لا يزال كثير من المهجرين واللاجئين السوريين، الشباب منهم على وجه الخصوص، يفضلون تحمل الظروف القاسية والاستثنائية التي يعيشها لبنان على العودة إلى مناطقهم الخاضعة لسيطرة النظام، خشية تعرضهم للاعتقال التعسفي الذي طال عدداً من العائدين هرباً من القصف الإسرائيلي المتصاعد منذ 23 أيلول/سبتمبر الماضي.
ووثقت الشبكة السورية لحقوق الإنسان الأسبوع الماضي، اعتقال ما لا يقل عن تسعة لاجئين سوريين معظمهم من ريف دمشق، بتهمة الفرار من أداء الخدمة الإلزامية وتخلف بعضهم عن الالتحاق بالخدمة الاحتياطية.
وسبق أن أصدر النظام السوري قراراً بإعفاء الفارين والمطلوبين للخدمة العسكرية من إجراء تسوية على الحدود، مقابل منحهم أوراقاً صالحة لمدة شهرين لمراجعة شعب التجنيد العسكري الخاصة بهم، شريطة ألا يكونوا مطلوبين لجهات أمنية أخرى، الأمر الذي يؤكد أحقية مخاوف السوريين من العودة إلى بلادهم.
الأطفال والنساء غالبية العائدين
ويمثل عبد الرحمن صاحب (27 سنة)، الذي لجأ من مدينة حمص إلى منطقة البقاع، شريحة واسعة من الشباب السوريين المقيمين في لبنان، بعد أن قرر النزوح إلى مدينة طرابلس، على ملازمة عائلته التي عادت إلى سوريا مع بدء القصف الإسرائيلي على الجنوب اللبناني.
ولجأ عبد الرحمن إلى شقة صغيرة يقطنها مجموعة من الشبان السوريين وسط طرابلس، كانوا قد استأجروها قبل تصاعد الأحداث، لتتحول إلى مركز استقبال للنازحين، نتيجة الصعوبات الكبيرة في الحصول على مسكن في مدينة تستقبل يومياً عشرات الأسر النازحة.
ويؤكد أن غالبية الرجال يفضلون إرسال عائلاتهم من الأطفال والنساء إلى سوريا دون أن يشملهم ذلك لأسباب أمنية، خصوصاَ وأنهم يشككون في التزام عناصر النظام بالقرارات التي يصدرها مسؤوليه.
وبحسب تقرير "وحدة إدارة المخاطر والكوارث" اللبنانية، فقد بلغ عدد الوافدين إلى سوريا منذ بدء التصعيد الإسرائيلي، نحو 240 ألفاً، بينهم 176 ألف و80 سورياً، و63 ألفاً و373 لبنانياً.
الخوف من المجهول
حالَ الخوف إذاً من المصير المجهول أمام عودة سليمان إلى سوريا رغم وصوله معبر المصنع الحدودي، ليغير مساره باتجاه مدينة صيدا، قبل نقله إلى مركز إيواء مؤقت في مدينة طرابلس، رفقة ابنه وزوجته التي قررت البقاء إلى جانبه.
ويوضح سليمان الذي كان يعيش في ضاحية بيروت الجنوبية، أن موجات النزوح الجماعية للسكان والقصف العنيف، دفعاه لاتخاذ قرار العودة، قبل أن يعدل عن نيته عند اقترابه من الحدود السورية.
ويقول: "المؤكد أني مطلوب للخدمة الإلزامية، لكن الخوف الأكبر أن أكون مطلوباً أمنياً أو سياسياً كحال الكثير من السوريين خارج البلاد، إضافة إلى صعوبة وصولي إلى مدينة البصيرة الخاضعة لسيطرة قسد في ديرالزور، ما يجعلني تحت رحمة النظام".
لبنان بمأساته أفضل من سوريا النظام
وسبق أن أصدرت جهات ومنظمات حقوقية ودولية، منها الشبكة السورية لحقوق الإنسان، تقارير حول اعتقال النظام السوري للاجئين عائدين إلى سوريا، حيث وثقت الشبكة اعتقال ما لا يقل عن 4714 سوري قادم من لبنان، منذ عام 2014.
ويوضح مدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان فضل عبد الغني لـ"المدن"، أن الشبكة وثقت تسع عمليات اعتقال لسوريين عند المعابر الحدودية خلال عشرة أيام، وهي إحصائية أولية لأعداد المعتقلين العائدين من لبنان بسبب صعوبة تتبع جميع الحالات، بالنظر لأعداد الوافدين الضخمة.
وبالإضافة إلى حالات الاعتقال، يقول عبد الغني: "وثقنا حالات تجنيد إجباري لعدد من الشباب فور دخولهم الأراضي السورية، دون مذكرة إخطار لذويهم، وهي أعمال مخالفة للقانون بحسب القرارات التي أصدرها مؤخراً، على غرار الاستمرار بإجبار السوريين المتكدسين عند المعابر الرسمية بتصريف مبلغ 100 دولار، وهو ما يندرج ضمن التمييز العنصري اتجاه المواطن السوري".
ودعا إلى عدم انجرار السوريين إلى الفخ الذي ينصبه النظام بالحديث عن ضمانات وإيقاف العمل بالإجراءات الأمنية التي تؤرقهم، مضيفاً أن "كل ما يصدره النظام يندرج ضمن الدعاية الإعلامية، مع استمراره بالتشديد والتضييق على السوريين واعتقالهم، ما يدفعنا للمطالبة بعدم عودة السوريين إلى مناطق سيطرة النظام، رغم الظروف القاسية والمرعبة التي يعيشونها في لبنان على وجه الخصوص، والتوجه إلى المناطق الآمنة في بلاد اللجوء، بسبب الخشية مما ينتظرهم في بلدهم".
تمييز بالمعاملة
وكان المرصد السوري لحقوق الإنسان قد وثق اعتقال النظام 35 سورياً على طريق السلمية-الرقة، بعد دخولهم الأراضي السورية.
لكن السوريين الذين فضلوا النزوح باتجاه مناطق تعدّ آمنة داخل لبنان، يواجهون ظروفاً قاسية وتمييزاً في المعاملة، نتيجة تزايد أعداد النازحين وامتلاء مراكز الإيواء التي افتتحتها المؤسسات الإنسانية والحكومية لاستقبال النازحين من جنوب لبنان، بحسب المفوضية السامية لحقوق اللاجئين في لبنان.
أمر يؤكده لاجئون سوريون اضطروا إلى التنقل بين مراكز الإيواء والمبيت في الشوارع والساحات العامة، بسبب رفض مسؤولي المراكز استقبالهم، بينما تعرضت عائلات للطرد من مراكز أخرى.
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها