الخميس 2024/07/11

آخر تحديث: 12:32 (بيروت)

"حكايا العراء المرعب" لمها بيرقدار: آلام زواجها بيوسف الخال

الخميس 2024/07/11
"حكايا العراء المرعب" لمها بيرقدار: آلام زواجها بيوسف الخال
"ليس من عادتي أن انكأ الجراح، وها أنا اعتذر سلفا من كل من سيقرأ هذا الكتاب،
increase حجم الخط decrease
كثيراً ما كان زواج بعض المثقفين والشعراء والروائيين والرسامين، موضع جدل وقيل وقال و"لت وعجن". يبدأ بنزوة وينتهي بدراما، أو ينطلق من لحظة رومانسية وينتهي بمأساة أو نزاع وتخاصم، وفضح فيه قدر من الأوهام والخيالات والتخيّلات. وتتعدّد القصص والروايات في هذا المجال، سواء زواج الشاعر سعيد عقل بالشاعرة آمال جنبلاط التي انتحرت بعد أسابيع على زواجهما، أو الشاعر محمود درويش والكاتبة رنا قباني اللذين انتهيا إلى الطلاق، أو زواج الشاعر تيد هيوز والشاعرة سيلفيا بلاث التي، في عامها الثلاثين، دخلت مطبخها في شقتها بلندن وأغلقته بالورق اللاصق، فتحت الغاز وأسندت رأسها إلى باب الفرن المفتوح.
 

(الرسامة مع ولدَيها ورد ويوسف)

ونصل الى بيت القصيد، ونقصد زواج الشاعر يوسف الخال من الرسامة السورية الدمشقية، مها بيرقدار، وكان من جيل والدها أو أكبر. وقد دوّنت بيرقدار سيرة هذا الزواج في كتابها "حكايا العراء المرعب"(دار فواصل)، وسريعاً ما يتبين من خلال القراءة أن هذا الزواج، لم يكن إلا نزوة في حياة الشاعر الكبير الذي تصرّف، بحسب صديقه سمير عطالله، مثل الفنانين. فالرسامة التي فقدت الأب في عمر مبكر، كانت تتصوّر "بأن الشعراء والرسامين منزّهون عن الغلط"، وتظن الرجال جميعاً مثل أبيها الضابط "المثالي" في الشرطة السورية. لكنها، بمرور الوقت، باتت على يقين بأن الأمر ليس كذلك.

والرسامة التي عُرفت بتقديم برنامج شعري في إذاعة دمشق، سرعان ما صارت تكتب الشعر، ويوم اكتملت مجموعتها الشعرية الأولى كان طموحها أن تطبعها في بيروت، مقصد الشعراء العرب ومصنع شهرتهم. وخلال مشوارها، وبواسطة أحد الأصدقاء، التقت الشاعر يوسف الخال وكان مسؤولاً عن دار "النهار". في بداية اللقاء، قال لها إن دار النهار "ما بتنشر إلا للمشهورين"، وسألها: "لشو بتكتبي شعر؟ ليش ما بتروحي وبتتجوزي؟". لم تكن طريقة استقبال الشاعر وأسئلته محبّبة لدى الرسامة وانتهى اللقاء بكآبتها. وفي اللقاء الثاني، رغم إطراء الشاعر على أسلوب بيرقدار في الكتابة، بدا ميالاً إلى طرح أسئلة عن حياتها الشخصية ودينها وعمرها كأنه "يجسّ نبضها". وبعد عودتها الى دمشق، وصلتها رسالة منه تقول "لقد أعددتُ لك بيتاً صغيراً عند البحر.. لا تتصوري كم أنا غريب ووحيد! فتعالي حين ينتصف تموز، وإلا فغيبي إلى الأبد".

كانت تصرفات الشاعر كلها تشير إلى النزوة والفقد، من الرسائل والمواعيد إلى اللقاء وتدبير العمل لمها في بيروت والاغراءات المختلفة. كل الاهتمام الزائد من الشاعر كان بهدف نزوته، لتنتهي الأمور بالزواج المدني في قبرص وإقامة حفلة والتعرّف على الشعراء اللبنانيين. لكن مؤسس مجلة "شعر"، كثير الاهتمام بعروسه، كان "متقلّب الأطوار وأمزجته غريبة". تكتب مها بيرقدار: "بعد عودتنا من قبرص، دخلنا غرفة النوم، وإذ بي أفاجأ بأنه يغير ثيابه، كأنه ذاهب إلى سهرة عرمرمية، ولما سألته: الى أين؟ أجابني: عندنا لقاء الـ104". تضيف: "في البدء لم أفهم: شو يعني 104؟ أجابني: لا تتعبي رأسك الجميل في ما لا يعنيك. أصمت قليلاً: كيف لا يعنيني وقد صرتُ زوجتك؟ ومن حقي أن أعرف. هل هي جمعية سرية سياسية؟ يرد بشيء من القسوة: هذا شأن خاص يخصني وحدي لا شأن لك فيه"... كما ردّد في الجدل عبارات مثل "المرأة غير الرجل" و"المرأة عليها أن تلزم حدود مقدرتها الجسدية والمعنوية"، ومها التي تتصرّف معه من منطق أنها زوجة، سمعت "صفقة الباب"، ولعنت الشعر والشعراء... لعنت السّاعة.

هذا المقطع ربّما يختصر العلاقة بين الشاعر والرسامة التي تكتب: "تحملتُ كثافة العقل الشرقي ووجع الروح الإنسانية في مواجهة المعنى". والكتابة عند مها ليست ثأرية أو انتقامية، كما يزعم البعض، إنها بديهي وواقعية، من الزواج الفاشل المتعثر بسبب اختلاف الأمزجة، إلى هجران السرير سريعاً، إلى حبّ سرّي وعاطفي لم يكتمل، إذ لم تتزوج مها من "أميرها الحبيب" لأنها عرفت أنه متزوج. من الولادة إلى الأمومة (الرسامة والدة الفنانَين يوسف الخال وورد الخال)، ومن الحرب الأهلية اللبنانية وجحيمها و"تعفيش" البيت الزوجي من قبل المسلحين، إلى انفجار مرفأ بيروت وحرب غزة، من مرض يوسف الخال ورحيله الى إصابة مها بسرطان الثدي، ومن فقدان الأب إلى رحيل الأخ أسامة، من عواطف الأهل إلى حبّ الأحفاد، أوجاع وآمال متراكمة.

محطات مكتوبة على شكل مقاطع، فيها القصص المؤثرة في حياة مها بيرقدار وفي حياة اللبنانيين، من مرحلة "الزمن الذهبي" الى مرحلة الحرب ومرحلة ما بعد الطائف.

تقول بيرقدار في خاتمة الكتاب: "ليس من عادتي أن أنكأ الجراح، وها أنا أعتذر سلفاً من كل من سيقرأ هذا الكتاب، لأنه شهادة صادقة رغم إمعانها في السواد، لقد نئتُ تحت وابل الحروب التي عشتها والأحزان التي حملتها، وبرأسي المليء بالشظايا والذكريات الأليمة". وتضيف: "عندما قررتُ أن أكتب هذا الكتاب، كنتُ في حالة نفسية متردية، كنت كالسائر على حبل رفيع، إما أن أحافظ على توازني، وإما الوقوع في الهاوية. الفكرة أرجعتني إلى أصعب القرارات، أي الكتابة، لأني كنتُ هجرت الرسم والتأليف"...
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها