الجمعة 2022/10/28

آخر تحديث: 14:23 (بيروت)

التكية السليمانية في دمشق..ضحية جديدة لمشاريع النظام الربحية

الجمعة 2022/10/28
التكية السليمانية في دمشق..ضحية جديدة لمشاريع النظام الربحية
increase حجم الخط decrease
أثار إعلان وزارة السياحة في حكومة النظام السوري عن مشروع لإعادة ترميم التكية السليمانية الأثرية في دمشق، مخاوف أصحاب المهن التراثية وحرفيي "سوق التكية" من أن يؤدي المشروع الجديد إلى خسارتهم ورش أعمالهم ومحلاتهم بشكل نهائي.
ويعود بناء التكية السليمانية إلى عهد السلطان العثماني سليمان القانوني، الذي أمر ببنائها عام 1554، وتشغل مساحة تقدر بنحو 1000 متر مربع، في الموضع الذي كان يقوم عليه قصر الظاهر بيبرس، المعروف باسم "قصر البلق" بتصميم المهندس المعماري الشهير سنان.
وكشف رئيس لجنة سوق المهن اليدوية عرفات أوطه باشي في حديث لإذاعة شام إف إم المحلية، عن توجيه وزارة السياحة إنذارات بإخلاء المحال والورش في سوق التكية السليمانية خلال مدة أقصاها شهرين، مشيراً إلى أن مدة المشروع نحو سنتين، ما يعني اضطرار أصحاب الورش للبحث عن أماكن بديلة للاستمرار في عملهم.

إخلاء التكية
لكن التجار يتخوفون من المماطلة بأعمال الترميم لإجبارهم على مغادرة التكية من دون رجعة، خاصة بعد رفض وزارة السياحة تقسيم المشروع إلى مراحل، بما يضمن استمرار عمل الورش داخل التكية، ورفض مقترح مساعدتهم من قبل التجار بإجراء إصلاحات بسيطة، والمساهمة في عملية الترميم كحرفيين تراثيين، وإصرار الوزارة على إخلاء جميع المحال بموجب إنذارات وجهتها للتجار والحرفيين.
وما يعزز هذه الشكوك الارتفاعات المتكررة لبدلات الاستثمار على أصحاب الورش، وتوقف حركة البيع والتجارة من خلال تهميشهم وعدم دعوتهم للمشاركة في المعارض والمهرجانات التي كانت تمثل مصدر دخل رئيس لهم، وتجنب استقدام الوفود السياحية والزوار إلى التكية.
وبحسب إحصائيات حكومية، يتراوح عدد الورش اليدوية بين 30 إلى 35 ورشة، تضم مهناً تراثية مهددة بالاندثار، مثل البروكار والسجاد اليدوي ومصنع الزجاج وحرفيي النحت على الخشب والنحاس، بالإضافة إلى الجلديات، وهي ورش تعيل ما لا يقل عن 250 عائلة.
ويوضح أحد تجار السوق أن حركة البيع تراجعت بنسبة كبيرة خلال السنوات الثلاث الماضية، رغم ارتفاع أعداد السائحين وزوار المقدسات الشيعية في دمشق، فضلاً عن التضييق على أصحاب الورش لإرغامهم على المغادرة، من رفع بدلات الإيجار وإهمال النظافة العامة والخدمات للتكية وساحتها وجامعها.
ويشير في حديث مع "المدن"، إلى أن هجرة الحرفيين وإغلاق الكثير من ورش الأعمال التراثية خلال سنوات الحرب، عزّز من أهمية سوق التكية السليمانية، باعتباره آخر المراكز للكثير من المهن المهددة بالاندثار، وبالتالي فإن إخراج التجار والصناعيين المتخصصين بهذه الحرف لفترة طويلة منه، يعني إجبارهم على البحث عن مصادر رزق جديدة بعيدة عن مهنتهم الأصلية بسبب خسارتهم السوق والزبائن من السياح وقصاد التكية.
وكانت عمليات الترميم السابقة التي انطلقت عام 2019، وانتهت أواخر 2021، بالتنسيق مع مؤسسة "الأمانة السورية للتنمية" التي تديرها أسماء الأخرس، زوجة رئيس النظام السوري بشار الأسد، قد شهدت جدلاً واسعاً بين السوريين، بعد تأكيد رئيس لجنة سوق المهن الأثرية على اطلاعه على المشروع الذي يتضمن إنشاء مطعم في القاعة المقابلة لجامع التكية الكبرى، وقاعة أخرى للمأكولات السورية.

ترميم أم استثمار

ورغم تأكيدات وزارة السياحة على أن المشروع لا يهدف إلى إخراج أصحاب المهن منها أو تغيير معالمها الأثرية، إلا أن طرح مشروع جديد بهذه السرعة أثار الشكوك في نوايا الوزارة، خاصة بعد تزايد الحديث عن وجود مخطط استثماري جديد على غرار بقية المناطق الأثرية المجاورة لها، مثل مقهى الحجاز والسوق العتيقة.
فقد اعتاد السوريون على تسريب المخططات المتعلقة بالمعالم التاريخية الحساسة قبل الإقدام على تنفيذها، كما هو الحال مع التكية السليمانية، حيث صدرت إشاعات عن توجه حكومي لترميمها بغرض استثمار أجزاء منها في مشاريع المقاهي ومحال الوجبات السريعة، وأخرى عن وجود استثمارات خارجية منها المطاعم الصينية والمحلية.
ويتشبث تجار التكية ممن استطاعت "المدن" التواصل معهم، بآخر الخيوط التي قد تمنع خروجهم، والمتمثلة بالعوائق القانونية التي تمنع النظام السوري من إجراء أي تغيرات دون موافقة الحكومة التركية، باعتبارها وقفاً عثمانياً يخضع لحماية أنقرة.

قانون ولكن..
لكن المحامي عبد الناصر حوشان، عضو نقابة محامي حماة الأحرار، يوضح أن ملف الآثار السورية بات خاضعاً للوصاية الروسيّة بعد التعاقد مع متحف الأرميتاج الروسي للقيام بأعمال ترميم الآثار في سوريا، على إثر طرد كل البعثات الأجنبيّة الأخرى من البلاد.
ويقول ل"المدن": "مشاريع ترميم الآثار تتم بدعم من منظمة الثقافة والعلوم الأممية (اليونسكو) والتي تعتبر الأمانة السوريّة للتنميّة عضو مُحكّم فيها، وهي من تتولى إعداد المشاريع ووضع ميزانياتها بما يفوق تكلفتها الحقيقية عشرات المرات".
ولم يستبعد حوشان أن يكون المشروع مقدمة لتسليم المكان للشركات الإيرانية، بعد تسليمها ملف إعادة اعمار المدن و التطوير العقاري، مضيفاً أنه "يمكن للسلطات الأثرية، وبحسب المادة 5 من قانون الآثار، إجلاء الهيئات والأفراد الذين يشغلون أبنية تاريخية أو مناطق أثرية تملكها الدولة، والذرائع كثيرة، منها الإهمال أو عدم ممارسة الحرفة أو عدم مطابقتها مع المعايير القانونية للإشغال واستثمار الآثار".

لا حسيب على المشاريع
ويتفق الخبير الاقتصادي في مجال المنظمات الدولية أحمد عزوز مع الشهادة السابقة، مشيراً إلى أن مؤسسة "الأمانة السورية للتنمية" مستفيدة من جميع المخططات الاستثمارية، إن كان الترميم والإبقاء على الورش أو تحويل السوق إلى مطاعم.
ويضيف أنه "من المهم بالنسبة للمؤسسة السورية للتنمية استمرار أعمال الترميم للحصول على المزيد من المشاريع وتحقيق أرباح خيالية، في ظل غياب المسائلة والرقابة وتقييم المشاريع التي تنجهزها بدعم من المنظمات الأممية، ومنها اليونيسكو".
أهمية التكية السليمانية لا تقتصر على سوقها، رغم أنه يعد من أهم الأسواق التراثية في المنطقة، لغناه بالورش والحرف اليدوية، فهي تمثل المعلم السياحي الأبرز بعد الجامع الأموي في دمشق، كما أنها تخضع للوصاية التركية باعتبارها أثراً عثمانياً، لكن الحرب غيرت الكثير من الظروف، ويبدو أن التكية السليمانية لم تكن بعيدة عن مخططات النظام لتحصيل السيولة النقدية.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها