تعاطى الكتاب مع ترامب بطريقته الفضائحيّة، بدا أنسب لشخصيّته، استفزّه في جحره، وهو الذي لا يخفي احتقاره للكتّاب والكتب، وجد نفسه في موقف محرج، وصف كتاب وولف بأنّه مليء بالأكاذيب، كما أنّه لم يستطع التحكّم بغضبه تجاهه. وربّما يخطر لترامب أن يصبح كاتباً، أو يؤلّف كتاباً يجمع فيه تغريداته على التويتر، وتصريحاته المتخبّطة، بحيث يصبح كتابه نكتته الأكثر شهرة وفضيحته المدوّية الجديدة، ويكون أشبه بكتاب القذافي الأخضر الذي يظلّ نكتة صاحبه الأشدّ فكاهة. وليس هناك ما هو مستغرب من ترامب الذي يصف نفسه بالعبقريّ. – يا للمفارقة! كثير من المجانين يعتبرون أنفسهم عباقرة، لكن ليس هناك عبقريّ حقيقيّ يزعم أنّه عبقريّ أو يجهر بذلك-.
بالعودة إلى حالة الغضب التي كانت قد سادت أجواء مثقّفين وفنانين في الولايات المتّحدة أثناء الانتخابات الأميركية، نجد أنّ الغضب ذاك تبدّد، أو تحوّل إلى تهدئة، وتقبّل للفجيعة، وللأمر الواقع، وفرض تعاطياً جديداً معه، بحيث تمّ احتواؤه، وتحويره وتوجيهه إلى جانب آخر.
كان الروائيّ النيجيريّ وول سوينكا الحائز جائزة نوبل سنة 1986 قد أطلق تصريحاً ضدّ ترامب وهدّد بأنه سيهجر أميركا في حال اختيار ترامب رئيساً، وهو تصريح عبّر عن موقف إنسانيّ ضدّ الظلم والعداء والترهيب من الآخر المختلف، وعكس قوة الثقافة المفروضة في مواجهة موجات الكراهية وخطابات العنصرية ضد المهاجرين، وأشار إلى تبنّي الكاتب لتيار العقلانية والإنسانية لا البراغماتية السياسية. وقد تناقلت الأخبار خبر مغادرته لاحقاً. غادر ولم يختر البقاء والمقاومة في ملعب ترامب نفسه.
كما كان هناك فنّانون ومشاهير شاركوا في حملة مناهضة ترامب ومنهم الممثل الشهير روبرتو دي نيرو، وبراين كرانستون، صامويل إل جاكسون، مايلي سايرس، باربرا سترايسند، لينا دونام، آمي شومر، جون ستيوارت، تشيلسي هاندلر، ووبي غولدبرغ، وغيرهم ممّن أعلنوا مواقفهم الصريحة والواضحة ضدّ ترامب وتوجّهاته وسياساته وشعبويّته، لكنهم في النهاية ظلوا أصواتاً مؤثرة في دائرة صغيرة وهذا ما أثبتته نتائج الانتخابات التي أوصلت ترامب إلى قيادة البيت الأبيض.
أين هؤلاء اليوم وهل أذعنوا للتيّار الترامبيّ الغاضب المترنّح أم أنّهم ما زالوا يقاومون بطريقتهم في الملعب نفسه أيضاً؟
هنا، ربما تكون الجملة التي استهلّ بها أمين معلوف كتابه "اختلال العالم" أكثر دلالة اليوم وأكثر تجلّياً وتجسداً على أرض الواقع حين قال: "دخلنا القرن الجديد بلا بوصلة". إذ إنّ القرن الذي بدأ بحروب شنها الأميركيون على أفغانستان ثم العراق ينذر بما هو أخطر في ظل السياسات المعلنة، وفي ظل الحروب المحتدمة في منطقة الشرق الأوسط، والاستقطابات العالمية والأزمات التي تعصف بأكثر من منطقة في العالم الذي يمضي بقوة في درب اختلاله المكشوف.
يكشف الغضب المستعر في داخل البيت الأميركيّ بعض الأسرار تباعاً، ويبدو أنّ المسلسل الأميركيّ الشهير "the house of cards" يتمظهر على أرض الواقع في "حفلة التفاهة" بحلّة ترامبيّة تتداخل فيها النقائض كشخصيّته نفسها.
اشترك معنا في نشرة المدن الدورية لتبقى على اتصال دائم بالحدث
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها