؟   

وما القول يا غوستاف، لو عَلِمتَ بأن الجمهور الحاضر لمشاهدة (وليس لسماع) الخطاب، هو جمهور يحمل عقيدة دينيّة تُقدّس السُلالات النبوية؟  

إذًا، هذا كفيل بتعطيل الإصغاء (العقلاني)، وهذا بالتأكيد يفضي إلى تعلّق الجمهور بمهارة الإستماع بآذانهم دونما العودة إلى "عقلنة" ما يسمعونه لإدخاله في مساحة "الإصغاء". وحالة الجمهور تذكّرني بما قاله لي أبي، ولست أعرف إن كان من تأليفه أو لأحدٍ آخر: 
"بحبّ الذكي الّلي دينتو إلها مزاج
بتعطي لروح الشاعريّة حقوقها
وما بحبّ الْ دينتو
بتبلع الكلمة قبل ما تدوقها"

وهذا الجانب العاطفي، يُبنى عليه الكثير من الأيديولوجيات العقائديّة (الصمّاء)، وأذكر في قريتنا، صديقي (أيّام المدرسة) الذي اشتهر في المدرسة بمقولة (حفظها من عائلته المنتمية لحزب ذي جذور فاشية-علمانية): "نقّذ ثمّ اعترض"! وتلاقي هذه الأيديولوجيّات مردوداً سلبياً عند الناس، لأنّها كفيلة بإيجاد طبقة من الجماهير تُصنّف من فئة التابعين، لكنها منقسمة التبعيّة على حساب تبعيّة واحدة لوطن عُملتِه الموحّدة: مواطن. وهذا ما عناه زياد الرحباني في "فيلم أميركي طويل": "..هودي مش 19 واحد، هودي واحد وواحد وواحد.. بيفردوا حكيم!"

وفي عودة إلى مؤسّس علم نفس الجماهير، يُورد غوستاف لوبون: أن العاطفة المشتركة النابعة من نقاط مشتركة، كالعيش سويًّا والتشارك في يوميّات، وهموم سلبيّة أو أحداث إيجابيّة (أفراح وأتراح)، تعطي شعورًا للفرد بالقوّة بين الجماعة، تُغذّي هذه الفكرة الثقافة الشعبيّة من خلال المثل التي كانت أُمّي تُردّده امامي: "اللّي بيعيش بغير مِلّته، بيموت بعلّة غير علّته"!

ويتحدّث غوستاف عن "العدوى الذهنيّة" ويُوضح هذه الفكرة بتشبيه الناس برمال الصحراء. فالرياح حين هبوبها، لا تستهدف حبّة رمل واحدة.                  

مُجدّدًا، أن لا أُحلّل تفاصيل الخطاب، ويعنيني الجمهور. فأنا لا أنتمي لأي قائد، ولعي بالناس، واعمل على رفع الوعي، لا بقبّعة "واعظ"، لا بل بنشر وتعزيز وسائل تحثّ الآخرين على التفكير. وتحديدًا أعمل في مجال يوجّه ويعزّز مهارات التفكير لفئة الأطفال والشباب. فقدتُ الأمل من الجمهور.. التابع.         

الإختلاف يخيف القائد أو الزعيم (سياسي/ عسكري/ ديني..). فالإختلاف يعزّز فرادة الشخص. وهذا ما يُرعب "القائد المُستثمر" في الجماعة!                                     

الفرد المُتميّز تحاربه الجماعة، وقد جسّد هذا د.ممدوح حمادة، في مسلسل "الخربة" حين أتى "غطّاس" من المدينة، ولم يأبه للانتماء لعائلته، فبنى علاقة مع من يُفكّر مثله ويُحبّ الموسيقى مثله. الانتماء ينبع من العقل لا من القلب. فبحسب عمل الدماغ، العقل يُقرّر ما يُريد فعله، والقلب يُحبِّب الإنسان بهذا العمل.   

قليلٌ مِن الناس مَن تسأله طلبًا ويأخذ وقته في التفكير للقبول او الرفض! وقد صدق المُفكّر مهدي عامل في سؤاله (عنوان كتابه) "هل العقل للغرب والقلب للشرق؟".              


increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها