في الوقت الذي تواصل الطائرات الحربية والمسيّرة التركية قصف أهداف تابعة لقوات سوريا الديمقراطية (قسد) لليوم الخامس على التوالي، أخذ موقف الولايات المتحدة من العملية نهجاً تصاعدياً خالياً من الحدّة ضد تركيا.
فبعد موقفٍ أشبه بالصمت خلال أول يومين للعملية، بدأت مؤسسات الإدارة الأميركية ممارسة نوع من التصعيد بالخطاب بالتزامن مع إعلان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان نيّته البدء بعمل عسكري بري موازٍ للعملية الجوية "المخلب- السيف"، ووصول الضربات التركية إلى مرحلة شكّلت خطراً على الجنود الأميركيين قبل يومين.
تجنّب الإدانة
لكن التعليقات الأميركية جميعها، لم تكن على قدر كبير من الحدّة الموازية لقوة العملية وكثافة الغارات، وتجنّبت جميعها توجيه إدانة واضحة للعملية التركية على الرغم من توسيع الطائرات التركية لبنك الأهداف ضد "قسد"، إذ وصلت إلى عمق البادية في دير الزور لأول مرة، كما طاولت مواقع أخرى ضمن مدينة القامشلي شمال الحسكة، للمرة الأولى أيضاً.
وعلى الرغم من اعتراف القيادة المركزية الأميركية بعد نفي سابق، بأن الغارة التركية التي استهدفت موقعاً عسكرياً ل"قسد" قرب قاعدة عسكرية لقوات التحالف في منطقة استراحة الوزير في ريف الحسكة الشمالي، إلا أن اللهجة الأميركية تجنّبت الإدانة المباشرة للضربة الجوية، بل عبّرت كما في أغلب المواقف السابقة عن تفهمها لما وصفته ب"المخاوف الأمنية المشروعة لتركيا في ما يتعلق بالإرهاب"، وفق الخارجية الأميركية.
والواضح، أن ردة الفعل الأميركية كانت "ضعيفة" بالفعل على العملية التركية كما وصفها القائد العام ل"قسد" مظلوم عبدي الثلاثاء، كما هدّد واشنطن الأربعاء، وفق قناة "فوكس نيوز" الأميركية، بأن قواته "لن تكون قادرة بعد الآن على مساعدة الولايات المتحدة في محاربة تنظيم (داعش)"، قائلاً إن على قواته "التصدي "للهجمات التركية". وأضاف "نحن لم نجمد العمليات المشتركة ضد "داعش" إلى جانب التحالف الدولي عن قصد. لكن كما أقول، كان علينا وقف هذا العمل لأننا نتعرض لضغوط هائلة من توغل تركي محتمل في مناطقنا".
العملية البرية
غضّ الطرف الأميركي، لم يقتصر على نهج واشنطن "اللطيف" في التصريحات التي بالكاد تنتقد تركيا كما يصفه سونير كاجابتاي من معهد واشنطن لسياسيات الشرق الأوسط بشأن "العنف" في سوريا، وقال لصحيفة "بوليتيكو" الأميركية: "لا أستطيع تذكر أي بيان جرت صياغته بلطف حول التوغل التركي في سوريا منذ فترة طويلة"، إنما كان هناك اختراق للأجواء التي تسيطر عليها القوات الأميركية في شمال سوريا من قبل المقاتلات التركية خلال الضربات الجوية على "قسد" ما يدل على وجود تنسيق أميركي- تركي خلال العملية، وفق وكالة "رويترز".
وبناءً عليه، فإن البعض يرى أن واشنطن غيّرت من موقفها السابق الرافض لعملية برية تركية، كان الرئيس التركي قد لوّح بالقيام بها قبل نحو 5 أشهر، وأعاد قبل يومين التأكيد على أنه بصدد القيام بها، من خلال التغاضي عن العملية الجوية، فهل تغيّر الموقف الأميركي فعلاً؟
يقول المعارض السوري في واشنطن أيمن عبد النور ل"المدن"، إن الفارق في الموقف الأميركي عما كان عليه قبل أِشهر هو تفجير إسطنبول الذي حصل بعد ساعات من وصول رئيس وكالة الاستخبارات الأميركية بيل بيرنز إلى أنقرة، وقبل يومين من وصول وفد أميركي غير مُعلن كان قد تم الاتفاق على قدومه قبل شهر بين تركيا والولايات المتحدة، وبالتالي، فإن الأتراك أصبح لديهم قوة في طرح ما يريدون على الجانب الأميركي من أجل تخفيف "الإرهاب" الذي يتعرّضون له عبر الضربات الجويّة، حسب تعبيرهم.
ويؤكد عبد النور أنه كان هناك بالفعل تباينٌ واضحٌ في المواقف الأميركية حول الضربات الجوية التركية الأخيرة، فبينما يؤكد منسق الشرق الأوسط في البيت الأبيض بريت ماكغورك بضرورة عدم زعزعة الاستقرار في شمال شرق سوريا، لا يمانع كل من الجيش والاستخبارات الأميركية بتوجيه ضربات جوية محدودة ضد قوات حزب "العمال" الكردستاني والمتحالفين معها في سوريا والعراق، إلا أن جميع مؤسسات الإدارة الأميركية متفقة على رفض أي تحرك بري للجيش التركي يؤثر على العمليات ضد "داعش"، ويقضي على "قسد".
تأديب قسد
ويوضح المعارض السوري أن سجالاً دار بين عدد من الممثلين للجهات الأميركية الست المسؤولة عن الملف السوري حول السماح بالضربات الجوية التركية، إلا أن الجهات توصلت إلى ما يشبه التسوية في النهاية بالتوافق على توجيه ضربات محدّدة ودقيقة ومعلومة الأهداف مسبقاً ضد "قسد" تكون بمثابة تأديب لها على إشراكها للروس والنظام السوري في بعض الخيوط في مناطق سيطرتها شمال شرق سوريا، مشيراً إلى أن الموافقة لا تعني قطعاً إعطاء القوات الاميركية إحداثيات مواقع "قسد" للأتراك كما يفعل النظام السوري حالياً، كما لا تعني تغيّر الموقف الأميركي برفض تدمير وإنهاك "قسد"، لافتاً إلى أن هذا الأمر تتفق عليه جميع المؤسسات الأميركية المعنية بالشأن السوري.
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها