الأربعاء 2024/06/26

آخر تحديث: 12:21 (بيروت)

"نورا" في "دوار الشمس"... تقاسيم على "بيت الدمية"

الأربعاء 2024/06/26
increase حجم الخط decrease
ما زالت نصوص المسرحي هنريك ابسن حاضرة في زمننا وراهنة رغم قِدَمها. ليس من قبيل الصدفة أن تُؤدّى في مسارح بيروت مسرحيتان تحاكيان نصوص ابسن السياسية والاجتماعية. الأولى "عدو الشعب" التي اخرجها لوسيان بو رجيلي في فضاء حرم الجامعة الأميركية وفي الهواء الطلق، وفيها استعاد النص المكتوب في القرن التاسع عشر ليُسقطه على واقعنا السياسي والاقتصادي ووالفساد الإداري والافلات من العقاب.

أما العرض الثاني المستوحى من "بيت الدمية" لهنريك ابسن، فقدمه جاد شكر في مسرح "دوار الشمس" في نص جديد تربطه شخصية "نورا" مع النص الأصلي للمسرحية التي كتبت في أواخر القرن التاسع عشر، واحدثت تصدعات داخل المجتمع والمؤسسة الزوجية وأثارت جدلاً واسعاً آنذاك، عندما تخرج "نورا" من منزلها الزوجي، وسط ذهول الزوج وذكوريته الفائضة لتضرب الباب معلنة الخروج من سلطته بلا عودة.

كان إبسن مُؤمنًا بفكرة أن المرأة لا تستطيع أن تكتشف ذاتها في العصر الحديث، فهو مجتمع يحتكره الذكور بقوانين وضعها الرجال، ويقيّم السلوك من منطلق ذكوري بحت. ويمكن أيضًا النظر إلى أفكار المسرحية من منظور أكبر، فذهب البعض الى الاعتبار بأن موضوع المسرحية لا يدور حول حقوق المرأة فحسب، بل أيضاً حول حاجة كل فرد، ذكراً كان أم أنثى، إلى العثور على ذاته الحقيقية والسعي لبلوغها. وفي كلمته الشهيرة امام الجمعية النروجية لحقوق المرأة، قال إبسن إنه لا ينسب لنفسه شرف العمل من أجل حركة حقوق المرأة وأن القصد من "بيت الدمية" لم تكن بدافع التحريض بقدر ما كانت مهمته رسم صورة واقعية للإنسانية.

نورا
يقرأ جاد شكر ويكتب نصه المستوحى من شخصية نورا في "بيت الدمية"، انطلاقاً من تخصصه في المسرح وعلم النفس. يحلّل الشخصيات الرئيسة ويضعها في قالب عصري، في مسرح داخل مسرح. هي الرمز في نص إبسن، وما زالت في عصرنا رمزاً للتحرر من القيود الاجتماعية والسلطة الذكورية. "نورا" أو "الممثلة رهف" (نورا حسام الدين) تتقاسم مع زوجها "الممثل عماد" (إبراهيم عجمي) الذي يقوم أيضاً بدور "السيد هيلر"، التمارين ويوميات الكواليس من أجل تقديم مسرحية "بيت الدمية". تحيط بالشخصيتين شخصيات محلية في المسرح تحاكي شخصيات ابسن وتتقاطع معها بين نصها اليومي المعاش ونص شخصيات إبسن، حتى يكاد المتفرج لا يفصل أو يفرق بين النصين والشخصيات التي تعيش يومياتها وتؤدي كممثلين وممثلات في مسرحية "بيت الدمية".

رهف، إمرأة ناضجة شغوفة بالتمثيل، لكن قرارها مُصادَر من قبل زوجها ومن قبل المخرج، تماما كما "نورا" التي يمتلك قرارها زوجها تورفاد هيلمر... حتى اللحظة التي تقرّر فيها رهف أن تستمد قوّة قرارها من "نورا" لتخلع ثوب الشخصية المسرحية وتخرج مغلقة الباب وراءها كإعلان عن عدم عودتها بشكل قاطع. إلى درامية العمل، أضاف جاد شكر في كتابته، شخصيات كوميدية، تحاكي جمهور المسرح الذي يجنح نحو الضحك والترفيه من دون أن يسقط العمل في فخ الاستهلاك المسرحي، بل بقي محافظاً على كلاسيكية تيمة العرض وبُعده الدرامي والاجتماعي. وهو ما يُسجل للعاملين من الممثلين الذين يعتلي بعضهم الخشبة للمرة الأولى خارج الأعمال الأكاديمية التي تقدم في كلية الفنون الجميلة والعمارة وهم من خريجيها وبعضهم ما زال من طلابها. 

في مسرحية "نورا"، يقارب جاد شكر الجانب النفسي لشخصيات ابسن التاريخية مع شخصيات ممثلين يؤدون كواليس المسرح. هي شخصيات تنطلق من جوهرها وعمقها الإنساني، من نورا الى هيلمر الى كروغستاد... كل منهم يحكي عن الأثر النفسي لشخصيته التي تتحول من مُحبة ونبيلة إلى عدوانية. "نورا" المرأة الثلاثينية العالقة في طفولتها مع تحكم زوجها بقراراتها ومصيرها الحياتي والمهني. هيلمر النرجسي والمتحكم. وفي الوقت نفسه، نرى الشخصيات المعاصرة المؤداة في كواليس مسرحية "بيت الدمية"، والآتية من بيئة مختلفة، وتتغذى نرجسيتها من مجتمعها الذي يمدها بمفاهيم السلطة.

عن الشخصيات المتحركة والقابلة للتطوير، يقول جاد شكر أنه العرض الأول، وأنه وسيعمل على تطوير الشخصيات ليقدم العمل في الموسم المسرحي المقبل مستفيداً مما اكتسبه من خبرة العرض الأول ومستلزمات الإنتاج والخشبة والصالة.

"نورا" أو "رهف" التي خرجت من الباب بلا عودة، هي المرأة اللبنانية والعربية التي خرجت وما زالت تخرج "وهذا همي المسرحي الذي عملت في عليه الجامعة، وسأعمل عليه في مسارح بيروت"، يقول شكر، ويضيف: "المرأة المعاصرة هي في الأصل "نورا" ابسن و"جولي" سترن بيرغ وكل الشخصيات التاريخية التي تعتبر أيقونات المسرح في كل زمان ومكان".

(*) مسرحية "نورا" عرضت في مسرح دوار الشمس. كتابة وإخراج: جاد شكر – 
تمثيل: نورا حسام الدين، إبراهيم عجمي، أحمد نبها، رماح عجب، لينا خميس، هادي إسماعيل، جيسيكا ابي عبد الله – إدارة ممثل: محمد فوعاني. 
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها