تتناقض التصريحات الأخيرة لوزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان، التي أطلقها من دمشق بشأن موقف بلاده من العملية التركية المُرتقبة في الشمال السوري، مع تصريحات كان قد أدلى بها الأسبوع الماضي خلال زيارته الى تركيا، أعلن فيها عن تفهم بلاده للمخاوف التركية، ليشكل هذا التناقض ما يشبه "الانعطافة" في الموقف الإيراني.
وفي تصريحات بدت "تصحيحية"، قال عبد اللهيان خلال لقائه وزير خارجية النظام فيصل المقداد في دمشق السبت، إن بلاده "تعتبر أي تدخل أجنبي أمراً غير صائب وغير صحيح وهو عنصر يعقد الأوضاع"، مشيراً إلى معارضة طهران لأي "عمل عسكري خارجي في سوريا".
ومن الواضح أن مواقف إيران المتضاربة حيال العملية التركية تعكس حذراً واضحاً من طهران، التي تبدو مواقفها متأرجحة بين التأييد حرصاً على إرضاء أنقرة، والرفض مراعاة لموقف حليفها النظام السوري.
وكان عبد اللهيان قد أعلن الإثنين الماضي، في مؤتمر صحافي مشترك مع نظيره التركي مولود تشاووش أوغلو أن بلاده تتفهم جيداً مخاوف تركيا الأمنية، مضيفاً: "نتفهم أن عملية خاصة قد تكون ضرورية".
ويعيد الصحافي في وكالة "الأناضول" التركية، محمد مستو، تضارب مضمون تصريحات عبد اللهيان بخصوص العملية العسكرية التركية، إلى "الدبلوماسية" الإيرانية المعتادة. ويرى في تصريح لـ"المدن"، أن حديث عبد اللهيان عمّا يشبه التأييد للعملية العسكرية التركية خلال زيارته تركيا، "لم يكن أكثر من تصريح دبلوماسيّ"، مضيفاً: "ربما شعر عبد اللهيان أن حديثه فُهم على نحو آخر، أي التأييد للعملية العسكرية، ولذلك اختار دمشق ليطلق تصريحات مخالفة في المضمون".
ويشير مستو إلى قراءة وسائل إعلام مختلفة لتصريحات عبد اللهيان من أنقرة، على أنها موافقة ضمنية على العملية، ويقول: "لم توافق إيران على أي عملية عسكرية تركية شنها الجيش التركي في الشمال السوري، ومن المفهوم من وجهة نظر أنقرة أن تعارض طهران هذه العملية بالذات، نظراً لقرب بلدتي نبل والزهراء الشيعيتين شمال حلب من تل رفعت الموضوعة على رأس أهداف العملية التركية".
ويرى الصحافي في الوكالة التركية شبه الرسمية، أن إيران بنفوذها المحدود في الشمال السوري "لا تستطيع منع تركيا من شن عملية عسكرية، تعتقد أنقرة أن الظروف الحالية مواتية لشنها"، مؤكداً أن "تركيا لن تضيّع هذه الفرصة"، فيما يدرك المسؤولون الاتراك أن الظروف "قد لا تتوافر مرة ثانية في حال إضاعة هذه الفرصة"، في إشارة إلى التقارب مع الغرب، وخصوصاً بعد موافقة تركيا على توسعة حلف شمال الأطلسي "ناتو"، وحاجة الغرب المتزايدة لها بسبب القطيعة مع روسيا.
واتسمت مواقف طهران من العملية العسكرية بالتذبذب، حيث عارضت طهران بشكل معلن أي تحرك تركي جديد فور إعلان تركيا عن عزمها شن عملية عسكرية في الشمال السوري، وبدأت وسائل إعلام تابعة لها بالحديث عن "الخطر" الذي يحيط ببلدتي نبل والزهراء، وعن ضرورة تفاديه من خلال زيادة التنسيق بين الميليشيات الموالية لها وجيش النظام السوري و"قسد"، ومن ثم جاءت تصريحات عبد اللهيان من أنقرة مفاجئة بعض الشيء، إلى أن أعادت طهران الموقف الأخير، أي اعتراضها على العملية.
ويُرجع الباحث المختص بالشأن الإيراني مصطفى النعيمي ذلك، إلى "إدراك طهران لتأثيرها المحدود في أمور عسكرية تخص بقية الأطراف الموجودة في سوريا"، ويقول لـ"المدن": "تحاول طهران التكيف مع المتغيرات، وكذلك تريد في الوقت ذاته إثبات وجودها".
ويوضح أن طهران أعطت إشارات لأنقرة بأنها لن تزج ميليشياتها في معركة تحاول تركيا الحصول على موافقة واشنطن وموسكو عليها، وفي المقابل تقوم بإرضاء النظام بتصريحات سياسية غير مؤثرة، أي الإعلان عن معارضتها العملية العسكرية، مستدركاً: "غالباً، زيارة عبد اللهيان تهدف إلى منع وقوع أي صدام عسكري بين قوات النظام السوري والجيش التركي، في حال بدأت العملية".
وهنا، يشير النعيمي إلى استهداف طائرة مسيّرة تركية، الأحد، نقطة عسكرية تابعة للنظام السوري في مدينة تل رفعت بريف حلب، مختتماً "هي رسالة تركية واضحة للنظام".
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها