قبل أيام، انتشرت في "فايسبوك"، صورة ماريكا سبيريدون، فتاة الهوى اليونانية الشهيرة في شارع المتنبي البيروتي البائد، والتي لطالما سمعنا عنها، ورأينا لوحة بيتها واسمها، لكننا لم نر وجهها، نحن الجيل الجديد إذا جاز التعبير... قرأنا حكايتها وبقيت أشبه بالبطلة الروائية المتخيلة، إلى أن غدت نوعاً من مجدَلية جديدة في استنتاج أحد الروائيين...
وأن نرى صورتها ممددة على السرير، بثياب داخلية سوداء، كأن هالتها الغامضة تتبدد نسبياً، ويشتغل الوضوح في حكايتها التي لطالما كانت واضحة وغامضة في الآن معاً، اذ تنسب إليها أساطير اجتماعية من دون أن نعرف حقيقة ما يقال عنها، أو ترويه بنفسها وبلسانها، هي التي، كما يقال، لم تكن تحب الاعلام والأضواء، لكنها كانت في الأذهان...
واللافت أن صاحبة الصورة تحولت في لحظة إلى تيمة لقراءة بؤس الحاضر وهوانه. كتب بيار عطالله "يا حرام هالمعترة ماريكا شو ظلموها... مقارنة مع السياسيين اللي عنا بتطلع قديسة، شكراً لمن اكتشف الصورة او نشرها". وكتب صبحي أمهز: "ماريكا موحدة شطري العاصمة في زمن الحرب"، وعلقت هند عمرو: "حكمت(ماريكا) البلد وفتوات بيروت والمحافظات كانوا حراس شارعها"...
كانت ماريكا في شارع المتنبي أو "سوق الأوادم"، تدير مبغى أو بيت متعة أو بار في عمارة باروكية، جدرانها الداخلية مطلية بالأصفر والزهري، يوم كان للبغاء رخصة وتنظيم في الجمهورية اللبنانية... كتب الباحث الاجتماعي سمير خلف تحقيقاً عن بائعات الهوى في بيروت في عدد قديم من مجلة "حوار" يعود إلى العام 1964، ويقول إن عزل المومسات في مباغ خاصة يدل على عقلية تشبه عقلية القرون الوسطى. فبالإضافة الى الجو المزعج الذي يسود مثل هذه البيوت العمومية، وبشكل خاص الإحساس بالعبودية والوسائل المتبعة في اصطياد الضحايا، فإن هذا العزل ولّد عند الناس عداء أصيلاً تجاه المومس العمومية ومهنتها، فالموقف السائد بين الناس تجاه المومس يتصف بالنفور والاشمئزاز الراسخ". لكن ماريكا المنبوذة، مارست غواية على الكتابة، لم تكن سوى مومس عرفت ان تميز بين مهنتها وقلبها. ولم تعط قلبها إلا لرجل واحد أحبته.
من الكليشيهات الكيتشية التي تقال عنها إنها كانت تذهب إلى قداس يوم الأحد في الكنيسة الأرثوذكسية، وإنها أهدت إحدى أجمل الثريات إلى الكنيسة، لكن الحرب دمرت شارع المتنبي بكل ما فيه، حتى ماريكا التي ماتت وحيدة ومعزولة في منزلها الصغير في فرن الشباك.
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها