السبت 2024/06/08

آخر تحديث: 13:20 (بيروت)

طرابلس... انتصار الأئمة على السينما

السبت 2024/06/08
طرابلس... انتصار الأئمة على السينما
جمهور مهرجان كابريوله في جبيل (فايسبوك)
increase حجم الخط decrease
ليس تفصيلاً ولا عادياً ولا هيناً إلغاء مهرجان كابريوله للأفلام القصيرة في طرابلس بسبب تحريض ممنهج من قبل أئمة مساجد، شغلهم وعملهم ليس الإيمان والعبادة، بل مراقبة أي نشاط ثقافي أو اجتماعي. ليس تفصيلاً، وليست هذه المرة الأولى. الفاعلون يفاخرون بإنجازهم "التاريخي" وبطولتهم المجيدة. تكتب إحدى الصفحات المحرضة بأن "في طرابلس رجال لا يلهيهم شيء عن منع الفساد ومحاربته... الحمد لله الذي أبعد عن طرابلس مهرجان الفجور". والحملة الممنهجة والتحريض يأتيان هذه المرة في خضم طرابلس عاصمة الثقافة العربية، في خضم "عرس" المدينة، إذا جاز التعبير، وفي ظلال خطاب "طرابلس تحافظ على هوياتها"، وكانت مقرراً أن تُعرض تلك الأفلام الملغية في مقر جمعية تابعة لرئيس الحكومة...

انتهى المحرضون من صد العدو في غزة، وتفرغوا لصد غزاة السينما في طرابلس. هناك أناس من أصحاب اللحى المقدسة، لا يناسبهم أن تعرض الأفلام في طرابلس، ولا أن تؤدَّى المسرحيات، لا تُفتح المقاهي، ولا تُقرأ الكتب، لا تناسبهم الحياة العادية في المدينة، كأن ليس لدى جماعة التحريض سوى الثقافة والسينما.

طرابلس التي كانت مدينة الصالات، مدينة الـ"سيلما" بحسب اللهجة الدارجة، مدينة الأفلام والمسارح، الجريئة والرديئة والنخبوية، الأجنبية والعربية، النضالية والسوفياتية والفلسطينية، يأتي من يريد أن يضعها في الزاوية المشوهة، الزاوية التي "تليق بها".

الصالات في طرابلس مسار متعرج، في حياة المدينة وأنماط عيشها وتحوّلها، ازدهارها وتصدّعها، تنوعها وقشور حداثتها، من شمس البارودي الجريئة في "حمام الملاطيلي" إلى بروسلي و"الأكشن"... سرعان ما انهكتها الفتاوى والأحزاب، من هب ودب في الحرب، وما بعد الحرب. منذ ماتت الصالات وكثرت فتاوى التحريض، صارت طرابلس المدينة المتوسطية تعيش موتها ورتابتها. منذ قُمعت الحرية الفردية في المدينة، أخذ أصحاب الفتاوي مجدهم.

هناك إصرار من البعض على أن تبقى طرابلس خارج الكوكب، خارج المعادلة الثقافية، خارج قيمتها الحضارية والتعددية... وهناك مشكلة فعلية جزئية تتعلّق بمصادرة الحياة الفردية في المدينة، لكن قلما يتطرّق أحد الى هذه المحنة، دائماً يكون الهروب من الواقع، نحو الماضي الغابر والنوستالجي، دائماً هناك بحث عن مجد المدينة. 


ألغي مهرجان كابريوله في طرابلس، فقط في طرابلس، فيما استمرت عروضه في تسع مدن لبنانية أخرى، هي بعلبك، جونيه، جبيل، دير القمر، إهدن، الخنشارة، زحلة، بتلون، وبيروت.

وفي جونيه كتب الروائي جورج يرق: "على مدخل بلدية جونيه ارتفعت شاشة كبيرة، حيث عُرضت أفلام قصيرة عن الضيعة وأهلها ومواضيع أخرى. وتابعها جلوسًا على الكراسي ووقوفًا على الرصيف، جمع من المارة، معظمه دون الثلاثين. بادرة جميلة. ليت البلدية تلحق بها مبادرات من الطراز نفسه".
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها