يتكرر المشهد المأساوي الذي يعانيه الفلسطينيون الهاربون من جحيم الحرب في سوريا في شتى أماكن نزوحهم وعلى امتداد خريطة الهجرة الجديدة الخاصة بهم، والتي شملت دولاً عربية عديدة على رأسها لبنان والأردن ومصر فكان نصيب مصر منهم حوالي 10 آلاف لاجئ فلسطيني هارب من لهيب الصراع في سوريا وعليها؛ إلى حضن مصر "الجديدة" ما بعد الثورة. ولكن تمنياتهم وآمالهم بالأمان المفقود والعيش الكريم ذهبت كلها أدراج الرياح ما أن وطأت أقدامهم أرضها وبدأوا يخطون بأنفسهم فصول التغريبة الفلسطينية الجديدة في البيئة المصرية، بعد أن وجدوا أنفسهم يواجهون ظروفاً معيشية قاسية وأوضاعا ً انسانية سيئة للغاية واهمالاً شبه كامل من الجهات الرسمية المصرية والفلسطينية والدولية على حد سواء.
في مصر "عبد الناصر" كان الفلسطيني يعامل معاملة المواطن المصري ولذلك لا تعتبر مصر من الدول التي تعمل بها "الأونروا" بالرغم من وجود مكتب لها في القاهرة. لكن مهماته مقتصرة على ان يكون مركز "ارتباط وتنسيق" بينها وبين السلطات المصرية وجامعة الدول العربية لايصال مساعداتها الى قطاع غزة بحسب الموقع الرسمي لها. وعملها لم يتغير بتغير معاملة اللاجئ الفلسطيني على الأراضي المصرية بعد أن أصبح "ضيفاً غير مرغوب فيه " في زمن حكم السادات وحتى الآن.
وفوق كل معاناة الفلسطينيين القادمين من سوريا وما واجهوه من الصعوبات الكبيرة حتى وصلوا إلى أراضيها تقوم السطات المصرية بمنحهم تأشيرة "سياحية" و كأنهم قادمون في اجازة وليس هربا ً من الموت. وهي بذلك لا تعترف ولا تريد أن تعترف بأنهم لاجئون وفق القانون الدولي واتفاقية العام 1951 الخاصة بحقوق اللاجئين وحمايتهم التي وقعت عليها مصر، بل على العكس طالبها التقرير السنوي لهذا العام الصادر عن "هيومان رايتس ووتش " بعدم طرد اللاجئين الفلسطينيين من أراضيها بعد رصد عدد من الحالات المتعلقة بهذا الخصوص، وبحسب تقرير المرصد الفلسطيني لحقوق الانسان/سوريا والصادر بتاريخ 1 آيار 2013 تتجلى معاناة الفلسطينيين السوريين في مصر في النواحي التالية:
اولاً :حرمان اللاجئين وعدم استفادتهم من خدمات الاونروا.
ثانياً: رفض المفوضية السامية لشؤون اللاجئين تسجيلهم بصفة لاجىء لديها خلافاً لنظامها الداخلي الذي يوجب عليها توفير الحماية القانونية للاجئين الذين لا يتلقون اي مساعدة من احدى وكالات الامم المتحدة، وهو ما ينطبق عليهم بسبب عدم تلقيهم لاي مساعدة من الاونروا في جمهورية مصر. وتبرير المفوضية رفضها لعملية التسجيل بسبب رفض الحكومة المصرية تدخل المفوضية على هذا الصعيد.
ثالثاً : رغم القرار الرسمي المصري بمعاملة اللاجئ الفلسطيني معاملة اللاجئ السوري على صعيد منح الاقامات، إلا أن ثمة صعوبات وتعقيدات ادارية ادت الى حرمان اكثرية اللاجئين الفلسطينيين من الحصول على الاقامة، لا سيما انه وبحسب القانون المصري يجب ترحيل كل من يخالف شروط الاقامة السياحية وهي لا تزيد بالنسبة للفلسطيني عن شهر واحد، مما يهدد حياة من لم يتمكنوا من الحصول على الاقامة بالترحيل والطرد.
رابعاً : تفاقم الاوضاع المعيشية للاسر الفلسطينية النازحة الى مصر بسبب غياب شبه تام للمساعدات الاغاثية والطبية ولكل اشكال العون والمساعدة، حيث لم يتلقوا سوى مساعدة شهرية واحدة من السفارة الفلسطينية، ولم تتم تسوية اوضاع الطلاب الجامعيين الذين حرموا من التسجيل في الجامعات المصرية .
وللمطالبة بحقوقهم التي كانوا يتمتعون بها بشكل بديهي في سوريا وخسروا الكثير منها ان لم يكن كلها خلال نزوحهم، وبعد ما أصبح الوضع لا يحتمل بالنسبة لهم، أقاموا انطلاقاً من 23 نيسان الماضي اعتصاما ً أمام السفارة الفلسطينية بالقاهرة باعتبارها المسؤولة عنهم والمعنية بحل مشكلاتهم ومعالجة أوضاعهم القانونية والمعيشية، فما كان من السفارة إلا أن طلبت مهلة عشرة أيام وبعد مضي هذه الفترة لم يجدوا شيئا ً تغير لديهم فعادوا من جديد.
ومع تاريخ ذكرى النكبة 15/5 نفذوا اعتصاما ً أمام السفارة الفلسطينية بالقاهرة والتي سبقتهم بوضع سياراتها أمام بابها لمنع المعتصمين من دخول حرم السفارة وكانت ابرز مطالبهم إقالة السفيرالفلسطيني بركات الفرا الذي اعتبروه أهمل قضيتهم وحاول التحايل عليهم؛ اضافة إلى المطالبة بمعاملتهم على قدم المساواة مع أشقائهم النازحيين السوريين واعتبارهم لاجئين معترف بهم في المفوضية السامية للاجئين لا سواحا ً في مصر.
المعاناة الكبيرة والظروف المعيشية القاسية والمعاملة القانونية " التمييزية " بين النازحين السوريين والفلسطينيين واهمال اوضاعهم التي تشابه إلى حد كبير نكبتهم الأولى في الخروج من فلسطين مع نكبتهم الثانية في الخروج من سوريا: هذا ما دفعهم لأن يكون اعتصامهم الموجه إلى جميع الجهات المعنية يحمل عنوان " لا تقتلونا مرتين ".