الخميس 2024/08/22

آخر تحديث: 12:51 (بيروت)

"معتقلون ومغيّبون/الفن يوثّق والأرشيف يتحدث"...من الذاكرة الإبداعية للثورة السورية

الخميس 2024/08/22
"معتقلون ومغيّبون/الفن يوثّق والأرشيف يتحدث"...من الذاكرة الإبداعية للثورة السورية
عن موقع "ذاكرة إبداعية للثورة السورية"
increase حجم الخط decrease
صدر حديثاً كتاب "معتقلون ومغيّبون: الفن يوثّق والأرشيف يتحدث"، عن مشروع "ذاكرة إبداعية للثورة السورية" بالتعاون مع دار رياض الريس للكتب والنشر.
هنا مقدمة الكتاب تنشرها "المدن" بالاتفاق مع الناشر:

تحت جسر الرئيس، في قلب العاصمة دمشق، تجمعت مئات العائلات بانتظار أبنائها المعتقلين، عند بدء تنفيذ مرسوم عفو رئاسي صدر بتاريخ 30-10-2022. وحيث لا إصدار لقوائم بأعداد المُفرَج عنهم أو أولئك الذين قُتلوا في السجون، فقد اختلطت، في مشهد ازدحام كبير وفوضى عارمة، جموعُ عائلات المعتقلين الذين لم يُعْرَف مصيرهم، بالمعتقَلِين الذين أُفرِج عنهم، رجاءً وأمَلًا بسماع أيِّ خبر أو دليل منهم، يفيد بوجود مفقودِيهِم على قيد الحياة.

صُورة محمولة باليد، أو على الهاتف المحمول، وسؤال وحيد:
"شفتو شِي؟!
شفتِلِّي أبي؟
ما شفتو؟
لِسّاتو عايش؟
كان معكم شي؟
بتعرف هالوجه؟
بتعرفو شي؟
وهاد؟
ما شفت حدا منهم؟"

نحسب، أن مسألة الاعتقال والتغييب هي من أهم ما يَعتمل في وجدان عموم السوريين، ولعلها من المشتركات الوحيدة بينهم اليوم، فضلًا عن كونها من أهم الملفات الإنسانية‑ السياسية‑ الحقوقيّة، في القضيّة السورية، والتي بدأت تُترجَم في الملاحقات والدعاوى والأحكام القضائية في بلدان اللجوء (أوروبا تحديدًا)، ضد مرتكبي انتهاكات حقوق الإنسان في سوريا، وعلى رأسهم النّظام السوري، إلى جانب جميع قوى الأمر الواقع على الجغرافيا السورية.



بحسب الشبكة السورية لحقوق الإنسان، بلغت حصيلة الاعتقال التعسفي([1]) في سوريا منذ آذار 2011 حتى آذار 2024 ما لا يقل عن 156757 شخصًا، فيما بلغت حصيلة الضحايا بسبب التعذيب([2]) خلال نفس المدة ما لا يقل عن 15393 شخصًا. أما حصيلة الاختفاء القسري([3]) حتى تاريخ 30 آب 2023، فبلغت ما لا يقل عن 112713 شخصًا، بشكل أساسي على يد النظام السوري، تليه جميع قوى الأمر الواقع المسيطِرة.

كتابنا هذا حول المعتقَلين والمغيَّبين، نرصد ونسرد من خلاله عبر السنين، حضورَ هذه الثِّيمة في المجتمع السوري عمومًا، وفي مجتمع الفن والثقافة خصوصًا، وانعكاس ذلك على النتاج الإبداعي والثقافي، والحراك المجتمعي.

ولهذا النتاج الإبداعي دورٌ كبير في الحضور والتأثير... ، فريدٌ من نوعه في تاريخ سوريا المعاصر، فهو في سرْدِهِ أعمق الأحداث والتطورات الاجتماعية، وُصولًا إلى أشدِّها رعبًا، عكس الانخراط السياسي والاجتماعي للفنانين والمثقفين والمواطنين المبدعين، والدور الكبير الذي لعبوه في تمثيل أنفسهم وتمثيل مواطنيهم، وفي قضّ مضاجع المستبِدِّين. وإلّا، فَلِمَ لاحقَهُم النظام السوري واعتقلهم وأخفاهم وأسكتهم، وسارت على نهجه كل قوى الأمر الواقع؟!

قد لا يغيِّر الفنُّ الواقعَ، كما الفعلُ السياسي المباشر، لكنه يحتجّ ويتحدّى ويطالِب ويُسائل، ويغيّر من نظرتنا إلى العالم، ويساهم في تخيُّل واقع أفضل. فالفنُّ يحرّك، ويؤثّر، ويَطبع عميقًا في الوجدان وفي الأذهان.

وفي موقعنا "ذاكرة إبداعية"([4])، نحسب أن الفن يوثق ويحفظ ذاكرة الأحداث، وبأنَّ النسيان حقٌّ من حقوق الإنسان، تعمل "ذاكرةٌ إبداعيّة" ضد الإنكار والتفَلُّت من العقاب، وهي "ذاكرة إبداعية" بالمفرد دفعاً لادّعاء تملك "الذاكرة"، أيِّ ذاكرةٍ كانتْ، ودفعاً باتجاه العمل والمساهمة في بناء تعدديةِ ذواكرَ وسردياتٍ، حرة ومستقلة. وعليه فإنه من نافلة القول، بأنه ما من كتاب واحد أو مبادرة واحدة، قادرة على الإحاطة الشاملة بكامل الأحداث والوقائع في القضيّة السوريّة. ومن هنا تَبرز أهمية الجهود المتعددة والثمينة، لِمُجمل السوريين في كافة المستويات.

لا تدّعي كتابتنا هنا نقداً فنياً ولا بحثاً تحليلياً ؛ إنما هي كتابة توثيقية وراصدة، تساهم في بناء المعرفة عن واقعنا السوري، وتبحث وتُنقِّب وتَجمع وتُؤَرْشِف، وتربط الأحداث والأفعال بما يوجبه هذا النوع من الكتابة، وبما يتناسب مع هوية عملنا وغايته.

فكرة الكتاب
بُنيت مادة الكتاب هذا استنادًا إلى أرشيفنا الموجود في مشروعِ "معتقَلون ومغيَّبون"([5])، المنشورِ على موقعنا الإلكتروني، الذي أُطلق بتاريخ 16 كانون الأول 2021، وجاء في قسمين:

القسم الأول: هو عرض بصري من الأعمال الفنية والإبداعية والثقافية- : الشعبية منها (لافتات، غرافيتي، غناء شعبي… إلخ)، والنخبوية (فن تشكيلي، كتب ومنشورات، أفلام… إلخ)، موزَّعة في ٢٤ صنفًا، تمَحْورت حول هذين الموضوعين بشكل خاص، حيث يَسْهل تصفُّحُها بواسطة وُسوم وفلاتر متنوعة، مثل: أصناف، أصحاب أعمال، مناطق جغرافية، تواريخ، وسوم عامة ووسوم خاصة. وقد وضعنا لهذه الأعمال، بأغلبيتها، السياقات المرتبطة بها. وقد بلغ عددها حتى تاريخ إنجاز هذا الكتاب ما يزيد عن 1565 عملًا، وهي خاضعة للتحديث المستمر.

القسم الثاني: هو دليل مشروع "معتقلون ومغيَّبون"([6]). نحسبه الأوّل من نوعه، الذي يجمع في مكان واحد كل أنواع المبادرات المختصة، أو التي تُولِي موضوعَ الاعتقال والتغييب اهتمامًا فريدًا. ثم إنه يحوي توثيقًا كبيرًا لِلمبادرات، بلغَت 155 مبادرة حتى تاريخه، موزَّعة في تصنيفات متعددة، مثل: مراصد حقوقية دولية، ومراصد محلية وإقليمية، ومنظمات وجِهَات، ومجموعات، وحمَلات مناصرَة، ومبادرات فردية، ووسائل تواصل اجتماعي. يساعد هذا الدليل على فهم طبيعة عمل هذه المبادرات والأنشطة التي تقوم بها، والفئات التي تستهدفها.



منهجية العمل وطريقة انتقاء المصادر
في هذا الكتاب نرصد ثِيمَتَي الِاعتقال والتغييب منذ عام 2011 حتى نهاية عام 2020، مع الاعتناء بشكل خاص بِمَجالَي الفن والثقافة، وذلك على مستويين: أحدهما يرصد بشكل مباشر المبدِعين الذين اعتُقلوا أو خُطفوا أو قُتلوا، بسبب معارضة النظام واستبداده، عبْر أعمالهم الفنية أو أنشطتهم الفعلية خارج إطار الفن. وهو ما شهدناه بشكل كثيف في السنوات الأولى من انطلاق الثورة. أما المستوى الثاني، فيَرصد عبْر الأعمال الإبداعيّة المختلفة مَن جرى اعتقاله أو تغييبه من المواطنين/ات، بسبب الانخراط في الشأن العام والعمل المُعارِض.

تتَبَّعْنا ظهور هاتين الثِّيمتَين خلال السنوات العشر الماضية، بدءًا من الاعتقال الأول (اعتقال أطفال درعا)، الذي كان شرارة انطلاق الثورة السورية، ومُرورًا بكل التطورات والتحولات في موضوعَي الاعتقال والتغييب، ساردِين تفاصيل الأحداث اللاحقة والمتوالدة من إضرابات واستعصاءات في السجون، وحملات وتحركات ومبادرات، ما نشأ منها في الداخل السوري وما أُقيمَ في دول اللجوء، وُصولًا إلى جهود تدويل هذه القضية سعيًا نحو العدالة، والتجاذبات السياسية حولها، والمحاكمات الدولية. وقد عرَضْنا أبرَزَ ما رافق هذه الأحداث من إبداع ثقافي وفني، والتغطية الإعلامية من قِبل وسائل الإعلام السورية البديلة، والعربية والدولية.

لقد حرص فريق ذاكرة إبداعية في عمله على الموضوعية والحيادية، بغرض تثبيت الأحداث وحفظها من الضياع.

هيكلية الكتاب
يتألف الكتاب من عشرة فصول، تَناوَل كلٌّ منها سرديَّة عام كامل. ويبدأ كل فصل بمقدمة تُلخِّص الطابع العام للسنة المرتبطة بها من معطيات وأحداث مفصلية، يلِيها عرض مفصل لِما توصلنا إليه من انتهاكات النظام وكل قوى الأمر الواقع، والأحداث التابعة لها والناتجة منها، بحسب المكان والزمان، استنادًا إلى مئات المصادر في كل فصل، وما تبع ذلك من تحركات داخلية وخارجية، شعبية أو فردية أو جماعية، وحملات على وسائل التواصل الاجتماعي، وذلك في تعداد وشرح مفصل لكل هذه الحملات والمبادرات التي رافقت هذه الأحداث.

ينتهي كل فصل بفقرة "إنتاج إبداعي "، يورد فيها فريقُ العمل أهمَّ ما جرى جمعه وتوثيقه على على منصتنا من الأعمال الفنية والثقافية بمختلف أصنافها حول موضوع الكتاب.
تلي ذلك صفحات تشمل كل المصادر المعتمدة في الفصل التابع لها.

الخاتمة الفعلية لكل فصل هي ما يُخرج القارئ من جفاف النص التوثيقي، نحو عالم من الإبداع المبهر والتراجيدي. صفحات مخصصة لعرض بعض الأعمال الفنية والثقافية من أرشيف الموقع، ترافقت في معظمها مع أحداث العام، وأسهمت في تثبيت هذه الأحداث. ويجدر بالذكر هنا، أنه -خلال البحث والعمل على هذا الكتاب- اكتُشف وجُمع المئات من الأعمال الفنية والثقافية، المرتبطة بِثِيمة الكتاب بمختلف أنواعها، حيث جرى توثيقها تباعًا. أما الخاتمة العامة للكتاب، فقد رصدْنَا فيها امتداد الأحداث الرئيسية المتتابعة المتعلقة بموضوع الاعتقال والتغييب، والتي حصلت بعد عام 2020 حتى تاريخ الانتهاء من إعداد هذا الكتاب.

نَودُّ الإشارة إلى أنَّ بعض البلدات والقرى والمدن تَحمل اسمًا كرديًّا إلى جانب الاسم العربي، إلَّا أننا آثَرْنا استخدام الاسم العربي لها، لِيَتَّفق ما ورد في معظم المصادر من تقارير وأبحاث ومواقع إخبارية. ثم إننا آثَرْنا في كتابة النصوص أيضًا، الابتعاد عن الدلالات التمييزية بين مذكر ومؤنث في كامل الكتابة، باستثناء جملة واحدة في هذه المقدمة (مواطنين/ات)، مستأنسين بها لنقول من خلالها أنها إحدى قضايانا.

المصادر والمراجع المستخدَمة
اعتمد باحثونا في كل فصل على المئات من المراجع المختلفة، وباللغات الثلاث (العربية والإنكليزية والفرنسية)، حيث بلغ إجمالي عدد الحواشي المستخدمة: 4538 حاشية. وقد تنوعت هذه المصادر بين تقارير وأبحاث ومراسيم وبيانات صادرة عن الهيئات الرسمية والدولية، ومواقع إلكترونية وإخبارية، ومَقاطع يوتيوب، وصفحات فيسبوك. مع الإشارة إلى أننا اعتمَدْنا بشكل أساسي على ما هو متوافِر في المصادر الحقوقية، والدراسات القانونية، والتقارير الأُممِيّة.

ونودُّ لفت انتباه القارئ هنا إلى اعتمادنا تسمية المصادر في الحواشي على الشكل الآتي: اسم المصدر، اسم البوابة الفرعية عند اللزوم أو الوُسوم إن لزم، عنوان المقال أو المادة المشار إليها بحسب ما هو وارد في المصدر نفسه، وذلك لتيسير وُصول الباحثين والقُرَّاء إلى هذه المصادر بدلًا من روابطها، لكون الكتاب مطبوعًا ورقيًّا، وغير متوافر إلكترونيًّا بما يسمح لهم بنسخ هذه الروابط.

تضمنت المصادرُ والمراجع أحيانًا مصطلحاتٍ شائعة، جرى تَداوُل أغلبها خلال الثورة والحرب السورية، وآثر فريق العمل استخدامها بحسب ورودها في المصادر، مثل: ناشط، شهيد، حرائر، شَبِّيحة.

صُعوبات وتحدِّيَات
تَمَثَّل أبرزها في ما يلي:

- التضارب أحيانًا في تواريخ الاعتقال، وتواريخ إخلاء سبيل المعتقلين، وتواريخ تنظيم الحملات والمبادرات.

- التباين واختلاف المصادر الحقوقية المختلفة عند تناوُل حدثٍ ما بِعَينه، بشأن أعداد المعتقلين والمختفين قسرًا والشهداء تحت التعذيب.

- صعوبات عديدة ومرهقة تتعلق بروابط بعض المصادر، حيث اختفى بعضها - أثناء العمل أو بعده- لأسباب خارجة عن إرادتنا؛ ما دفع بباحِثِينا إلى البحث عن مصادر بديلة، وإضافة أخرى جديدة لدى مراجعة الدراسة وتدقيقها.

- في بعض الحالات واجه الباحثون شحًّا في المعلومات والمصادر عن حدث ما، في حين واجهوا تحديًا معاكسًا تمامًا تَمثَّل بغزارة المصادر والمراجع والمقالات حول أحداث أخرى.

- هناك أحداث لم يتمكن الباحثون من رصدها في تقارير أو مصادر إخبارية؛ ما دعانا إلى الاستعانة بما ورد عنها في الصفحات الزرْقاء "الفيسبوك"، التي تحولت مع الثورة والحرب إلى جريدة السوريين اليومية، وخاصة فيما يتعلق بأخبار الاعتقالات أو الإفراج.

ونريد أن نقول أيضًا…
أننا كثيرًا ما بكينا ونحن نبحث ونكتب، ولم ننم كثيرًا، أمام هول هذا الكم الهائل من الاعتقال والتغييب. ولأننا جميعًا، قد فقدنا قريبًا، صديقًا، جارًا، أو حبيبْ.
الظلمُ وحشْ، لكنّ طريق العدالة الطويل بدأ، ولو خطوة خطوة.
ونحن نعمل، لأنّ الأمل ليس فكرة… ولن يأتينا من السماء، إنما من عَمَل من هم على الأرض، والسوريون يعملون.

لماذا نكتب؟
"لأننا حين نَكتبْ، نَكشِفْ، بحيث لا يمكن لأحدٍ، بعد ذلك، أن يدّعي البراءة أو يتجاهل ما حدث" (جان بول سارتر).

15-07-2024
فريق "ذاكرة إبداعية"
________________

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها