الإثنين 2024/05/20

آخر تحديث: 10:58 (بيروت)

النظام الإيراني والسينما: عداوة بلا حدود

الإثنين 2024/05/20
النظام الإيراني والسينما: عداوة بلا حدود
جعفر بناهي غادر إيران بعد 14 عاماً على حظره من السفر
increase حجم الخط decrease
قبل يوم من افتتاح مهرجان "كان" السينمائي في الرابع عشر من الشهر الحالي، تمكن المخرج السينمائي الإيراني المعروف محمد رسولوف، من الهرب من إيران. وقال في بيان "كان يتعين عليّ أن أختار بين السجن ومغادرة إيران". وكشف أن السلطات ساومته على سحب فيلمه الجديد "بذرة التين المقدس" من الدورة الحالية في المهرجان. لكن ذلك لن يعفيه من تنفيذ القرار بتأييد الحكم ضده بالجَلد والسجن لثمانية أعوام. وتبين من الضجة المثارة حول هروب السينمائي، الذي صادرت سلطات بلده جواز سفره منذ العام 2017، أنه يحظى بتقدير كونه أحد المخرجين الذين يخوضون معركة مع الرقابة والدفاع عن حرية التعبير، وأنه واصل العمل في ظل ظروف صعبة، وفاز العام 2020 بالجائزة الكبرى لمهرجان برلين السينمائي عن فيلم "لا يوجد شر".

ما تعرض له رسولوف يلخص جانباً من معركة بين صناع السينما والنظام في إيران. ثمة عداوة بين الحكام وأهل السينما في هذا البلد. تبدو العلاقة معقدة، لا يمكن تفسيرها بمقال سريع، بل تحتاج إلى دراسة نفسية، لأن الحالة تبدو وكأنها تتجاوز في بعدها تأثير السينما في الناس، والدور النقدي الذي تلعبه على المستويين السياسي والاجتماعي. ومع عدم إنكار أهمية ودور هذين العاملين، فهناك محرك خفي لكراهية رجال الدين للسينما، غير ظاهر، لا يمكن تلخيصه في التحريم الديني، ومن المؤكد أن تصوير السينما لهم على نحو سلبي يشكل أحد الأسباب، لكنه ليس الوحيد.

في العام 2022، كان المخرج جعفر بناهي، واحداً من بين ثلاثة مخرجين تم إلقاء القبض عليهم في طهران، في أقل من أسبوع، لتنفيذ حكم بالسجن لمدة 6 أعوام، صدر في العام 2010 حين دِينَ بتهمة "الدعاية ضد النظام"، وأمضى في السجن حوالى سبعة أشهر، وأُفرج عنه في شباط 2023، بعد إضرابه عن الطعام، وحملة دولية كبيرة من أجل إطلاق سراحه، هو الحائز على جائزة "الأسد الذهبي" في مهرجان البندقية 2000 عن فيلمه "الدائرة"، وفي العام 2015، نال جائزة "الدب الذهبي" في برلين عن فيلم "تاكسي طهران"، وفي العام 2018 فاز بجائزة أفضل سيناريو في مهرجان "كان" عن فيلم "ثلاثة وجوه".

وفي العام نفسه، منعت السلطات الإيرانية عرض فيلم "إخوة ليلى" في الصالات، واعتبرت مشاركته في مهرجاني "كان" و"ميونيخ" خرقاً للقواعد. وقال وزير الثقافة الإيراني، محمد مهدي إسماعيلي، إن سبب ذلك قيام بعض الوجوه السينمائية المعروفة بـ"الترويج لصورة سوداوية" عن إيران في المهرجانات الخارجية. وعليه قضت محكمة في طهران بحبس المخرج الشهير سعيد روستايي، ومنتجه جواد نوروز بيكي، ستة أشهر، بسبب عرض فيلمه في مهرجان "كان" السينمائي، حيث نال جائزة الاتحاد الدولي للنقّاد، ودانتهما المحكمة بـ"المساهمة في دعاية المعارضة ضد النظام الإسلامي" في إيران.

من غير المفهوم سبب منع عرض فيلم يتحدث عن عائلة فقيرة على وشك التفكك، في إيران الغارقة في أزمة اقتصادية كبرى، تحت مبرر أنه "خرق القواعد" عبر المشاركة من دون إذن في مهرجان كان، ومن ثم ميونيخ، كما أنه ليس الفيلم الوحيد الذي عرض في ذلك المهرجان، وأزعج السلطات الإيرانية. ففيلم "عنكبوت مقدس" واجه انتقادات أكثر حدة، إذ اعتبرت أوساط إيرانية أنه "يهين" المقدسات الإسلامية لدى الطائفة الشيعية، واتهمته منظمة السينما الإيرانية بأنه "نتاج ذهن منحرف لدنماركي من أصل إيراني"، في إشارة إلى مخرجه الدنماركي الإيراني علي عباسي. وتبدو الاتهامات الرسمية واهية، كون الفيلم يستوحي أحداثه من قصة حقيقيّة شهدتها إيران قبل أكثر من عشرين عاماً في مدينة مشهد، حيث كان القاتل سعيد حنائي، المعروف بـ"العنكبوت"، يلاحق عاملات الجنس بدراجته النارية، أو بسيارته، وقتل 16 منهن، وقال قبل إعدامه العام 2002، أثناء جلسات المحاكمة، إنه قتلهن لأنهن كن "زانيات عاهرات".

وكما هو واضح، هناك منع يتكرر لأفلام سينمائية، واعتقالات وأحكام بالسجن ضد مخرجين. ولم يقتصر الأمر على فيلم واحد، أو مخرج بعينه، ليس هناك مخرج بالتحديد تناصبه السلطات العداء، أو فيلم واحد، بل تحول الأمر إلى ظاهرة تشمل السينما ككل. وقد أعطى ذلك نتائج عكسية، كما هو الحال لدى منع أي عمل فني، فإنه يحظى بشهرة أكبر في وسائل الإعلام، ويثير فضول قطاع من الجمهور من أجل مشاهدته، كما أنه يحرض مخرجين آخرين على خوض هذه التجربة، التي صارت واحدة من خصوصيات السينما الإيرانية، وساهمت في تشكيل نظرة جمهور السينما العالمي لها، فبات من المسلّم به أن السينما في إيران في الموقع المعادي للنظام.

ومن دون شك هناك مخرجون على مسافة من السلطة ولهم مواقف نقدية منها، لكن ذلك لا يعني أنهم مناضلون سياسيون مباشرون، أو أنهم يترجمون مواقفهم السياسية في السينما. بل إن المسألة أعقد من ذلك بكثير، وتتخطى هذه المباشرة في عرض المسألة، وهي ذات طابع لا يمكن شرحها في مقال عابر، لأن ما تقوم به السينما ليس لعبة سياسية مبنية على معادلات رياضية ميكانيكية، وإلا لكانت السلطات وجدت لها حلاً من خلال القمع المنهجي الذي تقوم به لكل أشكال الاحتجاج، وصارت تمتلك خبرة مهمة في ذلك، لكنها لا تزال عاجزة عن منع مجموعة من المخرجين عن مواصلة الإبداع.

في مقابل ذلك هناك حضور مهم للسينما في إيران، عبرت عنه خلال العقود الثلاثة الأخيرة، الموجة الكبيرة من المخرجين الذين تميزوا على مستوى عالمي، وبات لهم موقع شبه محجوز في المهرجانات السينمائية الدولية، وذلك بفضل جودة الأعمال التي قدموها، وهي تحقق نجاحاً ملفتاً في الشكل والمضمون، مما أهّل العديد من الأفلام لحصد جوائز في مهرجانات دولية مرموقة مثل كان والبندقية وبرلين، ونخص بالذكر جعفر بناهي، سعيد روستايي، علي عباسي، محمد رسولوف، وغيرهم.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها