الإثنين 2022/11/28

آخر تحديث: 11:57 (بيروت)

خالد خليفة لـ"المدن": لستُ مقتنعاً كثيراً بشُهرتي...وحَذِر من الجوائز

الإثنين 2022/11/28
خالد خليفة لـ"المدن": لستُ مقتنعاً كثيراً بشُهرتي...وحَذِر من الجوائز
"أنا بشكل عام غير راضٍ عن كل كتبي، ونادراً ما تجد كتاباً لي في منزلي"
increase حجم الخط decrease
الكتابة؛ ألم سعيد. واحدة من العبارات التي وردت في كتاب الروائي والسيناريست خالد خليفة، "نسر على الطاولة المجاورة... دفاتر العزلة والكتابة/الدفتر الأول"، والذي يتناول فيه بعض آليات الكتابة وطقوسها من خلال تجربته الشخصية ووجهة نظره. وصدر الكتاب خلال هذا نوفمبر/تشرين الثاني 2022 عن دار نوفل، دمغة الناشر هاشيت أنطوان.

"أنا لا أتوقف عن كتابة الرواية". "الأحلام سواء كانت فردية أو جماعية تستحق أنْ ننتظرها ونعمل لأجلها". "الجائزة لا تضيف أي قيمة للكاتب، سوى التسويق والمردود المالي إنْ وجد". "ما يعنيني ويدفعني للكتابة، هو أنني لا أعرف ولا أملك شيئاً آخر سوى الكتابة". "أنا بشكل عام غير راضٍ عن كتبي". "اللاذقية مدينة كسولة ولدي علاقة خاصة معها". هذا بعضٌ مما جاء في الحوار الذي أجرته المدن مع الروائي والسيناريست خالد خليفة، وهنا نصه:

- لماذا اخترت أن تكتب دفتراً عن العزلة والكتابة، بدلاً من أن تكتب رواية؟ وهل أنت بصدد كتابة دفاتر عديدة ضمن هذا السياق؟

* أنا لا أتوقف عن كتابة الروايات، هناك دائماً مشروع أختبره وأفكر إن كنت سأكتبه أم لا. وفي الوقت الحالي أنا بصدد كتابة رواية جديدة. هناك كتابان "دفتران" قادمان من كتاب نسر على الطاولة المجاورة، بعد الدفتر الأول الذي كتبته على مراحل وبأوقات زمنية متباعدة على شكل فقرات وتأملات صغيرة قبل أن أقرر طباعته. في الدفترين المقبلين، سأتحدث عن أشياء كثيرة حول كتابة الرواية. وما سأكتبه لن يكون كتاباً عن الكتابة؛ وإنما كتاب عن تجربتي الشخصية في الكتابة. فلكل كاتب تجربته الخاصة، وأنا لدي رغبة في مشاركة هذه التجربة مع القرّاء. 

- "ليس سراً أنّ شغفي في الطبخ يزداد يوماً بعد آخر، وسأبقى أطلق على أطباقي تسميات غريبة. الآن لدي طبق باسم "حين أسير نحو البحر وحيداً" ولن أكشف عن مضمونه. وسأعتبر ذلك تمريناً دائماً على اقتناص عناوين الكتب". هذا ما صرحت به في أحد اللقاءات معك. "نسر على الطاولة المجاورة" عنوان غريب لافت وجذاب. حدثنا عن اهتمامك بالعناوين.

* لدي شغف بالعناوين، وأشعر بالفزع حين يكون كتابي بلا عنوان جذاب أو راضٍ عنه وموافق عليه بالحد الأدنى. لذلك العناوين قضية مهمة وليست ثانوية بالنسبة إليّ، ومن دون عنوان جذاب يبقى الكتاب ناقصاً، بالرغم من أنّ الكتابة تقول: لا يوجد كتاب مكتمل على الإطلاق والكتب ناقصة دوماً. عناوين كتبي كلها كانت خاضعة لتأملاتي الشخصية ولنقاش بيني وبين ذاتي. وأعتقد أنّ العنوان لا يرسخ في ذهن القارئ إلا بعد وقت طويل، والقارئ قد يُعجب بالعنوان في البداية ثم لاحقاً قد يكرهه والعكس صحيح.

- أنت تهتم بالجملة الأولى التي تفتتح فيها الكتابة، وتعتبر حياة الكاتب كلها مقابل جملته الأولى. هل أنت راضٍ الآن عن جُملك الأولى في كل ما كتبت؟ ولماذا هذا الاهتمام كله بالجملة الأولى؟


* أنا بشكل عام غير راضٍ عن كل كتبي، وليس فقط عن الجملة الأولى فيها، وما زال لديّ هذا الفزع من قراءة كتبي، لذلك نادراً ما تجد كتاباً لي في منزلي. وأعتقد أنّ الجملة الأولى في الكتابة، هي المفتاح الحقيقي للسرد. هناك تأملات كثيرة للجملة الأولى لكتّاب آخرين معجب فيها لدرجة تجعلني أقول: ليتني أنا من كتب هذه الجملة الأولى أو ليتَ لديّ جملة أولى بهذه القوة. أعتقد أنّ الاهتمام والجدية يبدآن من الجملة الأولى. هذا رأيي وقد لا يعني كتّاباً آخرين كما كل شيء في هذا الكتاب يعنيني فقط دون الآخرين.

- "أنتظر أنْ يحطّ نسرٌ على الطاولة المجاورة ويطلب قهوته، يجلس على كرسيه ويتأمل المارة، رغم استحالة هذا إلا أنني أنتظره، أو أنتظر فعلاً يشبهه، كحقيقة غير قابلة للجدل". ما هو الفعل الذي يشبهه وتنتظره؟

* لا أعرف فعلاً مشابهاً لجلوس نسر على الطاولة المجاورة، سوى مثلاً أن يعود صديق غالٍ من الموت، أو أن تتحقق أحلام كاملة لشعبٍ كالشعب السوري بأكمله، وبالطبع هذا مستحيل! أعتقد أنّ هذه الأحلام سواء كانت فردية أم جماعية تستحق أنْ ننتظرها ونعمل من أجلها. في حياتي ككاتب كان الخيال جزءاً أساسياً من كتابتي، لذلك كنت أرعى الخيال وأربيه كما يقول محمود درويش عن الأمل. هناك أشياء لا يمكن أنْ تتخلى عنها ككاتب مثل الخيال وهذه الأفعال المستحيلة التي أرغب بأن تحدث دوماً رغم استحالتها. 

- "في المدن المزدحمة نتأمّل الجموع من خلف زجاج المقهى. في المدن الكسولة غير المزدحمة نتأمّل الأفراد". بصفتك روائياً وكخالد خليفة هل تُفضل تأمل الأفراد أم الجموع؟ وأيّ مدينة بالنسبة إليك هي الكسولة وأيها المزدحمة؟

* شغفي في التأمل شخصي ولا علاقة له بكوني روائياً، وأنا أحب المدن المزدحمة ولدي انحياز للحياة في المدينة، في حين أن المدن والأمكنة الهادئة جداً لا أحبها سوى لمدة قصيرة. ولديّ تأمل ممزوج بالشفقة للجموع في البلدان ذات الأنظمة التوتاليتارية التي حولت البشر لتابعين ورعايا وليس إلى مواطنين، كما كتب ذات يوم فيلسوفنا الكبير أنطون مقدسي. وأيضاً أحب تأمل الأفراد من خلف زجاج المقهى، ولدي دوماً إحساس بأن شيئاً مهماً سيحدث. دمشق أعتبرها مدينة مزدحمة واللاذقية مدينة كسولة ولدي علاقة خاصة مع هاتين المدينتين.

- "الشهرة قد تودي بالكاتب إلى التهلكة، إنْ أسرف الكاتب في خسارة ذاته كجسدٍ وروح مكثفة محقّقة". كيف تعامل خالد خليفة مع الشهرة والجوائز التي نالها؟

* لستُ مقتنعاً كثيراً بشهرتي، وأرى أنها مازالت في نطاق ضيق. أما الجوائز فتعاملت معها بعدم تصديق وبحذر شديد وخفة لامتناهية، اكتشفت بأنني شخص أحب الجوائز، لكن كنت مدركاً أنه يجب عليّ نسيان أية جائزة بعد أسبوع مثلاً، ويجب ألا يتغير أي شيء في حياتي مهما كانت الجائزة كبيرة. هناك كثيرون يقولون: الجائزة مسؤولية. وبرأيي هذا كلام لا قيمة له، فالجائزة لا تضيف أي قيمة للكاتب سوى التسويق والمردود المالي إنْ وجد. لذلك أحتفل بالجوائز لمدة أسبوع ثم أنساها؛ لأني أعتبر التكريم والجائزة لكتبي وليس لي بشكل شخصي، وهذه المعادلة مريحة جداً بالنسبة إليّ، على كتبي أن تتصرف مع جوائزها بمعزل عني.

- تقول في كتابك بما معناه: أنه لم يعد يعنيك نجاح وفشل ما تكتبه ولم تعد تعنيك الجوائز. مع العلم أنّ ما لم يعد يعنيك، يُعتبر دافعاً ومحفزاً لغالبية المبدعين كي يكتبوا. ما الذي يعنيك ويدفعك للكتابة الآن؟

* ما يعنيني ويدفعني للكتابة الآن، هو ما كان سابقاً ولم يتغير، وهو أنني لا أعرف ولا أملك شيئاً آخر سوى الكتابة، ولا أريد أن أتعلم شيئاً آخر، وما تبقى من حياتي أريد أن أقضيه في مكان أحبه وهو بيت الكتابة. لست مع الشعارات واستعراض الكلام الكبير مثل أنّ الكتّاب أشخاص مميزون عن باقي البشر أو باقي المهن. وأرى أن هناك الكثير لأتعلمه في مدرسة الكتابة والطريق طويل كي أتخرج أو أنتهي من هذه المدرسة، وأظن أنه لن ينتهي هذا الشغف والتعلم إلا بنهاية حياتي.

"أكره أصدقائي الكتاب الذين ينصحون الناس غير الموهوبين بالتوقف عن الكتابة". لماذا لا تقول لمن يطلب رأيك في ما يكتبه بأنّ عليه أنْ يتوقف لأنّ ما يكتبه سيء؟

* لا أفعل ذلك لأنني لا أعتبر أنّ رأيي مهم وحاسم ونهائي، وقد يكون رأيي خاطئاً. حين تقول لشخص لا تكتب، أنت تحرمه وتصادر فرصته في أن يكتشف نفسه. هناك كثير من الكتّاب كانت بدايتهم سيئة جداً، وفي ما بعد أصبحوا كتّاباً مهمين. أنا لا أحب أن أقول أي رأي قاطع في الكتابة. هناك أعمال نتفق عليها جميعاً، لكن اتفاقنا قد يكون من زوايا مختلفة، لذلك لا يحق لأحد أن يقول لأي شخص لا تكتب، وهذا ليس ترويجاً للكتابة السيئة. أنا أقول لا تنشر بسرعة لأن النشر موضوع مختلف.

- برأيك أنّ من يبحث عن فكرة لرواية ما عليه أنْ يُعيد ذاكرة طفولته إلى الشوارع. ما هي الروايات التي كتبتها مستحضراً فكرتها من طفولتك؟

* ذاكرة الطفولة، هي النبع الحقيقي للكتابة وبالرغم من أنني لم أكتب عن ذاكرة طفولتي إلا أن هناك جزءاً من هذه الذاكرة موجود في رواية "دفاتر القرباط" و"مديح الكراهية" و"الموت عمل شاق". هناك كتب بعد الانتهاء من كتابتها، تكتشف بأنها كانت جزءاً من ذاكرة طفولتك، وهذا طبيعي لأن هذه المرحلة نقية وصافية، وهي مرحلة اكتشاف أولى، وبالتالي طعم الاكتشاف هو ما تسعى الكتابة إلى اكتشافه مرة أخرى. دوماً هناك أشياء يجب إعادة اكتشافها، الاكتشاف في الطفولة له طعم خاص، أول مرة رأيت البحر وسبحت فيه، أول مرة اكتشفت المدينة وغير ذلك. هذه الأشياء تبقى في الذاكرة للأبد حتى لو تكرر الفعل، يبقى للاكتشاف الأول طعم خاص ومختلف.

- "الشيء الوحيد الذي أعرفه عن الكتابة حتّى الآن، هو ضرورة الجلوس إلى الطاولة ساعات طويلة وبشكل ٍ يوميّ، كأيّ عامل في المصنع، على حد تعبير أرنست همنغواي". هل كان جلوسك لساعات طويلة في كل مرة يجعلك تكتب فعلاً؟ ألم يحدث أن أُصبتَ بالضجر بعد ساعة من جلوسك، وكيف كنت تتعامل مع ذلك؟

* حتى الآن، لم أكتشف قانوناً أهم من قانون الجلوس إلى الطاولة، وأعتبره أساسياً إن أردت أن تصبح كاتباً. أنا أجلس يومياً وبشكل منتظم ولوقت طويل على الطاولة كما تعرف أنتَ وباقي الأصدقاء المقربين. مما لا شك فيه، هناك ظروف لها علاقة بطبيعة حياتي اليومية تعيق جلوسي إلى الطاولة أحياناً. ثمة درس تعلمته منذ زمن طويل وهو ألا أغادر الطاولة حين أشعر بالضجر، فبمجرد أن تترك الطاولة ستترك الكتابة، هناك أيام لا أكتب فيها حرفاً واحداً رغم ذلك لا أغادر الطاولة.

- حين كتبتَ روايتك الأولى "حارس الخديعة" اعتبرت أنّ تجربتك نجحتْ، لكن الرواية فشلت في منحك لقب الروائي. هل كان نجاح التجربة أهم من لقب الروائي بالنسبة إليك؟ ولماذا؟

* الرواية لم تفشل في منحي لقب الروائي، وكانت رواية خاصة جداً، وطريقة السرد فيها أقرب للشعر من الرواية كما قيل عنها، وبالرغم من أنها نالت مديحاً من كثيرين، إلا أنه كانت فيها إشارة ناقصة بالنسبة إلى القراء الذين يريدون رواية مختلفة بأشخاص واضحين وأحداث ودراما وأمكنة وزمان. بالنسبة إليّ كانت تجربة ضرورية لتصفية الحساب مع السنوات التي كتب فيها الشعر. العمل الأول له فرادة ويحمل الكثير من المسؤولية بمنحك لقب الروائي بالنسبة للمجتمع وللثقافة والوسط الفني والنقد، وأظن أن روايتي حارس الخديعة كانت أضعف من أن تقوم بكل هذه الأدوار لذلك قلت لم تمنحني صفة الروائي. 

خالد خليفة:
روائي سوري مواليد مدينة حلب 1964، كتب العديد من الأعمال التلفزيونية مثل "سيرة آل الجلالي" "هدوء نسبي" وغيرها.. إضافة إلى الأفلام الوثائقية القصيرة، والأفلام القصيرة والروائية الطويلة. له ست روايات: "حارس الخديعة"، "دفاتر القرباط"، و"مديح الكراهية" التي رُشحت لنيل جائزة البوكر العربية، ورواية "لا سكاكين في مطابخ هذه المدينة" الفائزة بجائزة نجيب محفوظ للأدب، و"الموت عمل شاق" التي وصلت إلى اللائحة القصيرة لجائزة الكتاب الوطني الأميركي، ومن أفضل عشرة كتب مترجمة إلى الإنكليزية في السنوات العشرين الماضية من القرن الحادي والعشرين، وأيضاً إلى اللائحة القصيرة لجائزة أحسن كتاب مترجم إلى اللغة الإيطالية، ورواية "لم يُصلِّ عليهم أحد". و ترجمت رواياته إلى 17 لغة. إضافة لكتابه الجديد "نسرٌ على الطاولة المجاورة".

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها