الجمعة 2024/06/14

آخر تحديث: 13:27 (بيروت)

دريد ياغي... الجانب الناقص من الحزب التقدمي الإشتراكي

الجمعة 2024/06/14
دريد ياغي... الجانب الناقص من الحزب التقدمي الإشتراكي
"رفيق" من مؤسسي الحركة الوطنية
increase حجم الخط decrease
في نعي أحد الشبان الشيوعيين البعلبكيين، للمحامي المناقبي دريد ياغي، كتب: "ببالغ الحزن والأسى تلقينا خبر وفاة الرفيق دريد ياغي، أحد أعمدة ومؤسسي الحركة الوطنية اللبنانية التي انطلقتْ آنذاك من بعلبك أولاً وأعلنتْ من قاعة سينما الشمس بحضور الرفيقين الكبيرين كمال جنبلاط وجورج حاوي"...

أحسب أنّ ذلك الشاب الشيوعي الستيني، بقي محافظاً على صلته السوسيولوجية بالمحامي الراحل برغم التغيرات وبرغم سقوط الحركة الوطنية، وسقوط الشيوعية. بقيت صلته به انطلاقاً من التاريخ، وربما الجغرافيا، وانطلاقاً من حفلة سياسية وتحالف قديم حصل قبل خمسين عاماً، زمن كمال جنبلاط الذي كان بوجوه كثيرة متناقضة، وكان قادراً أن يكون زعيماً طائفياً يخاطب العلمانيين الشيوعيين ويترك كتاب "هذه وصيتي"، و"وطنياً" يتلاقى مع اليساريين والعروبيين، وإقطاعياً يوزع فتات الأرض على الفلاحين، وإشتراكياً يخاطب الفقراء "المساكين الذين لا قميص على صدورهم"، ولبنانوياً يواجه "السجن العربي الكبير"، وعروبياً يحاكي جمال عبد الناصر ويعتبر لبنان "دكاناً على بحر"، وصوفياً يستحضر الطقوس الهندية واليوغا في صومعته ورحلاته...

الأرجح أن دريد ياغي أيضاً، رغم دفن الحركة الوطنية وتلاشي الحزب الاشتراكي بنسخته الكمال جنبلاطية، بقي يقوم بالدور الذي أنيط به في زمن غابر، بقي على صلة سيوسيولوجية رفاقية بشيوعيي الأمس، وولائية بالحزب الحنبلاطي الذي ما عاد يدعي أكثر من تمثيل الدروز، في وقت غادره المؤسسسون وغادره كثر من المسيحيين والشيعة والسنّة، وبقيت مجموعة في المنطقة القريبة انتخابياً من منطقة وليد جنبلاط.

غالباً ما نشأت الأحزاب اللبنانية، باستثناء القوميين السوريين والشيوعيين، من منطلق أن كل حزب يمثل طائفة، أو يسعى لاحتكار تمثيل طائفة أو يتشارك مع حزب آخر في تمثيل طائفة فيشكلان "ثنائياً". وبات لبنان في هذه الدوامة القاتلة، أحزاب محض طائفية ومحض شخصانية توريثية، جنبلاطية، عونية، جمَيلية، مَرَدية، حريرية، أرسلانية، كرامية، شمعونية... وحين تفتقد الطائفة إلى الحزب المحتكر أو الحزب الطاغي والمسيطر، يجري الحديث عن الإحباط والخلل في التوازن والتمثيل (الطائفة السنّية في غياب الحريرية نموذجاً). هناك زعامات لديها قدرة على اختراق جدران الطوائف الأخرى، الشمعونية صارت لها امتداداتها "اللبنانوية" في الخمسينات، قبل أن ترتّد الى التقوقع المسيحي المحض في الحرب. الشهابية كانت لها امتداداتها، لكنها لطالما حوربت لأسباب مسيحية. الجنبلاطية كانت لها ولاءاتها، فكثيرون من السنّة والمسيحيين كانوا ينتسبون الى الحزب التقدمي الاشتراكي في زمن زعامة كمال جنبلاط وتقلّصوا وانقرضوا في زمن زعامة وليد جنبلاط...

لا ضرورة لذِكر الأسباب التي جعلت دريد ياغي يبقى في الحزب التقدمي الاشتراكي. لكن حضوره، في الجوهر، رمزي، كان يمثّل الجانب الناقص من هذا الحزب، الجانب التعدّدي العلماني الديموقراطي. قُدّر لياغي أن يكون مناضلاً اشتراكياً في حزب صارت فيه الاشتراكية مجرد اسم، أو ربما كان الاسم أثراً من زمن الحرب الباردة.

كان دريد ياغي نموذجاً نضالياً في بلد يضج بالهويات والشخصانيات، ونموذج "الولاء غير التقليدي"، وفي البلد القائم على كونفدرالية الطوائف يمسي الولاء غير التقليدي سوريالياً.. استطاعت الحريرية في مرحلة الليبرالية وزخمها العملاني أن تتخطى الجدارن الطائفية، وكانت لها تحالفات ولاءات ومشتشارين من مختلف الطوائف والانتماءات، من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب، لكن الحريريين من خارج السنّة، تعرضوا لحرب شرسة. في السياسة كانت الأحزاب المُحتكرة للطوائف تنظر إليهم باعتبارهم درجة ثانية، ليسوا أصليين طالما اختاروا انتساباً سياسياً مختلفاً. والحريرية نفسها، رغم سعيها لاختراق الطوائف، شاركَت في زمن موجة 14 أذار، ولأسباب مصلحية، في إبعاد ما سُمّي "شيعة السفارة" المنشقين عن طغيان الثنائي الشيعي. أما حزب الله الذي يشيطن المعارضين له من الشيعة وغيرهم، فنجده يمجد "الممانعين" من الطوائف الأخرى، وينشئ لهم فصيلاً مسلحاً.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها