- كيف جاءتك فكرة إنجاز فيلم عن عاملات المنازل في لبنان؟
* بدأت المشروع قبل ثماني سنوات في بنغلادش، حيث كنت أعمل على مشروع آخر. رأيت هناك أن العديد من النساء ذوات التعليم المتدني، واللواتي لا فرصة لديهن في البلد، يذهبن إلى الشرق الأوسط للعمل في الخدمة المنزلية، خصوصاً إلى لبنان. صُدمت مما قالته لي النساء العائدات. عندما يأتين إلى البلاد، يُجرَّدن من جوازات سفرهن. البعض يُحبَسن، ولا يجدن ما يكفي من الطعام.
كانت فكرتي هي مرافقة النساء الراغبات في الذهاب إلى لبنان. لذلك ذهبت إلى مركز تدريب في بنغلادش حيث يجري إعدادهن للعمل في المنازل. لكن عندما وصلت إلى بيروت، أدركت أنه لا يمكنني زيارة النساء لأنهن محتجزات.
البعض منهن لا يعرف حتى نوع العمل الذي من المفترض أن يقمن به. لأن الوكالات غالباً ما تكذب عليهن. ثم يقولون، على سبيل المثال، ستعملين في سوبرماركت. قيل لإحدى النساء مسبقاً أنها ستعمل في مكتب وسيكون لديها وقت للدراسة بعد الظهر. ثم وصلتْ، وكان من المفترض أن تنظّف شقة ولم يُسمح لها بالخروج. وهذا من ضمن الاتجار بالبشر. فالنساء يعشن كما لو كنّ في سجن.
- من أي دول تأتي النساء؟
* يأتي معظمهن من دول إفريقيا وجنوب شرقي آسيا، خصوصاً بنغلادش وسريلانكا والفليبين وإثيوبيا ونيجيريا وغامبيا والسودان.
- هل هناك أساس قانوني لهذه الأوضاع المأسوية؟
* نظام الكفالة. نشأ هذا النظام في دول الخليج في الخمسينيات من القرن الماضي، لاستقدام العمالة الأجنبية الرخيصة لفترات قصيرة إلى البلاد في أوقات الانتعاش الاقتصادي. على سبيل المثال، للعمل في صناعة النفط أو في البناء أو في المنازل. وبهذه الطريقة، يمكن طرد العمال خارج البلاد عندما لا تعود هناك حاجة إليهم. وبدلاً من منحهم تأشيرات عمل، يُدرجون تحت "كفالة" مواطن من هذه البلاد، أي وصي، شخص مسؤول قانونياً.
اعتمد لبنان هذا النظام ويستخدمه في أعمال البناء أيضاً، لكن في الغالب للعمل المنزلي.
- كيف تواصلتِ مع عاملات المنازل في لبنان؟
* كان هذا هو الجزء الأصعب. عندما أدركت أنه لا يمكنني مرافقة النساء إلى المنازل، كنت عالقة بعض الشيء في مشروعي. ثم قمت بتوسيع نطاق بحثي لمعرفة المجالات الأخرى التي يتأصّل فيها هذا النظام. وهذه تشمل الوكالات ووزارة العمل. أجريت الكثير من المقابلات وتمكّنت من الوصول ببطء إلى المجتمع اللبناني وبعض المنازل. المنازل التي تراها في الفيلم تنتمي إلى عائلات تعامل عمالها المنزليين بشكل جيد نسبياً. ومع ذلك، فهم جزء من نظام سائد.
استغرق الأمر وقتاً طويلاً لإقناع العائلات بالسماح لي بالتصوير هناك. التقيت بهن بشكل متكرر، وشربت معهن الكثير من القهوة، وسجّلت العديد من المقابلات فقط باستخدام ميكروفون حتى تظلّ هوياتهن مجهولة. في ظلّ هذه الظروف، كانت الكثيرات على استعداد للتحدث.
- هناك أيضاً مشهد في الفيلم، سيدات لبنانيات يجلسن حول طاولة القهوة، ويتحدثن عن عاملات منازلهن. كيف تمكّنت من ذلك؟
* هذه عائلة التقيت بها كثيراً لأنني كنت أعرف ابنتهم. هكذا تعرّفت على الأمّ، التي هي ضد النظام نسبياً، من ناحية، لكنها من ناحية أخرى تقع في مركزه أيضاً. لا تحبّ هذه الطريقة في توظيف العمالة المنزلية، لكنها تعتقد أنها الطريقة الوحيدة في لبنان.
كنت أعلم أن النساء اللبنانيات يتحدثن كثيراً عن عاملات المنازل. "ﺳرﻳﻼﻧﻛﻳﺗﻲ" أو "الفلبينية تبعتي"، هكذا يتحدثن. لهذا سألت والدة صديقتي إذا كان بإمكانها دعوة بعض معارفها والتحدث إليهن عن تجربتهن. ثم اتصلتْ بأختها. إحداهما لا تريد خادمة منزلية، والأخرى تريد خادمة "حقيقية". اقترحت الموضوع، لكنهن ناقشنه بعد ذلك كما يفعلن في العادة. كانت محادثة حقيقية.
المثير للاهتمام، أنهن لا يدركن حتى مدى عنصريتهن في ذلك. يعتقد البعض منهن أنهن "مَدام" مثالية، كما يُطلق على أصحاب العمل. لكنهن في الوقت نفسه يتبعن هذا النظام الاستغلالي والعنصري. بحسب الجنسية، يدفعون للمرأة أكثر أو أقل. تحصل الفلبينيات على 400 دولار لأنهن يتحدثن الإنكليزية. تحصل المرأة الأفريقية على 300، والنساء من بنغلادش أو الهند أو سريلانكا تحصل على 150 أو 200 دولار.
- هل لاحظت أي تغييرات منذ أن بدأت مشروعك؟ على سبيل المثال، في فيلمك تظهر وقفات احتجاجية للعاملات المنزليات...
* لقد رأيت بالفعل اختلافات. عندما كنت في بيروت للمرة الأولى، لم تكن هناك تظاهرات. لم يكن هناك سوى عدد قليل من المنظمات غير الحكومية التي تتعامل مع هذه القضية. لكن الآن هناك العديد من المؤسسات التي تعمل على إلغاء نظام الكفالة. لذلك هناك بعض الأمل.
لكن الحكومة غير مهتمة بالتغيير، فهي مشغولة بأمور أخرى، مثل احتجاجات 2019 أو كارثة انفجار مرفأ بيروت في العام 2020 أو الأزمة الاقتصادية في البلاد.
الشيء الوحيد الذي تحقّق حتى الآن هو مسودة عَقد لإقرار حدّ أدنى من الحقوق لعاملات المنازل. من بينها، على سبيل المثال، يوم عطلة في الأسبوع، وحدّ أدنى للراتب، وتعيين الحدّ الأقصى للعمل لثماني ساعات في اليوم. لكن لا توجد وكالة تنفّذ أياً من هذا.
- كيف تمكّنتِ من تحقيق الفيلم؟
* قمت بتمويل كل شيء بنفسي في البداية. كلما كان لدي ما يكفي من المال، كنت أعود إلى لبنان للتصوير. حصلت لاحقاً على منحة من مجلس الشيوخ في برلين لتطوير المادة، كما حصلت على إقامة فنية لمدة ثلاثة أشهر في لبنان بدعم من معهد غوته. ثم حصلنا على تمويل من النمسا جعل مرحلة ما بعد الإنتاج ممكنة.
حتى تلك النقطة، كانت تقلّبات كبيرة. لم أبدأ في المونتاج إلا بعد انتشار الجائحة. وبسببها لم يعد ممكناً العودة إلى لبنان. أعتقد أنني لو استمريت في البحث، ربما لما انتهيت أبداً.
(**) روزر كوريلا (برشلونة، 1978) هي صانعة أفلام وثائقية مستقلة تقيم حالياً في برلين. بعدما نالت شهادتها في الفنون البصرية من جامعة برشلونة، أكملت دراستها في مدرسة الفنون Städelschule في فرانكفورت وفي المدرسة الدولية للسينما والتلفزيون في كوبا. بدأت مسيرتها المهنية كصحافية فيديو للتلفزيون الكتالوني، لكن اهتمامها بالقصص الإنسانية وراء القضايا العالمية دفعها لبدء الإنتاج الذاتي وتطوير رؤية شخصية في مجال الأفلام الوثائقية. من بين أمور أخرى، صنعت أفلاماً حول الرموز القانونية التقليدية في ألبانيا والاختطاف وطقوس الزفاف في قيرغيزستان. عُرضت أعمالها في المهرجانات السينمائية الدولية، بما في ذلك "دوك لايبزغ" و"ريكيافيك" و"شنغهاي" و"الجزيرة".
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها