نال الحدث كثيراً من التعليقات في الجانب المعارض للنظام، ليس من باب الاعتراض على أولوية مركز ثقافي في مساكن الحرس، ولا على أماكن هي في أمسّ الحاجة لحاجات مصيرية، فمن قلّة العقل الحديث عن أولويات عندما يتعلق الأمر بـ"الحرس الجمهوري". بل ربما لأن الفيديو يلخص الحكاية برمتها. كل شيء للعسكر في هذه البلاد. وما الثقافة، وسواها، سوى "ظلّ الجنودِ على ساحل الأبيض المتوسط"، كما يقول محمود درويش.
اللباس العسكري طاغ على الاحتفال، وهو ليس فقط لممثلي "الدفاع" و"الحرس" ومرافقيهم وذوي الموسيقيين والمغنين ورواد المركز. بل هو كذلك لباس للكلمات والخطابات والأغاني والصور. "صباح الخير يا وطني"، "بكتب اسمك يا بلادي"، "طير الحرية".. كلها سترتدي البذلة المرقطة.
هنا تستعاد المعزوفة الأزلية بخصوص تجاور البندقية والقلم، بل ستذهب المعزوفة أبعد قليلاً، بحسب ممثل وزير الدفاع الذي قال: "اسمحوا لي أن أتباين مع العرف الذي يقول بأن ثمة تنافراً بين البندقية والكلمة، فإذا كان هناك من بوصلة وجهت البندقية فهي الفكر العسكري". ليست أي كلمة إذاً، فالكلمة هنا تتلخص في "الفكر العسكري"، وقد "أضاف إليه رجال الجيش العربي السوري بصمة جديدة اسمها بصمة جنود القائد المفدى…".
لا يترك الخطاب هنا شيئاً للتأويل، ولا للتخمين. إنه شديد الوضوح. فبعد الحديث عن "الفكر العسكري"، ستأتي الخلاصة: "إن باكورة الانتصارات، باكورة دوران عجلة الحسم الميداني كانت في بابا عمرو، حيث كان رجال الله، رجال الحرس الجمهوري".
وأضاف الخطيب العسكري "بابا عمرو الذي كانوا يقولون عنه: تسقط واشنطن ولا تسقط بابا عمرو". عادت (التأنيث من الأصل، في كلمة ممثل وزير الدفاع) بابا عمرو إلى حضن الوطن وسقطت واشنطن في بابا عمرو، وها هي واشنطن تسقط من جديد، وستسقط في كل موقعة طالما لدينا أمثال هؤلاء الأباة، طالما لدينا أحفاد وحفيدات حافظ الأسد، قُدّس سره، وصلاح الدين وحفيدات زنوبيا والخنساء وجنود القائد المفدى..".
اللواء حسن أحمد حسن، مدير الإدارة السياسية، اختتم كلمته بالقول: "لا أذيع سراً إذا قلت إن المراكز الثقافية هي من أجل ترسيخ ثقافة الشهادة، فضلاً عن بقية الدورات، الخياطة والدورات التعليمية وكل ما له علاقة بالثقافة الشعبية".
يفصح الخطيب عن سعادته بأن باكورة مشاريع المراكز الثقافية بدأت بذاك "العرين"، وهنا بالضبط يتذكر باكورة انتصارات من يسميهم "رجال الله" في
حي بابا عمرو. إن نموذجه لـ"عناق البندقية والقلم"، ذلك "الانتصار" على الحي الذي يبلغ أكثر من ثلاثين ألف نسمة هُجّروا بالكامل، بعد ارتكاب مجازر جماعية وتدمير الحي بأكمله تقريباً. ولعلها مناسبة، ما دام الحديث عن الثقافة والبندقية. للتذكير: انظروا كيف يباد حيّ، ويُهجّر أهلوه، ثم تؤخذ فرقته المسرحية "إشبيلية" من أُذنها، كي تهرّج لمن تبقى من جمهور الأحياء الأخرى برعاية "حزب البعث".
يمثل هذا الفيديو، الممهور بخاتم ولوغو "الإدارة السياسية"، الاستراتيجية الثقافية لما بعد "النصر"، حيث تلتقي البذلة العسكرية، والكلام ذو المرجعية الطائفية (لا ندري إن كانت عبارة "حافظ الأسد قدّس سرّه" سيجري اعتمادها رسمياً في مختلف المرافق والمؤسسات والشعارات المدرسية)، بالإضافة إلى هذا الافتخار غير المحدود بمجزرة للتاريخ.
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها