الإثنين 2024/06/03

آخر تحديث: 11:24 (بيروت)

فارس الحلو...الفنان الناجي من الابتذال

الإثنين 2024/06/03
فارس الحلو...الفنان الناجي من الابتذال
إحدى النقاط المهمة في الحوار، حديث الحلو باستفاضة عن الدراما والنظام في سوريا
increase حجم الخط decrease
يستحق وقفة مطولة، حوار الفنان السوري فارس الحلو، الذي أجرته معه منصة "عيون الكلام"، ونشره في صفحته في فايسبوك يوم 24 من الشهر الحالي. تحدث فيه عن محطات ومواقف في حياته، ككائن وفنان، بما في ذلك العقد الأخير الذي قضاه في فرنسا، بعد خروجه خلال البدايات الأولى للثورة السورية. كما أضاء مطولاً على تجربة الدراما في سوريا، وحضرت العلاقة المركبة بين الفن والسياسة. أين يلتقيان ويفترقان، وتأثير كل منهما في الآخر، ولعبة السلطة بينهما.
 
هذه هي المرة الأولى، التي يتم فيها تقديم فارس الحلو خارج دوره كممثل، صنع بصمة خاصة في جميع الأدوار، التي أداها في السينما والمسرح والدراما. أتاح له الحوار فرصة ليتكلم عن نفسه بارتياح، وسبب اختياره الفن والأدوار التي أداها في المسرح والسينما والمسلسلات، وأفسح له المجال ليتحدث عن المخرجين الذين عمل معهم، ودورهم في تطوير الدراما السورية، خصوصاً هيثم حقي، الذي يسجل له أنه أول مخرج أخرج الكاميرا من الاستديو إلى الشارع.

إحدى النقاط المهمة في الحوار، حديث الحلو باستفاضة عن الدراما والنظام في سوريا. أمر جيد أن المحاورة أعطتها مساحة أكثر من غيرها. وأتاحت له أن يقدم قراءة في سلوك النظام الانتهازي لتوظيف الدراما، ويشرح قواعد اللعبة، لا سيما عندما كانت بعض الأعمال تتجاوز بعض الخطوط الممنوعة، وروى تفاصيل حول مسلسل "بقعة ضوء" الذي اكتسب شعبية بفضل سقف الحرية الذي تمتع به، وكيف تم فرض رقابة عليه. ويكشف الحلو قصة طريفة غير معروفة تتعلق بخداع الرقابة، من خلال تبديل محتوى المظاريف الواردة من جهاز الرقابة بجعل الممنوع مسموحاً، والمسموح ممنوعاً.

نقطة أخرى على قدر من الأهمية تطرق لها الحوار، وهي الحديث عن بعض الشخصيات التي أدّاها في المسرح مثل جابر في مسرحية سعدالله ونوس "رأس المملوك جابر"، التي أخرجها العراقي جواد الأسدي، وفي السينما فيلم "الليل" مع المخرج محمد ملص، الذي مُنع في سوريا، وفي الدراما مع هيثم حقي في مسلسلات عديدة. هذا الجانب مهم، لأنه يسمح للفنان بأن يتحدث عن الشخصيات وموقفه منها وكيف جسدها.  

هناك ملاحظة مهمة وهي أن الحوار تميز بالصدق والعفوية وعدم التصنع والادعاء. الوعي بالحرية والإيمان بها، وهذا ينعكس في نظرة الفنان للفن وعلاقته بالناس، ونظرته إلى الاختلاف بين اليوم والمرحلة الماضية. مع التسليم بأن الوضع الحالي يقوم على التبديل الديموغرافي في الثقافة، بتقديم أنصاف العقول إلى الأمام، وإرجاع العقول إلى الخلف.

ردود الأفعال في وسائل التواصل تعبر عن المدى الساحق لشعبية هذا الفنان، وحاجة الجمهور أن يتواصل معه. هناك تعطش يصل إلى حد، وكأن الصلة بين الحلو والجمهور متوقفة منذ زمن بعيد، وهذا يعود إلى عدم ظهوره في مسلسلات منذ آخر عمل له "وجوه وأماكن" في عام 2015، الذي انتجته شركة ميتافورا، وأخرجه هيثم حقي.

التقدير الذي يحظى به الحلو يعود الفضل فيه إلى أنه حقق خلال مشواره الفني معادلات صعبة. الأولى هي، أن يصبح فناناً ناجحاً، وصاحب موقف سياسي معارض، من دون أن يشد أحدهما الآخر إلى مساحته الخاصة. والثانية هي، أن يبلغ الشهرة، ويظل نزيهاً، من دون أن ينجر إلى إغراءات السلطة، وفساد الوسط الفني والثقافي. والمعادلة الثالثة هي، أن يحتفظ بوعي سياسي أنقذه من الوقوع في الإحباط، بعدما كلّفه الموقف ضد النظام والوقوف مع الثورة، البعد عن الأضواء خلال فترة ما بعد الثورة، واستقراره في باريس.

يبقى أن الحوار الصحافي فن بكل معنى الكلمة. يحتاج إلى التمكن من الأدوات المهنية، وحتى ينجح في جذب المشاهد يجب أن يتمتع الصحافي بالمواهب الذاتية، من ثقافة ومعرفة وذكاء، تتيح له أن يقدم الضيف بمهنية ومن دون ارتجال. وهذا ما برز واضحاً في ألمى عنتابلي التي حاورت الحلو، وتمكنت من خلال الأسئلة والتدخلات من تحقيق هدفين. الأول هو، استدراج الفنان ليتحدث عن نفسه من زوايا مختلفة من دون ادعاء وبأريحية. وظهر واضحاً الجهد الذي بذلته الصحافية من أجل تحويل الحوار إلى ما يشبه النقاش المفتوح، وهو ما فتح شهية الضيف للحديث، بعدما بدا في ربع الساعة الأول، وكأنه لا قابلية لديه للكلام، وانتهت المقابلة، والمشاهد يتمنى لو طالت أكثر، لأنها لم تتعمق بما فيه الكفاية في موضوعات عديدة مهمة تخص الدراما السورية، خصوصاً علاقة الفنان بالسلطة. والهدف الثاني تقديم صورة عن الحياة الفنية السورية، والتدخلات التي مارستها السلطة في هذا الميدان، لجهة الإضاءة على العلاقة المركبة ودور الرقابة.

تعرّف منصة "عيون الكلام" عن نفسها بأنها "بودكاست حواري، سوري يناقش قضايا سياسية واجتماعية راهنة، ويعود لأحداث تاريخية مفصلية أثرت على الواقع المُعاش للسوريين، مع ضيوف من مجالات علمية ومهنية متعددة، تحاورهم ألمى عنتابلي وهيا العلي". ويبدو من خلال تصفح "يوتيوب" أنها حديثة العهد بالعمل، فالحوارات التي أجرتها قليلة لا تصل إلى عشرة، ومنها مع الروائية سمر يزبك والكاتب فاروق مردم والسينمائية إيناس حقي والاقتصادي جهاد يازجي، لكن مع ذلك تبدو مختارة بعناية لتناول قضايا وموضوعات مهمة تضيء على شؤون السوريين من زوايا مختلفة، وبإسلوب مركز.

يكشف الحوار مع الفنان فارس الحلو، حاجة السوريين إلى مواقع متخصصة تتناول قضاياهم، من أجل وصل ما انقطع من جهة، وتقديم ما هو جديد من جهة أخرى، وإعادة بناء ما هدمته سنوات الجمر.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها