الأحد 2024/09/08

آخر تحديث: 18:57 (بيروت)

الشمال السوري يشكو "تكميم الأفواه"

الأحد 2024/09/08
الشمال السوري يشكو "تكميم الأفواه"
"التهم جاهزة، لكن أوامر الاعتقال لم تصدر بعد" (أرشيفية - غيتي)
increase حجم الخط decrease
أثار تصاعد عمليات الاعتقال والتضييق للحريات التي تطاول الناشطين في الشمال السوري، موجة غضب بين الأوساط الشعبية، في ظل المخاوف حيال سياسة تكميم الأفواه وتزايد حالات الاختطاف والتغييب التي تمارسها قوى الأمر الواقع بدعم الأجهزة الأمنية التركية المسيطرة على المنطقة.
وخلال الشهرين الماضيين كثفت السلطات التركية حملاتها الأمنية وملاحقتها للصحافيين والناشطين السوريين المقيمين على أراضيها ومناطق نفوذها في الشمال السوري، حيث ارتفع عدد المحتجزين إلى 7 ناشطين، فضلاً عن إصدارها مذكرات ترحيل بحق آخرين، منهم مراسل قناة "أورينت" سابقاً قصي عمامة.
ورغم نجاح الحراك الشعبي الذي شهدته أرياف حلب الشمالية والشرقية المطالب بالإفراج عن الناشط الإعلامي بكر قاسم، بالضغط على الشرطة العسكرية التي أطلقت سراحه مساء الاثنين، بعد أسبوع من الاعتقال التعسفي، لا يزال مصير العديد من الناشطين المحتجزين مجهولاً.

التهم جاهزة للجميع
"التهم جاهزة، لكن أوامر الاعتقال لم تصدر بعد". بهذه الكلمات يعبر كثير من ناشطي الشمال السوري عن الأوضاع التي تعيشها مناطقهم من تكثيف الحملات الأمنية والتضييق على السكان، في ظل تغييب المؤسسات القضائية المتهمة بالتواطؤ وغضّ الطرف عن انتهاكات سلطات الأمر الواقع والأمن التركي، مما يزيد مخاوف أن تطالهم الحملات.
ولم تكن حادثة القاسم الأولى، فقد سبقها اعتقال الشرطة العسكرية في مدينة اعزاز بريف حلب الشمالي الناشط الإعلامي كرم كلية دون مذكرة توقيف أو تهم واضحة، قبل تسليمه لمركز الاستخبارات التركي في قرية حور كلس الواقعة على الشريط الحدودي مع تركيا.
وتتم معظم عمليات الاعتقال في أرياف حلب الشمالية والشرقية الخاضعة لفصائل المعارضة المدعومة من أنقرة، عن طريق عناصر الشرطة العسكرية، التي تقتاد بعضهم إلى مراكز الاحتجاز في مدينة الباب، وآخرين يجري تسليمهم لجهاز الاستخبارات التركي.

وشايات وتلفيق تهم
ويؤكد ناشطون محليون أن إحالة المعتقلين إلى مركز حوار كلس سيئ الصيت، يؤشر على وجود وشاية أو تلفيق تهم  تتعلق بالأمن القومي التركي، أو التعامل مع تنظيمات تصنفها أنقرة على لوائح الإرهاب، أو الإساءة للدولة والرموز التركية، وغالباً ما تكون تهماً كيدية من قبل المتعاونين مع الجيش والمخابرات التركية في الشمال السوري.

ناشطو المهجر كملاذ
ويقول الناشط الإعلامي ميلاد الشهابي، إن المدني الموجود في الشمال السوري "صار يُحاسب على الكلمة، وقد لا يكون الحساب مباشراً من السلطات المحلية، بل يكون بطرق غير مباشرة من بينها تشويه السمعة أو تلفيق التهم والوشاية وغيرها".
ويضيف الشهابي: "معظم الناشطين سواء في مناطق سيطرة "هيئة تحرير الشام" أو مناطق "الجيش الوطني"، أصبحت حياتهم مهددة بالخطر نتيجة نقل الحقائق". 
ويشير الشهابي إلى أنه "في ظل غياب سلطة القانون، هناك مخاوف كبيرة على الناشطين، وقد لا يختلف الأمر عن المخاطر التي عاشوها عام 2011 في ظل حكم الأسد"، بينما لا توجد طرق لحماية أنفسهم إلا التحدث عن الانتهاكات بطريقة غير مباشرة، أو باستخدام الطرق الشائعة من قبيل تسريب الأخبار للناشطين المتواجودين في المهجر من أجل توثيق هذه الانتهاكات والتحدث عنها.

انتهاكات مستمرة
وبلغ عدد المعتقلين والمغيبين على يد فصائل "الجيش الوطني" و"هيئة تحرير الشام" 64 شخصاً، خلال شهر آب/ أغسطس الماضي، غالبيتهم اعتقلوا بسبب انتقادهم للانتهاكات والتجاوزات في المنطقة، بحسب تقرير نشرته "الشبكة السورية لحقوق الإنسان".
ويرى مدير الشبكة فضل عبد الغني، أن تكرار حوادث الاعتقال التعسفي بحق الصحافيين والناشطين دون مذكرات قانونية تحترم حقوق الإنسان، "يؤكد غياب الأمان".
ويضيف: "الخطر الأكبر في هذه الممارسات يكمن في أساليب الترهيب والتهديد، والقيام بأعمال الخطف والتعذيب وتهديد المقربين والمنع من العمل، وهي إجراءات تعيق الناشط عن ممارسة حقوقه التي يفترض أن يكفلها القانون، بدء من حق التعبير عن الرأي بمختلف الطرق، وصولاً إلى الشعور بغياب الأمن".
ويشير إلى ضرورة التزام سلطات الأمر الواقع باحترام القوانين والمواثيق الدولية، وتوفير قضاء مستقل يحاسب على الانتهاكات، وحماية السكان عموماً من البطش، لا ملاحقة المنتقدين والتضييق عليهم.

غياب سلطة القانون
بدورها تعتبر مدير منظمة "بلا قيود" الدولية المختصة بالدفاع عن المعتقلين الدكتورة فاتن رمضان، أن هذا التصعيد "لا يقتصر على الصحافيين فقط، بل يشمل أيضاً الناشطين الذين يواجهون تهديدات وتخويف خارج إطار القانون في سياسة تهدف لكم الأفواه والتضييق على الحريات، وهو ما أدى إلى تصاعد مشاعر الخوف والقلق بين الناشطين، الذين باتوا يخشون على حياتهم وحريتهم من توجيه أي انتقاد للسلطات الموجودة على الأرض".
وتضيف: "شهدت الفترة الأخيرة ارتفاعاً ملحوظاً في عدد الصحافيين المحتجزين من قبل الأجهزة الأمنية في إدارة هذه المناطق، الذين اعتُقلوا بسبب نشاطهم الإعلامي وتغطيتهم الصحافية، دون أي مذكرات توقيف قانونية".
وتحذر رمضان من استمرار هذه السياسات، خصوصاً وأنها "تؤدي إلى المزيد من العزلة لهذه المناطق، في وقت هي بأمسّ الحاجة لتعزيز شراكاتها وتحسين سجلها الحقوقي والإنساني وتقديم نفسها كبديل حضاري وديمقراطي عن نظام سلطة الأسد وبقية التنظيمات الإرهابية". 
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها