صدر عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات كتاب السير نحو الهاوية: ملاحظات وتأملات شخصية حول سقوط فلسطين، وهو من تأليف السياسي الفلسطيني أنور نسيبة، الذي أدى دورًا بارزًا في الدفاع عن فلسطين ومسقط رأسه القدس منذ السنوات الأولى للاحتلال الإسرائيلي، وبداية ما سُمّي "النكبة" واحتلال الجزء الأكبر من فلسطين، ومن ضمنه الشطر الغربي من القدس، ثم وصولًا إلى احتلال الشطر الشرقي من المدينة وكامل فلسطين التاريخية. وهذا الكتاب نوع من المذكرات، التي تنقسم إلى أنواع عدة، وتُعتبر بالنسبة إلى المؤرخين مصدرًا للمعلومات بالغ الأهمية، شرط خلوّها من أيّ تحوير، وقراءتها قراءةً نقدية. وفي هذا الصدد، تُعدّ مذكرات نسيبة من النوع الاسترجاعي (تسترجع أحداث وقائع معيّنة)، إذ تقفز في الزمن إلى ما قبل احتلال فلسطين بعام؛ أي إلى عام صدور قرار تقسيم فلسطين (1947) وما تلاه من مجازر صهيونية وأحداث جسام، وتركّز - كما يُوحي عنوانها - على ظروف سقوط فلسطين وأسبابه والشخصيات المتسببة فيه. أما من الناحية النقدية، فعلى الرغم مما قد يترتب على غياب نسيبة في قلب أحداث مذكراته، وإن كان شاهدًا عليها، من ضعف في موثوقيتها علميًّا، فإن تناولها من ناشط سياسي بارز، مثل نسيبة، يُكسب مادتها أهمية لا يمكن تجاهلها. يحتوي الكتاب على عشرة فصول غير معنونة، ويقع في 264 صفحة، شاملةً ببليوغرافيا وفهرسًا عامًّا. وقدمه عصام نصار.
دوّن نسيبة مذكراته هذه باللغة الإنكليزية في عام 1949، وفقًا لإشارته فيها إلى أن ابنه زكي (1946-) كان عمره وقت كتابتها ثلاث سنوات، وترجمتها عائلته إلى العربية، ثم سلّمتها بهدف نشرها إلى المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، الذي قام بمراجعتها ومقابلتها بالنسخة الأصلية ووضع هوامش إيضاحية وتراجم لها.
الإخفاق الفلسطيني والعربي
تتمحور المذكرات أساسًا حول الحديث عن عجز القوى العربية والفلسطينية في مواجهة التحديات الصهيونية، فقد أرادها نسيبة أن تكون جردةَ حساب للإخفاقات المساهِمة في تضييع فلسطين وتشريد شعبها، ومحاكَمةً للشخصيات المشاركِة في ذلك بسلوكياتها، ولأسباب الفشل الفلسطيني والعربي في المعركة الحاسمة آنذاك، وغياب العرب عن المحافل الدولية الباحثة مصير فلسطين، وحتى عن اللجنة التي شُكّلت للحل إثر انسحاب بريطانيا وتحويل قضية فلسطين إلى الأمم المتحدة، وضمّت عشر دول ليس بينها واحدة عربية، والتي استمر خلال عملها التدفق اليهودي إلى فلسطين، وأسفر تقريرها المسلَّم إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة عن اعتماد الأخيرة قرار تقسيم فلسطين، وهو قرار قدح زناد همّة نسيبة على كتابة مذكراته، كما يصرّح فيها. وكشف فيها الدور الدولي المتآمر، والموقف الفلسطيني الضعيف والمتذبذب وغير الواضح وغير الحاسم من قرار التقسيم، إضافةً إلى الدور العربي سياسيًّا وعسكريًّا (المتمثل في جيش الإنقاذ) الذي ساهم إلى حد بعيد في ضياع فلسطين، ليس من ناحية وهن التسليح مقارنةً بالصهاينة فحسب، بل من حيث تشرذم فعالياته القتالية، وضعف تنظيمه وتدريبه، فضلًا عن الخلاف حول القيادة بين الفلسطينيين والعرب، ونفور الفلسطينيين من قادة عرب على مناطقهم لم يدوسوا أرض فلسطين سابقًا، وعدم استبسال بعضهم في الدفاع عن الأراضي. وتحتوي المذكرات، علاوة على الإشارات المتكررة إلى التفاصيل المختلفة للإخفاقات العربية في فلسطين، على سرد مطوّل عن الدورين البريطاني والصهيوني في الأحداث، وتروي وقائع مؤلمة لكل فلسطيني وعربي، وأهمها سقوط القدس والمدن الفلسطينية، والتحوّلات الجغرافية والديموغرافية نتيجة للاحتلال الصهيوني.
عنوان خير عاكس للمضمون
تشكّل هذه المذكرات وثيقة مهمة تضيف إلى المخزون المعرفي لكل مهتم بالقضية الفلسطينية معلومات عن الإخفاق العربي والفلسطيني في مواجهة التحدي الصهيوني، وما عنوانها السير نحو الهاوية إلا مرآة لمضمونها. وتهدف إلى توثيق أحوال فلسطين بعد قرار التقسيم، وأحداثٍ في القدس في عام النكبة وبعده، مع الإضاءة على تاريخ الحركة الوطنية والاستشهاد بأقوال مشاركين في صنعه، وعلى الدور العربي في فلسطين، وبعض جرائم الانتداب البريطاني، وهو توثيق يضفي عليه صدقيةً ما شغله نسيبة من مناصب، فقد كان أمينًا عامًّا للجنة القومية في القدس، والأمين العام لحكومة عموم فلسطين برئاسة أحمد عبد الباقي، وعضوًا عن القدس في مجلسَي الأعيان والنواب الأردنيَّين في فترات مختلفة، وممثلًا للأردن في لجنة الهدنة الأردنية - الإسرائيلية، ووزيرًا مرتين - للإنشاء والتعمير وللدفاع - في الحكومة الأردنية، وسفيرًا للأردن في المملكة المتحدة، ثم محافظًا لمدينة القدس.
أنور نسيبة (1913-1986)
درس الحقوق في جامعة كامبردج، وتخرّج فيها العام 1934. عُيّن قاضيًا في حكومة الانتداب البريطانية في مدن فلسطينية عدة، ثم افتتح مكتبًا للمحاماة في القدس. انتُخب أمين سر اللجنة القومية في القدس في عام 1948. وعند إعلان حكومة عموم فلسطين، عُيّن سكرتيرًا لها. شارك عن الأردن في لجنة الهدنة. انتُخب نائبًا عن القدس في مجلس النواب الأردني، وشغل عضوية مجلس الأعيان أكثر من مرة. تولّى منصب وزير في فترات مختلفة بين عامَي 1952 و1955. وعُيّن محافظًا للقدس وحارسًا للأماكن المقدسة فيها بين عامَي 1962 و1965، ثم سفيرًا للأردن لدى المملكة المتحدة حتى عام 1967. شغل عضوية الهيئة الإسلامية العليا التي هدفت إلى الحفاظ على المقدسات والأوقاف الإسلامية.
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها