- رسمتِ اللوحة الزيتية، وبعدها تفرغتِ بشكل شبه كامل للرسم للأطفال باستخدام الألوان والكولاج. ما الأسباب التي دفعتك إلى ذلك؟
اللوحة الزيتية، هي شغفي الأساس والفضاء الذي يجعلني أشعر بالحرية، لكن بعد الحرب وإغلاق الكثير من الغاليريات، وصعوبة العرض والمشاركة في الملتقيات الفنية، وتراجع بيع اللوحات واقتنائها، ابتعدت قليلاً عن رسم اللوحة الزيتية. وفي الفترة نفسها أنجبت طفلي الأول، آدم، وهذا كان سبباً آخرَ لأبتعد أكثر عن اللوحة الزيتية؛ لأن مرسمي في منزلي ومن الصعب، مع وجود طفل، إبقاء الألوان والأقمشة والخامات المتنوعة ورائحة النفط والتربنتين.
ولأني لا أستطيع أن أكون "أنا" بعيداً من مسرحي الخاص، توجهت لرسوم كتب الأطفال، والسبب الأهم الذي دفعني إلى ذلك هو رغبتي في أن أرسم العالم لطفلي كما أحب، وأقدم له لوحاتٍ وألواناً غير "ميكي ماوس" و"سبونج بوب".
- كتب أنطوان دو سانت إكزوبيري: "كل الكبار كانوا ذات يوم أطفالاً، وإن كان القلائل منهم يتذكرون هذا". وقد استطاع هذا الكاتب إدهاش العالم في روايته "الأمير الصغير" التي كتبها بروح طفلٍ مبدعٍ وعقليته ومنطقه الذي يرى فيه العالم من حوله. في رأيك، هل التوجه للطفل بأي عمل إبداعي، يحتاج فعلاً إلى تحرير الطفل في داخلنا من ضوابط الكبار وقيودهم، وجعله يتصرّف بعفويته وفطرته؟ أم أن الأمر هو مجرد مهارة وتكنيك ولا يحتاج إلى ما ذكرته؟
أنّ أعظم الفنانين وأكثرهم قدرة على التجديد والتلوين هم الذين حافظوا على الطفل في داخلهم، وحرروا أنفسهم من قيود الواقع والنمطية، وكانت مخيلتهم ممتلئة باللعب والأفكار المجنونة العفوية المرحة، مع العلم أن تحرير الطفل في داخلنا لا يأتي بقرار، فهناك كثر ممن لم يعيشوا طفولتهم رغم مرورهم فيها كمرحلة عمرية، أشعر أنّ الطفولة مَلكة وهِبة تولد مع الإنسان، ومع الوقت ربما تموت وتُنسى وقد ترافقه إلى مماته.
رغم ذلك، تبقى الموهبة هي الأساس، وبالطبع تحتاج الموهبة إلى تدريب العين والعقل والروح لصقلها وتهذيبها وتطويرها.
- ترسمين لوحات لنصوص أدبية موجهة للطفل. هل سبق أن رفضتِ رسم لوحة لنصٍّ ما؟ وما السبب
رفضتُ الرسم لنصوص عديدة، والسبب في ذلك أن بعض النصوص كانت تحمل تلميحاتٍ دينية متطرّفة، وهناك نصوص رفضتها لأنها مكتوبة بأسلوب لا يقبله المنطق، مثال على ذلك، قصة تدور أحداثها في الغابة وشخصياتها هي الحيوانات، وتتحدث عن شهر رمضان وقراءة القرآن والذهاب إلى المسجد.
وأيضاً رفضت الرسم لنصوص تتضمن عنفاً، إلى جانب نصوص كنت أراها من وجهة نظري سخيفة ومحتواها دون المستوى.
- في إحدى المقابلات معك قلتِ إن الفن بالنسبة إليك ليس برسم الطبيعة، بل برسم الدهشة التي تعكس الجمال. الآن وبعد كل سنوات الحرب في سوريا، هل تغير رأيك بخصوص الجمال الذي يمكن أن يُدهش؟
اليوم، وبعد سنوات الحرب الطويلة، أُحاول بكل ما لديّ من طاقة، أن أستحضر ذاكرتي الكرنفالية لأرسم وألوّن كما أحب، وأعمل على إيقاظ مشاعر وأحاسيس قديمة، بحثاً عن قليل من الضوء، كي أرسم تلك الدهشة التي تعكس الجمال.
- لديك تجربة في الرسم، لثلاثة كتب صدرت في السويد، كانت عبارة عن نصوص لأطفال عرب وأجانب، حدِّيثنا عن هذه التجربة؟
بالنسبة إليّ، كانت هذه التجربة هي الأجمل والأمتع، لأني كنتُ حرّة تماماً في الرسم وتصميم الشخصيات واستعمال الخامات والألوان، وهذا سببه أن المشرفين على المشروع منحوني الثقة والمحبة والأريحية لأفعل ما أشاء. إضافة إلى أن النصوص كانت غاية في الجمال والطفولة والتكثيف والغرابة والهضامة والرمزية.
كل هذا جعل عقلي مزدحماً بالأفكار والأشكال الملونة، التي ترجمتُها بأجمل طريقة ممكنة، تلك الحرية التي تمتعتُ بها جعلتني أفتح أبواب مخيلتي للحدّ الأقصى، وأهدم جدراناً وضوابط كانت تحكمني بسبب أسلوب بعض دور النشر التي عملت معها.
أرسلتُ الرسوم الأصلية للكتاب الأول إلى السويد، وبعد صدورها في كتاب بعنوان "الحوتُ مَرّ بالحكايات التي تركناها في البحر"، طُبعت تلك الرسوم بأحجام كبيرة وأقيم معرض لها.
وفي الكتاب الثاني "أشياء من حولنا شوكولا"، كان معرض الرسوم متنقلاً؛ حيث وُضعت اللوحات ضمن صناديق خشبية كبيرة مفتوحة، ورُتِّبت كأنها تكوينات في فراغ ساحة العرض بشكل جذاب ولافت للغاية.
أما الكتاب الثالث "ألبوم في صندوق إيكيا"، فكان الأقرب لقلبي وروحي، لأنه في تنوّع نصوصه يشبه سلّة فواكه متنوعة. وبالطبع، عُرضت رسوم هذا الكتاب ضمن لوحات صغيرة في مقهى ثقافي في السويد اسمه "الأرض زرقاء كبرتقالة".
ومن الأشياء الجميلة في هذه التجربة هو التعامل مع عرّاب فكرة هذه الكتب وصاحبها؛ الصديق بريء خليل.
- ما أكثر الألوان التي تفضلينها لرسوم الأطفال؟ وهل اختيارك لها مرتبط بالطفل لأنه قد ينجذب لها بصرياً؟ أم أن الاختيار له علاقة بِحبِّك لهذه الألوان؟
أحب الرسم بالألوان الصريحة، والتقنيات والخامات المختلطة، وأرى أن كل لون يفرض نفسه وانطباعه على العين، لكن ليس بالضرورة أن تكون اللوحة المرسومة بألوان الإكرليك أكثر جاذبية من لوحة مرسومة بالألوان المائية.
ليس كل ما ينجذب له الطفل هو الأجمل، لأن ذوقه واختياره للوحة التي يحبّها يخضع لعوامل عديدة تخصّه، ولا يمكن اعتبار تلك العوامل معياراً لتقييم تلك اللوحة، بالرغم من أنها موجّهة له. ومن واجب الفنان أن يرتقي بذائقة الطفل البصرية ويطوّر حسّه الفني، ويزرع فيه قبول التنوع من خلال تقديم أعمال فنية عالية الجودة ومتنوعة تقنياً وفنياً.
- ما أول كتاب قرأته للأطفال، ومَن هم رسامي الأطفال الذين تعجبك أعمالهم؟
أول كتاب قرأته هو "الدببة الثلاثة" لـليو تولستوي، وأكثر رسامي كتب الأطفال الذين أحبهم هم الفنانون الروس، إذ أرى في رسومهم وألوانهم المائية كثيراً من الحياة والجمال. وحالياً أحب لوحات الفنانين الذين يميلون إلى التجدد بأسلوبهم ومنطقهم المختلف بالتعامل مع بياض اللوحة.
- بعد تجربتك الطويلة والإنتاج الكبير لك في مجال الرسم للأطفال، ما النصائح التي تقدمينها لمن يرغب أن يعمل في هذا المجال؟
الحبّ ثم الحبّ ثم الحب، ثم تدريب اليدين على التحكم بالأدوات، وتدريب العين من خلال متابعة أعمال الفنانين وأساليبهم في الرسم، ومن المهم أيضاً تدريب العقل والخيال من خلال القراءة.
بطاقة تعريف:
ضحى الخطيب مواليد دمشق 1982 خريجة كلية الآداب قسم جغرافية.
درست في مركز أدهم اسماعيل للفنون البصرية، قسم تصوير وتخرجت فيه العام 2004.
شاركت في عدد من المعارض الجماعية والمسابقات في مجال اللوحة الزيتية وأعمال إعادة التدوير ورسم الكاريكاتير.
رسمت للأطفال في مجلات وكتب عديدة صادرة عن دور نشر محلية وعربية.
فازت بعدد من الجوائز منها: جائزة المفوضية الأوروبية في مسابقة إعادة التدوير 2007، وجائزة أفضل تصميم بوستر لمكافحة المخدرات 2006.
اشترك معنا في نشرة المدن الدورية لتبقى على اتصال دائم بالحدث
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها