الأربعاء 2024/11/20

آخر تحديث: 13:56 (بيروت)

عن خطة الضمّ الإسرائيلية للضفة الغربية

الأربعاء 2024/11/20
عن خطة الضمّ الإسرائيلية للضفة الغربية
© Getty
increase حجم الخط decrease
دعا رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى إعادة طرح خطة ضمّ الضفة العربية، على جدول الأعمال الحكومي مؤسساتياً وسياسياً وإعلامياً، بينما اعتبر وزير المالية مسؤول الاستيطان في وزارة الدفاع بتسئلئيل سموتريتش، العام القادم 2025، عام فرض السيادة على الضفة الغربية، إثر فوز دونالد ترامب بالانتخابات الرئاسية الأميركية، وعودته القوية إلى البيت الأبيض، وهيمنة الحزب الجمهوري على الكونغرس بمجلسيه، واختيار الرئيس المنتخب فريقاً سياسياً أمنياً من عتاة المؤيدين لإسرائيل، ومعتنقي الرواية الصهيونية في أشد أبعادها تطرّفاً، ومؤيدي الضمّ وفرض السيادة على الضفة، وناكري الاحتلال والاستيطان فيها، وحتى وجود الشعب الفلسطيني نفسه، الأمر الذي لن يمر بسهولة وستكون له تداعيات سلبية هائلة ومتعددة المستويات حتى على وجود الدولة العبرية نفسها.

إذاً، دعا نتنياهو إلى إعادة وضع خطة ضمّ الضفة الغربية على جدول الأعمال الداخلي استعداداً وملاقاةً لما وصفها بالعودة التاريخية لصديقه ترامب إلى البيت الأبيض، واختياره فريق داعم لإسرائيل والرواية الصهيونية بلا حدود، وفي أشد أبعادها تطرّفاً دينياً وتاريخياً، وهو نفس ما ذهب إليه سموتريتش ولكن مستخدماً مصطلح فرض السيادة للتمايز عن نتنياهو - الذي يناور برفع السقف للحصول على مقابل في غزة والضفة والمنطقة عموماً - على اعتبار إنها - أي الضفة - أرض إسرائيلية وملك للشعب اليهودي. ولذلك يتعلق الأمر باستعادة السيادة الكاملة عليها لا ضمّها وكأنها أرضاً مملوكة لشعب آخر.
وفيما يخص مناورة نتنياهو، فهو يرفع السقف بطرحه خطة ضم الضفة كلها لكنه يسعى أساساً للمقايضة وإظهار تنازل شكلي، والقبول بضمّ مناطق "C"، التي تمثل أكثر من نصف مساحة الضفة - 60 في المئة - بينما يسعى سموترتيش إلى فرض السيادة على الضفة كلها بما فيها مناطق "A" و"B"، الخاضعة لسيطرة السلطة الفلسطينية، وضمنياً تعني هذه الخطوة دفع السلطة إلى الانهيار أو بالحد الأدنى التعاطي معها كسلطة بلدية ذاتية - دون جوهر توافق سياسي - تدير معازل وجزر تابعة لأرض إسرائيل المزعومة وخاضعة تماماً لسلطاتها وخططها ومشاريعها.

وعليه، تتمثل المعضلة الأساسية هنا بكيفية تصرف إسرائيل مع 3 ملايين مواطن فلسطيني في الضفة، لا يستسلمون ومتمسكون بهويتهم الوطنية، وصامدون يمارسون المقاومة بكافة أشكالها وأساليبها، بما فيها فعل الصمود نفسه.
هنا أيضاً لا بد من التذكير بالعلاقة وارتباط خطة الضمّ أو فرض السيادة على الضفة، بالحرب في غزة، وإصرار رئيس الوزراء السابق إيهود أولمرت، على أن غزة على أهمية وخطورة ما يجري فيها ليست سوى قنبلة دخان لتحالف نتنياهو – سموتريتش، للفت الانتباه عما يجري في الضفة الغربية باعتبارها الهدف المركزي لهم حتى قبل فوز ترامب بالانتخابات.
هذا يعني ببساطة وفي حالة تنفيذ خطة الضمّ وبدون الانفصال عن الفلسطينيين، أن إسرائيل ستفقد يهوديتها أو ديمقراطيتها، حسب تعبير رئيس الوزراء السابق إيهود بارك، بمعنى أنها ستصبح دولة ثنائية القومية، وستفقد يهوديتها مع غالبية عربية فلسطينية بين النهر والبحر، أو ديمقراطيتها مع تحوّلها إلى دولة فصل عنصري، وخسارة بيئتها الحاضنة بالغرب حتى بالولايات المتحدة نفسها، ما يعني بالحالتين التفكك والاندثار والزوال، خصوصاً بظل تراجع الدعم للدولة العبرية وسط الجالية اليهودية في الولايات المتحدة، والتي تعارض في معظمها المنحى المتطرف للحكومة الحالية، وتدعم حلّ الدولتين باعتباره يصب أساساً في مصلحة إسرائيل ووجودها كدولة يهودية ديمقراطية.

بالاتجاه نفسه، ذهب ريتشارد هاس، أحد أهم المفكرين في واشنطن، ومسؤول التخطيط السابق في وزارة الخارجية، وهو جمهوري تقليدي، متبنّياً الفكرة نفسها، حيث لن تكون إسرائيل دولة يهودية وديمقراطية وستعاني على مستويات عدة سياسية واقتصادية وأمنية في حالة السيطرة الفعلية على الضفة الغربية.
وفيما يخص معضلة غزة، وهل سيتم فرض حكم عسكري أو تركها لحالها – لا معلّقة ولا مطلقة – والاكتفاء بالسيطرة الأمنية عليها كما قالت صحيفة "هآرتس"، الخميس الماضي، مع إقامة حواجز عبر استنساخ ممر نتساريم أربع مرات في طول وعرض القطاع، للتحكم بالحركة أو التدخل المحدود عند اللزوم حفاظاً على الواقع الراهن، ما يعني من جهة أخرى التورّط والتوحل والذهاب مع الوقت باتجاه فرض حكم عسكري مباشر أو سيادة كاملة، كما يطالب سموتريتش، وبالتالي زيادة أكثر من 2 مليون فلسطيني، على 3 مليون في الضفة، ومليون وربع من عرب 48 .
وبالنسبة لردّ فعل ترامب، فربما لن يدعم الضمّ كونه قراراً إسرائيلياً صرفاً، لكنه لا يدعم حلّ الدولتين باعتباره غير واقعي ومتقادم كما قال سفيره المعين في تل أبيب، الصهيوني مايك هاكابي.

وفي كل الأحوال، يبدو من الصعوبة بمكان أن تقدم حكومة نتنياهو على الضمّ وفرض السيادة، دون ضوء أخضر أو برتقالي بالحد الأدنى من الإدارة الأميركية الجديدة.
وفي السياق، ثمة علاقة أيضاً لخطة الضم والموقف الأميركي منها بالتطبيع مع الدول العربية، ومواصلة الاتفاقيات الإبراهيمية، وصولاً إلى ما يوصف بالهدف أو الحلم الاستراتيجي بالتطبيع بين السعودية وإسرائيل، بينما تصرّ الرياض على شرط إقامة دولة فلسطينية وبالحد الأدنى خلق أفق ومسار جدي لا رجعة عنه نحوها.
وبالنسبة لردّ الفعل الفلسطيني والعربي والدولي، ثمة ضرورة لمواصلة العمل على حل الدولتين والتوافق الداخلي على خطة عمل جدية وراسخة، لجني مزيد من الاعتراف الدولي بها ورفع مكانتها إلى دولة كاملة العضوية بالأمم المتحدة، وهو أمر مهم جداً من أجل مواصلة الكفاح السياسي والدبلوماسي حول السردية والرواية وعدالتها أمام الرأي العام العالمي، كما بالجانب القضائي المتعلق بالمحاكم الدولية ذات الصلة - الدولية والجنائية - لعزل إسرائيل ومحاسبتها على جرائمها بفي غزة بشكل خاص، وفلسطين بشكل عام، بما في ذلك منع الفلسطينيين من حقهم الأصيل وغير القابل بالتصرف، لتقرير المصير.

دولياً، ثمة رفض واسع لخطة الضم أو فرض السيادة على الضفة واغلاق الباب امام حل الدولتين خاصة أوروبياً، وهناك تفكير بفرض مزيد من العقوبات على إسرائيل، وعدم الاعتراف بالوقائع التي تسعى لفرضها على الأرض ومقابلتها بمزيد من الإجراءات السياسية والدبلوماسية والاقتصادية ضدها، ما يعني فرض عزلة كاملة عليها قد لا تستطيع حتى أمريكا-ترامب إنقاذها منها.
بالعموم، إذا وصلنا إلى نقطة فرض الضمّ بالقوة وصار أمراً واقعاً. فيفترض أن ننتقل للمطالبة بدولة ديمقراطية واحدة لكل مواطنيها في فلسطين، وهو ما يعني أيضاً نهاية وزوال المشروع الصهيوني ولو مع الوقت، ولكننا نحتاج عندها وبالضرورة إلى قيادة جديدة شابة ومنتخبة جديرة متبصرة ومصداقة موثوقة، تقود نضالاً وكفاحاً عنيداً ومصمماً، ومقاومة شعبية عارمة للاحتلال، كما لنظام الفصل العنصري الصارخ والرسمي، وفقاً للنموذج الناجح والمنتصر في جنوب أفريقيا.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها