الجمعة 2024/07/26

آخر تحديث: 12:55 (بيروت)

لا شفاء من الاحتلال الداخلي

الجمعة 2024/07/26
لا شفاء من الاحتلال الداخلي
الحوثيون في اليمن (غيتي)
increase حجم الخط decrease
أعاد الكاتب والباحث اللبناني أحمد بيضون نشر فسبكة قديمة تقول: "أسهمَت الثورةُ السورية إسهاماً نظريّاً يبدو لي جليلاً في تعيينِ وجْهٍ مشْترَكٍ بيْنَ الأوضاعِ القائمةِ في العديدِ منْ دولِ إقليمِنا المنكوبِ، أو من مجتمعاتِهِ بالأحرى. تمثَّلَ هذا الإسهامُ في الحديثِ عن "الاحتلالِ الداخليِّ"... عن "الاحتلالِ الأسديِّ" لسوريّا. وهذا احتلالٌ نشأَ قبْلَ الاحتلالِ الخارجيِّ المتعدّدِ الأطرافِ واستَدْرَج هذا الأخيرَ ليبقى بعْدَه". ويعلّق بيضون على الفسبكة بأن "الاحتلال الداخليّ" ظاهرةٌ كبرى تستحقّ أن تتصدّر تفكيرنا في أحوال بلادنا والمحيط".

وأناط الاحتلال الأسديّ لنفسه أن يكون حزب البعث، الحزب "القائد للدولة والمجتمع" من غير وجه حق، وقد ألغيت المادة صورياً من الدستور، وعلى امتداد أربعة أو خمسة عقود تجري انتخابات برلمانية في سورية تكون النتائج مقررة سلفاً، وتحصل "انتخابات" رئاسية شكلية تكون الغاية منها أن ينال منها المرشح الوحيد، الأسد الأب أو الأبن، 99،99% من الأصوات.

وتعبير "الاحتلال الداخلي" ليس جديداً في الواقع والممارسات والمقالات والفسبكات والأبحاث السياسية والسوسيولوجية، خصوصاً في بلدان ومجتمعات لا تعرف الديموقرطية البتة، حيث تسعى كل جماعة إلى تأبيد الزعيم أو القائد أو الطائفة المسيطرة والمهيمنة. والاحتلال ليس واحداً، فهناك احتلال الإدارات العامة، واحتلال الفضاء العام بالرايات والبيارق والشعارات، واحتلال القرار السيادي، واحتلال الذات.

وتبدو حالات "حزب الله" في لبنان و"الحشد الشعبي" في العراق و"البعث" في سوريا والحوثي في اليمن، حالات مثالية لمراجعة مفاهيم الاحتلال (حسين الوادعي). فحين انسحب الجيش السوري من لبنان، توهّم كثر أنّ هذا البلد سيعود إلى سيادته واستقلاله وعسله وبخوره. لم ينتبهوا إلى مسأله حزب الله وتمدّده ونفيره الإيديولوجي وامتداده الإيراني، وأنه ليس سلاحاً فحسب، بل عقيدة وديناً وبشراً. بعضهم راهن على لبنَنته، لكن النتيجة كانت مزيداً من التمدّد للحزب في الدولة وفي الطوائف، ومزيداً من التوغل الإيراني. والأمر نفسه ينطبق على "الحشد الشعبي" في العراق، ظن البعض أنه مع سقوط الاحتلال الداخلي المتمثّل في صدام حسين وبرعاية الاحتلال الخارجي، سيزهر الياسمين وتتفجر الينابيع، لكن احتلالاً ذَهَب وأتت احتلالات.

وليس بعيداً من الاحتلال الداخلي ما سمّاه الأديب اللبناني ميخائيل نعيمة "الاستعمار الداخلي". فقد نشر في العدد الثاني من مجلة "العربي" يقول: "الاستعمار الداخلي أقوى شكيمة وأصلب عوداً، وأشد عناداً، وأبرع حيلة من الاستعمار الخارجي، وجذوره العتية سحيقة الأغوار في الحياة العربية، وهذا النوع من الاستعمار لم يأتنا من الغرب ولا من الشرق، بل من صميم حياتنا، فقد ارتضيناها لأجيال وأجيال، حياة تتفاوت فيها الحظوظ أفدح تفاوت، بين أقلية تُعد بالمئات وقد "كُتب" لها أن تحكم وأن تستبد، تارة باسم الدين، وطوراً باسم الحسب والنسب، وبين أغلبية تُعد بالملايين، وقد شاءت لها "الأقدار" أن ترضى من عيشها بالكفاف، أو أقل من الكفاف فتبقى لاصقة بالتراب، وتبقى حليفة البؤس والجهل والمرض والحرمان".

والأعمق من تعبير الاحتلال الداخلي، ما قاله الباحث والكاتب وضاح شرارة: "ليس صحيحاً أنّ هناك احتلالاً إيرانياً، لسبب أسوأ من الاحتلال. المؤرخون العرب والمسلمون يستخدمون مصطلح الاستدخال. والاستدخال يعني الأخذ من الداخل، مثل نموذج حصان طروادة. وهو أصعب وأسوأ من الاحتلال".

وإذا كان الاستدخال هو الولوج (معجم مقاییس اللغة، ج2، ص335)، فقد أعطى شرارة التوصيف الأدقّ لتمدُّد المشروع الإيراني والمشاريع الأخرى... إيران التي أذرعها من لبها مطمئنة إلى متانة الولاء لها، مطمئنة إلى ولوجها في أربع عواصم عربية. ويتحمس "القواتي" شارل جبور لمصطلح شرارة، ويعلق عليه بأن حزب الله لا يخجل بالإعلان "انّ عقيدته إيرانية وماله وسلاحه وتدريبه ومشروعه وقراره إيراني، لكنه في نهاية المطاف لبناني، ولا يمكن الطلب منه مغادرة لبنان على غرار مغادرة الجيش السوري الأراضي اللبنانية او خروج منظمة التحرير الفلسطينية من لبنان...".

وأمام هذه الصورة، وهذا الواقع، يبدو صعباً في الوقت الراهن والآني، الشفاء من "الاحتلال الداخلي"، ومن نظامه المرصوص والراسخ  والمتجذر وتداعياته المفرطة وانعكاساته وآفاته الكثيرة في الحياة العامة والخاصة.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها