قصفت القوات الإسرائيلية، بيت الكاتب فايز أبو شمالة في خان يونس، فدمّرته بالكامل. من كل ما تبقى من البيت، حاول فايز ابو شمالة إنقاذ الكتب التي هي أغلى ما نملك وهي الطريق إلى الأرض والوعي والوطن. صورة المنزل المدمر والكتب بين الركام، تظهر جانباً من همجية الاحتلال، الذي تفوق همجيته كل وصف. وقف فايز وسط أنقاض منزله المكون من ثلاث طبقات حاملاً الكتب التي سحبها وأنقذها من تحت الحجارة. وقال: "البيت وكل ما نملك فداء الوطن. لن يهزم الشعب الفلسطيني والنصر حليفنا بإذن الله".
أدرك فايز ابو شمالة أن الكتاب هو الأثر، هو النداء الخفي، فهرع إليه لينقذ ما تبقى من حياة. كأنه يسابق الدمار وينقذ الكتاب أو الوردة أو عريشة الدار.
الكتاب هو بيتنا جميعاً بعد غياب كل بيت. تحمل الكتب سيرتنا إلى العالم. هنا كنا، هنا كتبنا، هنا قرأنا. تعيد الحروف والكلمات نسج حياتنا بالحياة والأمل. وما دمنا نعيش في زمن التيه، فالكتاب سينتصر. وسيعيد تدوين تلك الصورة، تلك المأثرة من الحياة. كأنها ضفة انقطعت ثم أعاد الكتاب وصلها من جديد.
انها الإرادة التي أدهشت العالم. لكن من هو الدكتور فايز أبو شمالة؟
من مواليد خان يونس، اعتقله الجيش الإسرائيلي العام 1984 بتهمة مقاومة الاحتلال والاشتباك مع جنوده. حُكم عليه بالسجن 18 عاماً، درس خلالها العبرية من خلال الاحتكاك اليومي مع السجان اليهودي. وتنقل بين سجون غزة والرملة وعسقلان والسبع ونفحة الصحراوي. أطلق سراحه العام 1994.
له العديد من المؤلفات، نذكر منها "حوافر الليل" (شعر)، و"الانتفاضة في قواعد اللغة العربية" 1991. وفاز أثناء وجوده في السجن بجائزة مركز احياء التراث العربي في مدينة الطيبة عن بحث بعنوان "على صهوة الشعر "عن الشاعر الفلسطيني عبد الرحيم محمود 1992. ونشر في القاهرة ديوان "سيضمنا أفق السماء" 2001. كما نشر كتاب "رياحين بين مفاصل الصخر: كتابات وأشعار السجناء الفلسطينيين والعرب". نال دبلوم الدراسات العليا العام 1997 ونشر دراسة قيّمة بعنوان "السجن في الشعر الفلسطيني"، وأتبعه بدراسة نقدية تتناول ديوان "الخروج إلى الحمراء" للشاعر الفلسطيني المتوكل طه. نال شهادة الدكتوراه العام 2004 من معهد البحوث والدراسات العربية في القاهرة، وكانت أطروحته بعنوان "الحرب والسلام في الشعر العربي والشعر العبري على أرض فلسطين " 1987-2001، وترجم فيها الى اللغة العربية اكثر من سبعين شاعراً وشاعرة من اليهود. يعمل حالياً مديراً عاماً في شؤون الأسرى والمحررين في فلسطين. كما انتخب عضواً في المجلس الوطني الفلسطيني 1996.
لا غرابة ابداً ان يصمد الشعب الفلسطيني وينتصر في غزة وهو يملك تلك الروح العالية المجدولة بالكرامة ومكانة العلم والمعرفة والكتاب، والمضمخة بالإيمان بأن النصر حليف مَن يملك الحلم. أو كما قال شاعر فلسطين محمود درويش:
بلاد على أهبة الفجر
أيقظ حصانك واصعد
خفيفاً خفيفاً
لتسلّق حلمك
واجلس إذا ماطلتك السماء
على صخرة تتنهد.
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها